هذه هي قصتي؛ كفاح ونجاح !!

اليمن العربي

لكل إنسان مسيرة حياة مليئة بأحداث ووقائع ، تطير بنا الأحلام حتى عنان السماء ، نلامس نجوم الثريا ، ثم نعود للأرض نُقبل ثغرها الباسم ، ونرضى بحلوها ومرها ، وإن كان مرها كزبد البحر ، ولكن من يخور ويستسلم يسقط عن جواده ، للنجاح مهر غالٍ وجهد وسهر ليالي ، ما بين النجاح والفشل شعرة أحد من السيف ، إما تكون إنسان حي ؛ كشجرة تثمر لتشبع الجوعى ، وإما تكون إنسان ميت ؛ تأكل وتشرب وتبعر.

ولدت في قرية من قرى وادي دوعن ، كبرت وكبر معي حلم بحجم الوطن ، كنت شخص غريب الأطوار ، دائم التفكير ، من في سني ينظر تحت قدميه وأنا أنظر للأفق البعيد ، أرنو لحياة أفضل ؛ ليس لي فأنا عود يحترق منذ ولادتي لإسعاد من حولي ومن هم خلف المحيط والبحار ، الإنسان عندي هو الكنز الحقيقي والجوهرة المفقودة في زمن يعبد الناس الدرهم والدينار .
ولدت عام 72م وانتقلنا المكلا عام 81م ، دخلت الصف الأول وسني تسع سنوات بمدرسة النضال الموحدة بديس المكلا ، كان الريف بالنسبة لي هو الرئة التي اتنفس بها ، لا أحب المدينة ربما لا يوجد فيها جبال ولا أودية ولا أشجار متنوعة ، أو ربما هناك ضوضاء وزعيق ونعيق ، وأنا أعشق الهدوء وسكون البال ..ولكن رويداً رويداً بدأ هذا الحصان الجامح يتحضر يوماً بعد يوم ..بدأت اندمج مع الأصدقاء الجدد ،كانوا أصدقاء طيبون جداً ، سكنا بشكل رسمي خلف فندق الشعب قديماً ، وفي الصف الرابع في مدرسة النضال الموحدة بدأت اتفتح قليلاً ، وانتقلت للصف الخامس لمدرسة الزهراء بالديس وحتى الصف الثامن ، كنت من الأوائل في مدرستي ، والشى الذي يلازمني كالروح هو الكتاب والقلم اكتب واكتب ثم امزق ما كتبته ،خواطر.. شعر ..قصة وهكذا دواليك ..كل شاب يمر بمراحل شيطانية أو قل لحظة عشق ..كانت فتاة جميلة وذات عينان ساحرتان ، قلت في نفسي : ليتني شاعر ؛ سأخطفها كالنسر وارتفع بها لملكوت الكواكب ، ولكن كيف لأعرابي نحيل الجسم ، جاء من البدو أن يخطف تلك الفتاة التي أمها من أصل هندي وأبوها من أصل حضرمي ، جلست اتململ على فراشي كالحية في جحرها ، فحبوت لقلمي المشرع سفينته للإبحار نحو المجهول ..فكتبت كلمات ، أظنها شعر هكذا خُيل لي .. وفي الصباح الباكر تناولت فطوري وقلبي لتلك التي سلبت عقلي وفكري ..اسمها إيمان ذات الشعر المرمي على أكتافها كأنه خيوط الشمس ، أو كأنها حويرية نزلت من الجنان ..قابلتها لأول مرة عند الدرج ، كانت فسحة..تكلمت العيون فقط ، كنت ارتجف من الداخل ، ادخلت يدي لجيبي واخرجت القصيدة ، وكأنني اخرجت عقرب ، بدأت بأول بيت فقط ، فوقفت وعيناها ترمقاني بصمت مخيف ..اكملتها على عجلة من أمري ، خرجت من على الدرج ولم تنطق بكلمة انتهى الشوط الأول من المباراة وكلاً اختفى عن الأنظار ، وانتهى المشوار كله ما تلامسنا الكتوف.
بعد الصف الثامن انتقلت لعدن الجميلة ، كنت قبل ذهابي في هم وغم ، ولكن أبي أفرج عني وأهداني أثنين بناطيل مفرد بنطلون ، كان يحتفظ بهم من زمن رحلته لروسيا في ذلك الوقت .. كان أهل عدن طيبون جدا تعرفت عليهم سريعاً .. كان ذلك عام 89م ..في المعهد التقني الصناعي بالمعلا ، الدراسة فيها باللغة الإنجليزية ، دخلت أول يوم في الصف بأحد البناطيل التي أهدها لي أبي ..وإذا بالصف كله يضحك حتى المعلمة ..استغربت كثيرا ماذا حدث ، كان الصف مختلط هكذا كان زمن الحزب الإشتراكي..ولكن العجيب كل من في الصف ينظر لأسفل البنطلون ..ثم صاح صديقي مازن يا عزيزي هذه موضة قديمة انتهت هذا البنطلون لبسه عادل إمام وسعيد صالح في مسرحية مدرسة المشاغبين ..المهم مر هذا اليوم كألف سنة مما تعدون..وفي ثاني يوم اشتريت بنطلون آخر صيحة ..كانت أيام جميلة ..وكالعادة وقعت في العشق ، ولكن هذه المرة كان أقوى مما تصورت ..والعجيب اسمها أيضاً إيمان ..هل هي شبح من الأولى..كانت خلفي مباشرة في الصف ..وتكلمت لغة العيون ..وفي المساء هجم الهاجس الوهمي وكتبت القصيدة العصماء..ثم همست لصديقى مازن بها ليساعدني في كيفية الوصول للحسناء..فضرب صدره وايقنت بالفرج من لوعة في الفؤاد .
وفي الصف والطلاب في سكون والمعلمة تشرح ..انطلق صوتاً مزلزل من الخلف ..يا أستاذة صديقى معه قصيدة جميلة نريد نسمعها ..دارت بي الأرض وشعرت بدوار ..وقلت في نفسي : ماذا فعلت يا مازن لقد فضحتنا أمام الملأ ؟!! فأصر الجميع لسماع محمود درويش..فوقفت خائفاً مرعوباً فلابد للفارس أن يثبت في الميدان وأن يرفع سيفه للعنان..فبدأت:
خاطبتني عيناها في لمح البصر ..قائلة لي كاد الفؤاد ينتحر ..عجبت لقولها وكأني أنا المنتصر ..تمر الساعات تلو الساعات فلا خبر..كأن الذي بيني وبينها اندثر ..فيا لوعة نفسي وكم طال السهر ...

