العم أحمد سعيد الأب والسند والعون المحب لوطنه

اليمن العربي

لا أجد كلمات يمكن أن تصف رحيل العم أحمد سعيد المحمدي ولا استطيع أن اصف حزني علي وفاته الا انني بوفاته تجدد حزني علي وفاة ابي فنفس الاسي والحزن الذي شعرت به عند وفاة والدي شعرت به عند وفاة العم احمد حقيقة لم اكن اتواصل معه في السنوات الاخيرة التي باعدتنا ولكنه يظل في قلبي ووجداني دوما .

 

 

 

منذ اللحظة الاولي التي عاد فيها والدي الي الوطن بعد سنوات طويلة من المنفي كان دوما معه العم احمد في كل خطوة يخطوها سند واخ وصديق لم يفترقا يوما ولم تفرقهم اي خلافات حتي يوم وفاة الوالد وبعدها .

 

 

ذكريات كثيرة لا يمكن تملؤها صفحات كتاب ، ولكني ما اذكره هو امثلة ترسم صورة لهذا الرجل العظيم الذي كان يعيش بيننا .

 

 

اذكر عندما تم تعيينه وكيل لمصلحة الاحوال الشخصية وتسلم سيارة اخذنا انا ووالدي في جولة لانحاء صنعاء وظل يتكلم كثيرا علي الفساد الذي وجده في المصلحة وكيف حاول ان يتصدي لهذا الفساد ومنه اقرار نموذج استمارة البطاقة الشخصية الجديدة والشركة التي حاولوا ان يفرضوها لطباعة البطاقة الشخصية الجديدة وكيف تصدي لمحاولات تمرير بطاقة دون المواصفات.

وظل يتهكم علي اسلوب دمج الجنوبيين في منظومة الفساد بعد الوحدة والعروض التي تقدم من اثاث و امتيازات وايجارات لكسب ودهم واحتوائهم وان هذا لم يؤثر فيه مطلقا .

 

 

وعندما تم فتح باب الترشيح لاول مجلس نيابي للجمهورية اليمنية عام 1993 ترشح عن الدائرة 150 عن الحزب الاشتراكي و ترشح الوالد عن الدائرة 163 كمستقل وظلوا يقوموا بجولاتهم الانتخابية معا ويلتقون بمواطني الدائرتين وانسحب الوالد من الانتخابات لصالح ناصر بلبحيث وعملوا سويا جاهدين وكانت فرحة والدي بفوز العم احمد تفوق الوصف.

 

 

وخطي خطوة تعلمت منها الكثير العم احمد اثناء تولية الدائرة في ظروف صعبة دقت طبول الحرب الا انه ظل علي موقفه محاولا جاهدا التواصل مع الاطراف السياسية كلها واعتبر نفسه مجاهدا من اجل تحقيق السلام وظل في صنعاء بقناعة انه يمكن راب الصدع وكان قابل علي سالم البيض في عدن بالايام الاخيرة قبل الحرب وابلغه بانه سيذهب الي صنعاء للتنسيق مع الكتلة.

 

 

ولكن كانت المؤامرة كبيرة وانفجرت الاوضاع بصنعاء وكنت حينها في صنعاء اثناء الدراسة وما ان كلمت والدي بعد صعوبة كبيرة في الاتصال كانت اول كلماته قبل السوال عني هل شفت عمك احمد اتحرك الي عنده بالفندق وشله الي عندك في العزبة خوفا عليه من بطش نظام صنعاء وبالفعل تحركت الي فندق الاخوة بشارع القصر للسؤال عنه ولم اجده وافادوني بالاستقبال بان سيارة حبه وربع اخذته وكدت ان اموت رعبا خوفا عليه ولم اعرف كيف اتصرف خاصة وان الاخبار المتداولة تفيد بانه تم اعتقال عدد كبير من الجنوبيين المتواجدين بصنعاء وتحركت الي منزل العم محمد احمد باشماخ ابو سالم بشارع هائل حينها لاخبره ودخلت الي المنزل وقابلت الاخ سالم واخبرته فجلس يضحك وقال انا الذي رحت واخذته ودار في بالي ما دار ببالك وما هي الا لحظات حتي دخل علينا العم احمد واحتضني وقال لي لا تخاف الامور طيبة واناعندك عم محمد و بنتحرك معا الي شبوة ومعنا مجموعة من الاخوان بنحافظ علي الناس وانت روح خليك علي دراساتك وهذه ازمة وبتمر وانه شاهد في التلفزيون صورة لمصاب يشبه صديقي واخي سعيد مصاب في مستشفي في عدن ولكنه تاكد انه ليس هو وقد اخبرني بذلك لكي لا اقلق و بعد قترة وجيزة تم اعلان فك الارتباط ووجدت انه من غير المناسب البقاء في صنعاء وخاصة وان الامور بدات تضيق اكثر واكثر علي الجنوبيين وبناء علي نصيحة الدكتور احمد بن سلمان تحركت الي البلاد بعد ان اعلمني بان والدي يقاتل في الجبهه ضد قوات صنعاء وانه من الممكن ان عرفوا بوجودي يتم اعتقالي للضغط علي والدي .

