مصافحة السويد

اليمن العربي

اتجهت أنظار العالم يوم الخميس الماضي إلى العاصمة السويدية ( ستوكهولم ) حيث توصل أطراف النزاع اليمني إلى اتفاق مبدئي يمكن أن يكون مفتاحًا لحل الأزمة اليمنية إذا تم الالتزام بتنفيذه، ويقضي هذا الاتفاق بإخراج قوات الحوثي من مدينة ( الحديدة) وموانئها الثلاثة: الحديدة، والصليف، ورأس عيسي، ووقف إطلاق النار في المدينة، وعدم استقدام أي تعزيزات عسكرية لكلا الطرفين ( الحكومة اليمنية، وميليشيات الحوثي) وإزالة جميع المظاهر العسكرية وفتح الممرات لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية وتسهيل حرية الحركة للمدنيين والبضائع ، ويأتي هذا الاتفاق بعد مفاوضات استمرت أسبوعًا، وبعد ضغوط دولية ومطالبة من الأمم المتحدة وبحضور ( مارتن جريفث) المبعوث الأممي لليمن و ( أنطونيو جوتريس ) الأمين العام للأمم المتحدة الذي حضر نهاية المشاورات، وأيضًا تم انضمام سفراء دول دائمة العضوية في مجلس الأمن للمباحثات، وعقب توقيع الاتفاق كانت المصافحة التي شاهدناها في وسائل الإعلام بين ( خالد اليماني) وزير خارجية اليمن، و ( محمد عبدالسلام ) رئيس وفد الحوثيين في المفاوضات والتي تهدف لإثبات مصداقية الاتفاق.

وقد لاقى الاتفاق ترحابًا لدى العديد من الدول الأوروبية والعربية منها مصر ، والأردن، والبحرين التي وصفت الاتفاق بالجيد، كما رحبت به الولايات المتحدة الأمريكية ووصفه ( مايك بومبيو) وزير خارجيتها قائلًا: الآن أصبح السلام ممكنًا في اليمن ودعونا نبدأ مرحلة جديدة، ولا شك بالطبع أن هذا الاتفاق يعد خطوة جيدة وكبيرة وبناءة لإنهاء الأزمة اليمنية والحرب التي استمرت علي مدار أربعة أعوام يدفع ثمنها المواطن اليمني الذي يعاني يوميًا من نقص الخدمات الأساسية وانتشار الأمراض ونقص الأدوية والغذاء حتى كاد اليمن أن يكون على شفا مجاعة حقيقية، ولا شك أيضًا أن المفاوضات مع ميليشيات الحوثي كانت شاقة للغاية، وقد وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأن اتفاق الحديدة واحد من أصعب التفاصيل التي واجهناها! كما أن انسحاب ميليشيا الحوثي من مدينة الحديدة التي تعتبر الرئة الاقتصادية لباقي المحافظات اليمنية والمتاخمة للحدود السعودية، وإعادة انتشار القوات الحكومية بدلًا منها سيؤدي إلى تأمين الملاحة الدولية في منطقة البحر الأحمر الحيوي، ومضيق باب المندب ليكون ممرًا آمنًا، ولكن هناك بعض النقاط المهمة التي يجب علينا إلقاء الضوء عليها، وهي:ـ

 

أولًا: هناك جولة أخرى من المفاوضات في شهر يناير المقبل لمناقشة الإطار السياسي ومحاولة التوصل لاتفاق في عدد من القضايا التي تعثر الاتفاق عليها مثل فتح مطار صنعاء، وفك الحصار عن تعز، ومعنى هذا أنه تم تقسيم الأزمة اليمنية إلي نقاط تناقش كل علي حده في مؤتمر، وهذا خطأ كبير خاصة أن مفاوضات يناير مرهونة بمدى التزام ميليشيات الحوثي بتنفيذ استحقاقاتها في اتفاق السويد، وهذا ما أكده ( خالد اليماني) وزير الخارجية اليمني في تغريدته بأنه:  ( لا ينبغي التفكير في أي مشاورات جديدة أن لم ينفذ اتفاق هذه الجولة) فهل لدى جماعة الحوثي رغبة حقيقية في ايصال اليمن إلى بر الأمان أم أن خسائره العسكرية في الحديدة وصعدة أجبرته على القبول بالمفاوضات، وهم الذين تنصلوا من أكثر من خمسين اتفاق تم التوصل إليها سابقاً وهربوا من المفاوضات وعرقلوها السنوات الماضية.

 

ثانيًا: هناك بند في الاتفاق ينص على تعزيز وجود الأمم المتحدة في مدينة الحديدة وموانئها الثلاث، إذًا فهناك دور قيادي ورقابي للأمم المتحدة في المدينة، فما الآليات التنفيذية التي تملكها الأمم المتحدة لتنفيذ الاتفاق؟ خاصة الجزء المتعلق بتبادل السجناء والأسري الذي سيتم في منتصف يناير المقبل، وعلى ضوء ما أكده وزير الخارجية اليمني الذي قال إن أي تلكؤ في إطلاق سراح المعتقلين سنحمل مسئوليته للأمم المتحدة !! فماذا لو قام الحوثيون بخرق هذا الاتفاق، هل تستطيع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الضغط لتحقيق الاتفاق ؟ أم سنجد أنفسنا مرة أخرى أمام تجدد الاشتباكات العسكرية؟ وهل من قبيل الصدفة التوصل للاتفاق في نفس يوم تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي وبالإجماع على قرار تقدم به السيناتور ( بيرني ساندرز ) لإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للتحالف السعودي الإماراتي للحرب في اليمن، وهل ستتحول الأمم المتحدة حقاً للعمل على إدارة الأزمة اليمنية وليس إدارة الصراع؟.

ثالثا : مدينة تعز تشهد مأساة إنسانية بكل معنى الكلمة، وكان لا بد أن تكون لها الأولوية في المفاوضات، كما أن وثيقة الاتفاق حملت بنداً أخيراً ينسق هذا الاتفاق من الداخل فقد كتب ( لا تعتبر هذه الوثيقة وثيقة يعتد بها في أي عمل في المستقبل) !

رابعا: وهذا هو الأهم ومربط الفرس هل يعتبر اتفاق السويد بمثابة رصاصة الرحمة للمشروع الإيراني الطائفي في اليمن؟ وما الضمانات الحقيقية لعدم التدخل الإيراني لإفساد الاتفاق ؟ ان المتابعة لسياسات إيران وممارساتها منذ أربعين عاماً تؤكد أن إيران لا يمكن أن تستسلم أو تستغني عن جناح من أجنحتها العسكرية بسهولة فهل يفلح معها الضغط الدولي لترفع يدها عن ( صنعاء ) التي أعلنت مراراً وتكراراً أنها رابع عاصمة عربية تفرض نفوذها عليها.

فهل نتوقع أن تتخلى عن ميليشيات الحوثي التي أنفقت عليها ملايين الدولارات وزودتها بأحدث الأسلحة وأرسلت قيادات من حزب الله لتدريب عناصرها؟.

بالطبع نحن مع السلام، ولكن هل سوف يستطيع اتفاق السويد أن يصنع سلام مستدام يسعد المواطن اليمني، ويحل مشكلاته الحياتية المتفاقمة؟ هل سيتحول الاتفاق الذي يهلل له العالم إلى عملية سلام حقيقية في اليمن ؟ اليمن الذي يحتاج إلى80 مليار دولار لإعادة إعماره، وهل سيؤدي الاتفاق أيضاً إلى تحسين حياة آلاف اليمنيين، كما وعد أمين عام الأمم المتحدة ؟

هذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة، وإن غدًا لناظره قريب