نادية صبره تكتب: من بغداد إلى بيروت ثورة واحدة ما بتموت

اليمن العربي

تسعة أيام كانت كافية لأن يظهر (حسن نصر الله) وجهه الحقيقي القبيح للمتظاهرين في لبنان بعد أن حاول تصنع الهدوء والصبر وأنه داعم للاحتجاجات الشعبية ولمطالبها المشروعة…

 

وقد أطل (نصر الله) على الشعب اللبناني في كلمة استمرت قرابة الساعة وربع يوم الخميس الماضي وهذه هي المرة الثانية التي يلقى فيها خطاب منذ إندلاع الاحتجاجات التي انطلقت من بيروت وامتدت إلى كل المدن اللبنانية للمطالبة بسقوط النظام الطائفي المترهل وإجراء إصلاحات اقتصادية ورفع يد إيران ووكلائها واستقلالية القرار السياسي اللبناني وغيرها من المطالب..

 

وقد بدء (نصر الله) بالتشكيك بعفوية التظاهرات ويصف ما يحدث من مواطنين يطالبون بمعيشة كريمة أنهم مدعمون من سفارات أجنبية وخليجية وأحزاب دخلت على خط الحراك لتفاقم الأزمة وأن لديه ليس فقط شكوك بل معلومات وأسماء…

 

وأن الأزمة لم تعد داخلية بين طبقة حاكمة وشعب محتج كما يرى هو ووضع تصنيف قسم فيه المشاركين في التظاهرات إلى أربع أقسام وأكد أنه لا يقبل بأي حل يُفضي إلى فراغ واسقالة الحكومة خشية من الوصول إلى الحرب الأهلية التي كررها عدة مرات.

 

لم يكن غريباً بالطبع أن اسمع هذا الخطاب من نصر الله كنت أتوقعه وأعلم أنه لن يصبر كثيراً وهو يرى الحراك الذي بدء بألف شخص في ساحة رياض الصلح وسط بيروت ووصل إلى 2.5 مليون مواطن لبناني زلزلوا الأرض تحت أقدام نصر الله وميليشياته حتى الضاحية الجنوبية أكبر معاقل حزب الله ومدينة (صور) معقل حركة أمل امتلأت ساحتها بالمتظاهرين…

 

لم يكن غريباً أن يحاول نصر الله شيطنة الانتفاضة والحراك الشعبي بعد أن اتهمه المتظاهرون بتنفيذ مشروع إيران في لبنان وتعالت الهتافات (كله بره حتى حزب الله).

 

خطاب نصر الله أكد أيضاً أن اللعب أصبح على المكشوف خاصة في ظل ما حدث في العراق فهناك انتفاضة حقيقية للشعوب التي تعاني نفوذ إيراني وتستشري فيها الطائفية والمحاصصة فأينما وجدت إيران وجدت الطائفية والميليشيات التي هي أقوى من الدولة…

 

نصر الله حذر وهدد بحرب أهلية لأنه يعلم جيداً أنه سينتصر فيها فهو أقوى قوة على الأرض اللبنانية حالياً وأن الحرب في مصلحته هو وميليشياته التي هي أقوى من الجيش اللبناني فأول من يبشر بالحرب الأهلية هو من يملك السلاح… ولذلك فإنه تحدث بوقاحة يحسد عليها بعد أن أجبرته عشرة أيام من الاحتجاجات على أن يتصدر المشهد السياسي ويكون خطابه الذي أتى بعد يوم واحد من خطاب الرئيس (ميشيل عون) مسار الأحداث وليقولها صراحة أنا حاكم لبنان الحقيقي وهذه دولتي وهذا عهدي وهذه حكومتي ولن تسقط الحكومة وإلا فالفراغ وهو قادر على ذلك فقد عطل تشكيل الحكومة من قبل تسعة أشهر لتعيين الرئيس عون وعطل الانتخابات لتعيين (جبران باسيل).

 

وأن الحكومة ما هي إلا واجهة سياسية تتحمل معه المسئولية لأنه لا يمكن أن يحكم مباشرة نظراً للعقوبات الأمريكية والمواقع الدستورية تعمل لديه وأن لبنان كله قد تحول إلى وطن رهينة في أيدي حزب الله وشركاؤه.

 

كما وصف الورقة الاقتصادية التي قدمها الحريري بأنها انجازاً كبيراً… ولا أصدق أنه جاء اليوم الذي يدافع فيه نصر الله عن الحريري فهذا إهانة لذكاء الناس ولكل شخص يقرأ ويعرف تاريخ الرجلين…

 

وبالرغم من تقديري لسعد الحريري إلا أنني أعيب عليه أنه زعيم سني ضعيف وهذا ما يحتاجه حزب الله ليبسط نفوذه كما أنه لم يرد على خطاب نصر الله الذي حمل كثيراً من التهديدات بالرغم من أن الحريري عندما خاطب المتظاهرين قال لهم… لن أسمح لأحد يهددكم أو يحاول يخوفكم…

 

أخيراً (نصر الله) تحدث أن فيه قادة للحراك الشعبي غير ظاهرين ودعاهم أن يكشفوا عن وجوههم الحقيقية وأن منهم أحزاب سياسية معروفة بعضها كان في السلطة لعقود وبعضها لديه ارتباطات داخلية وخارجية…

 

وحذر الجماهير من استبدال طبقة يظنوها فاسدة بفاسدين فعلاً ونسى أنه هو أصلاً من أفسد الفاسدين ويجاهر بأنه جندي في ولاية الفقيه ويستقبل الإرهابي (قاسم سليماني) الذي يقود.

 

محاولات قمع الثورة اللبنانية… ما يحدث هو نتيجة تبرعات من اللبنانيين أنفسهم هكذا رد المتظاهرين على اتهامات قائد ميليشيا حزب الله لهم بتلقي أموالاً من السفارات…

 

مشكلة نصر الله الحقيقية هي أن كل اللبنانيين منخرطين في الثورة ولذلك يشعر بأن الرمال تتحرك تحت قدميه وضد مشروعه الطائفي في لبنان وأن أهم مطالب الحراك هي رفع الهيمنة وفرض يد إيران.. فلا يمكن استمرار الازدواجية في القرار بهدف زرع الذعر بين مواطنين ولذلك تحولت هتافات المواطنين في كل الساحات بشعار (من بغداد إلى بيروت ثورة واحدة ما بتموت…)

 

بالتأكيد إيران ستقاوم للحفاظ على نفوذها في العراق ولبنان وعلى امبراطوريتها التي تتباهى بها ستقاتل لآخر قطرة في الدم العراقي واللبناني فلا يوجد لديها حرص عليهما.

 

إلا أن هناك أمل في التمرد الشعبي الذي حدث في هاتين الدولتين والذي جعل المشروع الإيراني في المنطقة يترنح وهو ليس مشروع بسط نفوذ فقط إنما تهديد للهوية العربية والوطنية واستبدالها بالانتماءات الطائفية لكن هل سيكون هذا الحراك الشعبي كافي لإعادة هيكلة السلطة وإنهاء النفوذ الخارجي وطرد عملاء إيران ووكلائها في لبنان والعراق… هذا ما أتمناه وما ستكشف عنه الأيام القادمة…