 

 

وتحركت في رحلة طويلة برا الي ان وصلت الي جول الريدة وكان ما بعد جول الريدة ممنوع ان يدخل المدنيين وفي اثناء الانتظار شاهدت سيارة العم بوسالم باشماخ واشرت له وتوقف وسالني عن سبب مجي ولماذا اخبرته باني اريد ان اذهب الي اهلي بحضرموت وقال تعال عمك احمد بيفرح بك كثيرا وطلعت معه وتحركنا الي ميفع وهناك في منطقة الحارة التقيت بالعم احمد وكان لقاء الاب للابن وسط المخاطر واخذ يلومني لماذا تخاطر بنفسك وتصل الي هنا لماذا لم تجلس بصنعاء ومن خشيته علي قال لي اجلس في احد المنازل ولا تتحرك قلت له اريد ان اذهب الي الوالد قال الطريق تم تلغيمه اجلس ولا تتكلم الي ان نشوف لك صرفه و جلست الي ان جاءات طائرات قصفت موقع المشروع فجاء الي عندي وقال الان ان بتتحرك تحرك وابلغ والدك اني هنا بخير ومع الجماعة لكي نحمي الناس من اي انتهاكات او سرقات فلو ما كنا معهم انا وعمك بوسالم لكانوا فعلوا الافاعيل باهلنا واخواننا.

 

 

وانتهت الحرب وظل علي منهجه في النزاهه والاخلاص للوطن واستمر في خدمة الدائرة الانتخابية ويقف ضد كل الاعتداءات التي يقوم بها النظام الغاشم بعد الانتصار بكل ما اوتي من القوة واستمرت علاقة الاخوة مع والدي لم تتغير رغم الاختلاف السياسي الظاهر ولكن الحقيقة انهم في محبتهم للوطن متفقون وما ان انتهت الحرب وكان والدي متخوف من الدخول الي المكلا خشية من الاعتقال بمنطقة الدهماء حتي قام بايصال له رسالة بان ياتي وجاء العم سالم باراس واخذه بسيارته وكان له موقف من اعتقال الكثيرين ومنهم علي ما اذكر العم محمد باهديله مدير مرور الجمهورية حينها والكثيرين ممن كان يتم التلويح باعتقالهم وممن تم اعتقالهم حيث كان يتدخل فورا لاطلاق سراحهم وعدم التعرض لهم ومساعدتهم لاعادة رواتبهم والتدخل لاعادة كل المنهوبات وكانت له مواقف يذكرها القاصي والداني ضد النهب وضد الاحتواء.

 

 

واشهد لله وللتاريخ ان كل من ظلم العم احمد باتهامه انه وقف مع الاحتلال الشمالي هو واهم ولا يعرف الحقيقة التي عايشتها الموقف الذي كان فيه فرض عليه وكان من الممكن ان يستثمره لمصلحته مثل الكثيرين ولكنه تبني هذا الموقف لمصلحة الوطن والمواطنين ولحمايتهم فلم يسعي يوما لمنصب اوسلطة مع النظام المحتل وكان يزدريه دوما ويعبر عن سخطة وغضبه في كل مناسبة .

 

 

وتزداد المضايقات علي والدي وتم الاستيلاءعلي منزلنا في عدن و بذل كل جهد العم احمد من اجل ايجاد حلول واخراج المعتدين ويقرر الوالد الخروج باسرته الي القاهرة وكان في وداعة وتوصيله الي المطار العم احمد وهو يوصيه بان يذهب فترة مؤقتة وان كل اموره يطمئن سيجد طريقة لحلها وكان يتصل بصورة يومية بالوالد يتحدث معه حتي توفي الوالد فجاة وكنت انا واخوتي نشعر بالحزن ولم نعرف كيف نتصرف ونتفاجا بقرع العم احمد علي باب المنزل في اليوم التالي لوفاة الوالد مواسيا ومعزيا وبكينا معا بكاء مرير.

وكان خير سند وعون من تلك اللحظة معنا واحضر معه توجيهات من نائب رئيس الوزراء حينها باجمال بصرف مساعدة مالية من السفارة بالطبع لم تصرف وقام وقدم من ماله مساعدة مالية لنا مساعدة اخ حاولت ان ارفضها ولكنه باسلوبه الابوي قال بلطمك شفني شلها انا اخو والدك واخذني الي الخارج للعشاء وقال لي اي شي لك يا ولدي انت واخوتك اناابوكم واي لحظة بغيتوا ترجعوا البلاد كلمني.

 

وعدت للوطن وعملت بالنيابة وكم كانت سعادته عندما عرف بنجاحي في اختبارات النيابة وكنت اتردد علي منزليه بصنعاء والغليله اعتبره كمنزلي وكانت العلاقة الاخوية بينه وبين الوالد لا يمكن وصفها بكلمات وانتقلت المحبة التي في قلوبهم بلا اي ارادة منا نحن الابناء الينا فكان ولا يزال احب اخوتي وافضل اصدقائي ونديمي الذي لايفارقني يوما هو اخي سعيد احمد وكل اخوته اخوه لي وكذلك اخوتي لا يجدوا سندا لهم الا ابناء العم احمد سعيد حتي والدتي وان ارادوا شي في كثير من الاحيان يكلموا سعيد ولا زالوا الي الان وعادل و ونبيل وبكيل اخوتي الصغار مثلما ينظر سعيد الي اخوتي.