التفتُ خلفي وإذا عيناها تذرف الدمعات في صمت جميل ..ثم تعالت أصوات التصفيق حتى اسمعوا الطير في أوكارها..مرت سنة بعدن من أجمل وأروع الذكريات ..وعدت للمكلا والتحقت بثانوية بن شهاب للصف الثاني ثانوي عام 90 / 91م وقد تحققت الوحدة .
في عام 93 /94م التحقت كجندي في قسم السجل المدني للأحوال المدنية ؛ ككاتب ..ووقعت الحرب ؛ ولكن سرعان ما مالت الكفة لمعسكر الشمال..عافت النفس العسكرة فالتحقت كمعلم عام 95م .. لم أكن أرغب التدريس ؛ لأنه يقيد حريتي في الترحال والكتابة وصفو البال ، فالمعلم هنا كحارس بوابة لا قيمة له بعكس البلدان المتحضرة ، ولكن كما قيل المثل الشعبي ( كازوز ولا غدرة) .


وفي عام 96م تزوجت أول امرأة وبعد ثلاث سنوات وثلاثة أشهر تم فض الشراكة وتحديداً في 30 نوفمبر كلاٌ يحتفل في تلك اللحظة بما يروق له ..وبعد ثلاث سنوات وثلاثة أشهر تم الزواج الثاني ؛ ولكنه هذه المرة ثابت الجذور وقوي الرابطة ومتماسك..فالأرواح جنوداً من جنود الله ما تعارف منها أتلف وما تناكر منها اختلف ..
وفي عام 2002 التحقت بجامعة العلوم والتكنلوجيا وتخرجت بشهادة البكالوريوس.. هذه لمحة خاطفة فإن كتبت أهمها لأحتاج لي إلى مجلد ولكن خير الكلام ما قلَّ ودل .