لماذا تخلى رفقاء الأمس عن أردوغان؟

اليمن العربي

ما زالت أصداء الزلزال السياسي الذي هز أركان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، حينما خسر انتخابات بلدية اسطنبول وأنقرة وغيرهما تُلقى بظلالها على الحزب الذي بات يُعاني الانشقاقات والاستقالات من قيادات الصف الأول والتي قضت ما يقرب من عقد ونصف من الصداقة والعمل بجانب الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وكان آخرها “أحمد داود أوغلو” رئيس الوزراء السابق الذي وجه انتقادات لسياسات الحزب الإقتصادية الخاطئة والتي انعكست آثارها الكارثية على البلاد بشكل واضح كما هدد أيضاً بفتح ملفات قديمة تفضح تورط مسؤولين كبار داخل الحزب في دعم الإرهاب! وكان رد أرودغان هو إحالة رفيق دربه إلى لجنة الإنضباط وهي خطوة تسبق قرار فصله من الحزب هو وثلاث أعضاء بارزين كانوا وزراء سابقين للعدل والخارجية والصناعة والتجارة الخارجية.

 

“داود أوغلو” لم يأبه بالقرار ولم يتراجع عن انتقاداته اللاذعة بل أعلن أنه بصدد تأسيس حزب سياسي جديد اختار له اسم “حزب الاستقرار” وهو ما تحتاجه تركيا بالفعل، وقد سبقه إلى تلك الخطوة “على بابا جان” نائب رئيس الوزراء السابق الذي استقال من الحزب في الثامن من يوليو الماضي بسبب ما وصفه بالخلافات العميقة، وهو يسعى أيضاً لتشكيل حزب ليبرالي بدعم من الرئيس التركي السابق “عبد الله جول”.

والسؤال الآن: لماذا تخلى رفقاء الأمس عن “أردوغان” وسارعوا بالهروب من مركب الحزب الذي تتقاذفه أمواج ورياح عاتية ليجد أردوغان نفسه وحيداً في مواجهتها؟

 

بداية واضح أن هذه الاستقالات لن تكون الأخيرة وإنما سيتبعها عشرات الاستقالات الأخرى وأن هذه القيادات لم تقدم على خطوة الاستقالة إلا بعد أن فاض بها الكيل.

وفشلت كل محاولاتها في اقناع أردوغان بالعدول عن سياساته المدمرة داخلياً وخارجياً. وعندما أيقنت هذه القيادات استحالة ذلك وأن الحزب انحرف عن مساره وأهدافه وفقد سطوته وجماهيريته والدليل على ذلك الخسارة الفادحة التي تلقاها في انتخابات البلديات التي ذهبت أغلبها للمعارضة حتى التزوير والإعادة لم تفلح في إثناء الشعب عن اختياراته التي كانت بمثابة استفتاء على سياسة أردوغان ومن ثم قرروا بدء حياة سياسية جديدة في أحزاب أخرى….

بالإضافة إلى أن أردوغان مُصِر على كسب عدوات جديدة كل يوم فخلافه ليس مع القيادات السياسية فقط وإنما امتد إلى داخل مؤسسته العسكرية وبدا هذا واضحاً عندما أعلن (خلوص أكار) وزير الدفاع التركي أن هناك أكثر من 17 ألف عسكرياً تم فصلهم من الجيش التركي بنفس ذات التهمة المطاطة وهي دعمهم للداعية فتح الله جولن!!

 

إضافة إلى الإقصاء والسجن أصبح القضاء بالنسبة لأردوغان ساحة لتصفية خصومه السياسيين وكان آخره الحكم القضائي الذي صدر يوم الجمعة الماضي بالسجن عشر سنوات على مسؤولة حزب الشعب الجمهوري في اسطنبول (جنان كفتانجى أوغلو) والتي قامت بدور كبير في الدعاية لأكرم إمام أوغلو المعارض الذي فاز بمنصب حاكم اسطنبول..

“جنان أوغلو” سجنت بسبب تغريدات كتبتها عن ملفات فساد الحزب الحاكم في بلدية اسطنبول من الشركات الحكومية التي كلفت الدولة خسائر ضخمة وسوء استخدام الموارد الطبيعية.

 

مجرد تغريدات هزت الديكتاتور التركي وأرعبته! وتم اتهامها بتهم فضفاضة مثل “الدعاية الإرهابية”، وإهانة رئيس الدولة!.

وعلى الصعيد الخارجي ما زال “أردوغان” متخبطاً في سياساته بعد أن خسر مصر ومعظم دول الخليج ويحلم بالجلوس على الكرسي الأمريكي والروسي في وقت واحد… !.

 

سياسة أردوغان في سوريا أصبحت تتسم بالغموض فهو لا يسعى سوى للحصول على مكاسب خاصة به لعله يستطيع تسويقها للداخل التركي.. عندما قصفت الغارات الجوية السورية الرتل العسكري التركي في التاسع عشر من شهر أغسطس الماضي الذي كان متجهاً نحو خان شيخون وأوقفت تقدمه لم يستطع أردوغان الرد لأنه يعرف جيداً أنه سيواجه روسيا وليس النظام السوري وسارع إلى موسكو للقاء الرئيس بوتين، تحت ضغط سلسلة التطورات الميدانية ليقدم المزيد من التنازلات لعله ينقذ مكاسبه التي سعى للحصول عليها والتي باتت في خطر محدق، وكلما شعر بتلاعب الولايات المتحدة به وعدم جديتها في تنفيذ ما وعدته به من إقامة منطقة آمنة شمال سوريا أخذ يطلق التهديدات والوعيد بأنه سيقوم بعمل ذلك منفرداً، وهو يعلم جيداً أنه لا يستطيع أن يخطو سنتيمتر واحد بدون موافقة أمريكية.

 

وأخيراً: يهدد أردوغان بفتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين إلى أوربا بحجة أن الدول الأوربية لم تفي بالتزاماتها وتقدم له الدعم المطلوب وتتقاسم معه عبء الضيوف.. وهو في الحقيقة يبتز الأوروبين ويبيع لهم ورقة اللاجئين مقابل الـ 6,6 مليار يورو التي يطالبهم يدفعها!

 

حقيقة أنا لا أمل من الكتابة عن “أردوغان” فهو مادة ثرية جداً.. رجلاً عنيد وليس لديه مبدأ، رجل المتناقضات الذي يقول الشيء وعكسه ويدس أنفه في شؤون الآخرين فهو مثال حي للديكتاتور الذي يفتقد الرؤية والحكمة والاتزان.