سلسلة الذكريات طويله ولكن مما اذكره ايضا ويدل علي عظمة العم احمد انه عندما تم الاعلان عن اجراء انتخابات 1997 واعلن عم احمد علي الترشح وهو معروف بمعادته الشديدة لكل تجاوزات الموجودين بالسلطة كان ذلك مثار للتندر من قبل الرئيس المخلوع صالح حتي انه خلع ساعاته وقال خذوا ساعتي ان فاز هذا الاشتراكي ولكن بمحبة الناس استطاع ان يفوز رغم ان كان لي راي يتلخص في ان الانتخابات ستضفي شرعية علي النظام ولكن العم احمد وفق لنظرته اوضح اننا لا يمكن ان نترك المجال ليستغل ويكفي ان مجلس النواب هو المتنفس الذي يمكن من خلاله ايصال المظالم.

 

 

وبالفعل عندما وصل استطاع ان يؤسس لنظام لم يقوم به احد قبله حيث انه استطاع ان يحقق بالمخصص الذي تم تخصيصة لكل الدوائر الانتخابية من قبل وزارة النفط الكثير حيث قام بانشاء المدارس والوحدات الصحية في اكثر مناطق دائرته حرمانا دون اي محاباه لاحد وكان نصير الفقراء والمحتاجين من ابناء الدائرة يقضي حاجاتهم لم يرد احد وما ان لاحظ عقب انتخابه سعي المؤتمر الشعبي العام للاستيلاء علي مقاليد السلطة بصورة كاملة والعمل علي اقصاء كافة القوي السياسية والعمل علي اشاعة الفوضي حتي قدم استقالته من المؤتمر وافتخر بانه جعلني اطلع علي الاستقالة قبل ان يقدمها احتجاجا علي تلك التجاوزات وان اضع راي اي قلب محب هذا ويستمع من ابنه راي زارع الثقة في نفسي .

 

وعندما تم اعتقال اخي نزار من قبل نظام صالح ، واتهامه اتهامات باطلة يخشي في تلك الفترة اكبر القيادات من الخوض فيها لانها اتهامات تشمل تشكيل تنظيم انفصالي وانه ينتمي الي موج الجبهه الوطنية للمعارضة وغيرها تجعل من يفكر في التحدث عن الافراج عنه سيكون محل مسائلة وكان العم احمد كالعادة سند واب بالرغم من مركزه الا انه ذهب الي باجمال وكان وزير الخارجية وطالبه بالتدخل وقام بالاجتماع باعضاء مجلس النواب من حضرموت وطالبهم بالتحرك لاطلاق سراحة واسفرت الجهود عن تحويله من سجن الاستخبارات الي السجن الحربي لتتم محاكمته والتي اصدرت اخيرا حكما بتبرئته.

 

 

ومواقفة المساندة للحراك الجنوبي منذ اللحظات الاولي لانطلاقة وما تخلله من تاسيس لجمعية المتقاعدين الذي كان احد المؤسسين الرئيسين لها بثبات لا يتغير وبالرغم من كل ما يصله من اتهامات و كلمات خارجة و من وعيد وعروض الا ان مواقفه لا تتغير ثابته.

 

لا استطيع ان افي حق العم احمد بكلمات واشعر دوما بالتقصير في حقه والعجز في ان ارد شي يسير مما قدمه ولا اجد حل الا الاستكانه والدعاء دوما انه العم الذي كان قائد بطبعه المحب لوطنه كان دوما مثلا اعلي لي احاول ان اتعلم منه وان اتصرف مثله ولكن هيهات فلا يمكن لاحد ان يشابهه في عظمته ومحبته للناس ومحبه الناس له مخلصا دوما لوطنه ولقضيته ولعل مواقفه وتاريخه واضح لا غبار عليه يؤكد دوما محبته واخلاصة لحضرموت وللجنوب وسيرته العطره خير عزاء لنا وان كان ما فقدناه لا يمكن ان يعوض الا انه ترك لنا ابناء رباهم وسقاهم بمحبه الوطن وافتخر دوما بان العم احمد كان والدي الثاني بعد وفاة والدي .

 

 

يعتصرني الالم وانا اكتب هذه الكلمات ولا استطيع ان اوقف الدموع التي تنهمر من مقلتي لاني لم اتودع منه ولم اراه في السنوات الاخيرة لبعدي ولم افي له و لكنها الدنيا لا احد باقي فيها و لعل ما يجعلني اتماسك هو ثقتي دوما من سعة صدره ومحبته ستجعله يسامحني عن اي خطا ارتكبته في حقه فهو الاب الانسان المحب الصادق الحنون ولله الحمد من قبل ومن بعد.