حسين أبو بكر المحضار

بروفايل

حسين أبو بكر المحضار
حسين أبو بكر المحضار

الشاعر الكبير حسين أبو بكر المحضار ولد  في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت عام 1930، ونشأ في أسرة متصوفه ذات مكانة معروفة في حضرموت فهو حفيد الشاعر الشعبي المعروف "حسين بن حامد المحضار" وجده لأمه الشاعر الشعبي المعروف أيضا صالح بن أحمد خمور.

 

صار أسم لامع في وقت باكر وذاع صيته بداية في مدينة الشحر قبل أن يخرج من حدودها إلى كل اليمن ثم الخليج فالدول العربية، رغم أنه وحتى جاوز مرحلة الطفولة مر بطقوس حياة عادية للغاية، لا يوجد فيها ما يدهش بإختلافها.

 

فدراسته كانت في مدرسة مكارم الأخلاق التي تلقى فيها تعليمه الأولي بمقرها في مدينة ميلاده الشحر، ثم انتقل لاحقاً -كما هي العادة في تلك الحقبة لدى الأهالي في تعليم أبنائهم العلوم الدينية- إلى رباط الشحرليدرس هناك علوم القرآن الكريم والفقه والتوحيد وآداب اللغة والنقد، كما يرد ذلك في سيرته الذاتية.

 

لكنه حين بلغ  14 عاماً من عمره بدأ بكتابة قصائده، ولم يمض عامين على احترافه كتابة الشعر حتى وكانت كتاباته الشعرية تغنى وتردد على لسان أهالي مدينته.

 

في فبراير هذا العام مرت الذكرى السادسة عشر لرحيل المحضار، لكنه ما يزال حاضراً بعطائه الشعري، وما يزال صوت كلماته يصدح هنا وهناك ولا تخلو مناسبة من أسمه، فكلماته التي كتبها شعراً في العشق أوالوطن أو حتى تلك التي كانت أشعار صوفيه والتي كان يكتبها منذ صباه في طريق يقطعها بين السوق والبيت، كتبت له الخلود، فلم يستطع أي شاعر الاقتراب منها، ليظل مكانه شاغراً طيلة هذه السنوات التي أعقبت رحيله.

وما زاد من عمق تأثير كلمات المحضار هي ارتباطها بإلحانه، فالرجل إلى جانب كونه شاعراَ كان ملحناً، وتلك موهبة أخرى لا تقل عن الأولى أهمية، ما شكل من الأغاني التي أداها فناني اليمن والخليج له ما يشبه لوحة فنية مكتملة الجمال.

ونستطيع القول أنه لا يوجد فنان على مستوى اليمن أو الخليج لم يردد قصائد المحضار، سواء بالغناء مباشرة كأن يأخذ كلماتها وألحانها من المحضار، أو يؤديها ضمن فعالية غنائية لأنها تناسب صوته أو لأن كلماته مدهشة حد ما لا يمكن تجاهل التغني بها، الأمر الذي ساهم في تحقيق انتشار واسع لقصائده الغنائية.

 

وليس غناء قصائده ما ساهم في بقاء اسم المحضار حتى بعد وفاته، بل تستطيع القول أن العفوية التي غلبت على كلماتها والتي اعتمد فيها اللهجة العامية، وصدق ما كان يكتب عنه معبراً عما في خلجات النفوس هي التي ضمنت لكلماته خلودا إضافيا.

 

في حياته أصدر المحضار أربعة دوواين، كان آخرهم قبل وفاته بعام واحد، غير أن اللافت في تلك الإصدارات هي تكرار كلمة العشاق في عنوانيها، وهي كالتالي:" دموع العشاق 1966 ، ابتسامات العشاق 1978 ، أشجان العشاق 1999 ، وحنين العشاق 1999".

 

 

 

شاعر عاطفي بكل المقاييس وكتب في الحب والوله قصائد شتى، الأمر الذي دفع الكتاب لإعتباره واحد من الشعراء الذين هربوا من مركب السياسية في مراكب العشق، لكن كلماته لم تخلو من أشعار كان له أبعاد سياسية، وتوصيف لما تمر به بلاده اليمن في مراحل مختلفه.

 

لكنه لم ينج تماماً من السياسة ففي عام 1990 كان عضواً في أول مجلس للنواب في دولة الوحدة وذلك أن دل إنما يدل على ثقة كبيرة استطاع أن يؤسس لها في قلوب محبيه ممن أوصلوه إلى هذا المنصب الهام آنذاك، واستبق ذلك بتجربة مماثله في 1981 حينما انتخب لرئاسة مجلس الشعب الأعلى كما كان يسمى حينها.

 

إلى ذلك ارتبط اسم المحضار بالأغنية الحضرمية، ليس لجهة اللهجة وحسب، ولكنه الوحيد الذي استطاع أن يخرج الغناء الحضرمي من إطار "الدان" وهو اللون الغنائي الحضرمي الذي يقتصر على الأهازيج الشعبية والمواويل البدوية إلى أغنية حقيقة وعصرية مع الاحتفاظ بجمالها الحضرمي.

 

وفي ذلك ذكاء فني كبير جعل الرجل يحمل راية التطوير للأغنية الحضرمية، بل شكل رافدا جديدا للمدرسة الغنائية الحضرمية في تنافسها الابداعي مع مدارس الغناء اليمني.

 

بل أن عبقرية المحضار وعلومه ومعرفته بالشعر والغناء اليمني خاصة والعربي عامة جعلته يركب ويتنقل كأنما على بساط سحري بين عديد من الألحان اليمانية من حضرمية ويافعية وصنعانية ولحجية وموالد وشلاّت صوفية وترنيمات دينية وأهازيج بدوية وغيرها، فيسبل على النغم الحضرمي حلّة من أعذب الألحان معلناً ميلادا متجددا وجديدا للغناء الحضرمي.

 

وقبل الختام نشير إلى أن المحضار وهو أحد مؤسسي اتحاد أدباء اليمن كرم من عدة جهات حكومية وثقافية خارج وداخل اليمن ومنها تقلده وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى في الآداب والفنون عام 1998، كما أقيم له تذكارا وهو عبارة عن كورنيش في مدينة المكلا يحمل اسمه.

 

وبعد وفاته في 5 فبراير 2000، والتي جاءت بعد عناء مع المرض، ما تزال أشعاره تلحن وتغنى من كبار فناني اليمن والخليج كما تغنى بها كبار الفنانين العرب أمثال وليد توفيق وورده الجزائرية وراغب علامة وغيرهم.

 

لأجل ذلك لن يسقط  حسين أبو بكر المحضار من ذاكرة الأجيال المختلفه، فشعره لم يكن خاصاً بجيل معين، أو أن كلماته اقتصرت على من جايله، بل على العكس تغنى ويتغنى الشباب بأشعاره، وسيظل يسجل حضوراُ طاغياً على خارطة الشعر والغناء والطرب في اليمن والخليج.