اعادة ترتيب المشهد .. رغبة أم استراتيجية ؟!

اليمن العربي

يبدو المشهد الاقليمي للمشرق العربي ـ من منطقة الشرق الاوسط ، اليوم ، مختلفا عن ما خطط له بعد سقوط بغداد عام 2003.. فقد كان المخطط له تغيير ادوار الدول الاقليمية و تحديد اوزان الرئيسية منها امام صعود ايران على انقاض العراق ، و تعملق تركيا من خلال تراجع مكانة مصر ، وتبعيتها للنظام السياسي ـ التركي ، الامر الذي كان سيؤدي في تقديرهم الي انكماش السعودية و بالتالي اضطرارها الي القبول بدور عربي ـ اسلامي تحدد معالمة انقرة و طهران .

ذلك المشهد الذي خططت له عواصم غربية .. وباشرت تنفيذه وفق استراتيجية الفوضى الخلاقة ،لإسقاط انظمة عربية من خلال ثورات جماهيرية لا اهداف لها واضحه ،ان لم نأخذ وصول او ايصال الاسلاموية ـ السياسية الي حكم تلك الدول ومنها مصر.. وان فشلت في ليبيا و سوريا لتقاطع المصالح ، التي تجلت في صراعات قوى متطرفة عابرة للحدود مثل القاعدة و داعش ، فضلا عن اليمن الذي ادت ثوراته الي وجود الاسلاموية ـ الفارسية ، من خلال الحوار الوطني ، ومن ثم انقلابها على مخرجاته في الشمال ـ في الوقت الذي اعلنت الحرب على " القاعدة " في المناطق الجنوبية والشرقية، لترسيخ تقسيم مذهبي لم يكن له وجود او اثر في المذهبين الزيدي و السني على حد سوى .. منذ سقوط نظام الامامة في صنعاء ، وان اخذ الحكم فيها طابع مجتمعي قبلي ـ

 عسكري.. نستطيع القول انه لم يأتي من فراغ ، وان كان الهدف منه تقسيم جهوي ، ذو مظهر مذهبي، الا انه لا اهداف استراتيجية له في إعادة رسم خرائط المنطقة ، في مراحل سابقة.

كل ذلك كان واضحا و ان عمل النظام العربي ـ كعادته ،على تجاهل امكانية استثماره او تحويله الي صراع جهوي بطابع مذهبي ، كما تجاهل العمل على تعزيز ادوار دول صغيرة وظيفيا في عملية دعمها للفاعلين الجدد من القوى الاسلاموية بشقيها الشيعي و السني لمصلحة تركيا و ايران ـ الفارسية .. وفي تقديرهم ان غياب العراق الذي اصبح ساحة حرب مع القوى المتطرفة و مصر التي وصل الي حكمها " الاخوان المسلمين " لم تبق اماهم غير " السعودية " التي عبرت ما اصطلح عليه بالربيع العربي و نجحت في تجفيف بؤر الارهاب و التطرف ـ وهو نجاح ربما افقدها علاقاتها مع بعض تيارات الاسلام السياسي ، من خلال اكتشافها علاقات بعض تياراته بالإرهاب ، فكان مشروع تحويل التمرد الحوثي الي قوة سياسية تحت مسمى انصار الله ..احد البدائل لإرضاء الطموح الايراني من جهة و لتحجيم دور " السعودية " امام ايران و تركيا في تقاسم قيادة العالم الاسلامي ، من خلال تطويقها في الشمال بالنفوذ الايراني ـ التركي ،وبالتالي فتح المجال امامهما لتقاسم النفوذ في اليمن و القرن الافريقي .


عبرت السعودية فوضوية ما اطلق عليه الربيع العربي .. ولكن نجحت "مخططات الفوضى الخلاقة " في وصول الاخوان المسلمين الي حكم مصر ومن خلال انتخابات نظمت لذلك ، بعد اعلانهم حزبا تحت اسم " الحرية و التنمية " على غرار " حزب العدالة و التنمية ـ التركي " في مايو2012، وبداء المشهد يتشكل ، في اتجاه ثلاثة محاور لقيادة العالم الاسلامي ، بجناحيه السني و الشيعي ،الذي تمحور في انقرة ، طهران ، القاهرة امام تراجع وعائه العربي المتمثل تاريخيا في الرياض القاهرة ـ العربية .. الامر الذي دفع بالقوى العربية و الوطنية ـ المصرية الي التحرك لإسقاط نظام مرسي و استعادة دور القاهرة ـ الرياض لقيادة العمل العربي الاسلامي ، في ثورة مجتمعية تحت مسمى " تمرد " وحتى لا تستغل تلك الثورة المجتمعية من قبل تلك العواصم ومنها واشنطن أوباما ، تحركت المؤسسة الوطنية المصرية العسكرية واوقفت تحويل القاهرة الي مجرد محور مساند لأنقرة .. لتساندها الرياض و ابوظبي قبل وبعد نجاحها في يوليو 2013 .


بداء واضحا ان الرياض و القاهرة و ابو ظبي لم تعد قابلة بالتمدد الايراني ـ الفارسي و لا التركي ـ العثماني ، وان برعاية عواصم مثل واشنطن و لندن وباريس فضلا عن موسكوا وبرلين ، الامر الذي اثار مكاتب الخدمات السرية في تلك العواصم لتذهب بعيدا في تحريك اذرعها الاعلامية و منظماتها الحقوقية فضلا عن دفع بعض الدول الصغيرة جغرافيا و ديمغرافيا و بالذات المقتدرة ماديا على تمويل مجموعات اعلامية ـ اخوانية لإفشال و تشويه مشروع اعادة رسم مشهد جديد للمنطقة من منظور عروبي ـ يأخذ فيه الامن القومي العربي من زاوية المصالح و الوئام مع الجوار الافريقي .. وبما ان "اليمن " هو جسر العبور للقرن الافريقي الشريك جغرافيا و تاريخيا فضلا عن ثقافيا و استراتيجيا فقد كان السباق هناك واضحا منذ نجاح ثورات "الفوضى الخلاقة " في اسقاط نظام الرئيس :علي عبدالله صالح ، الذي عملت على تلافي تداعياته منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ـ بمبادرتها و الياتها التنفيذية ، وهي المبادرة التي افضت الي انتخاب الرئيس :عبدربه منصور هادي ..و بالتالي حوار وطني نتج عنه اعادة بناء دولة يمنية اتحادية ـ تحفظ وحدة اليمن و تعطي مجتمعاته حق اقامة حكوماتها و فق خصائصها و مواردها الجغرافية و الديمغرافية الحيوية ، حتى يتوفر لهذه الزاوية الجنوبية ـ الغربية من جزيرة العرب حالة من الامن والاستقرار تمكن مجتمعاتها من الانصراف نحوا التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ، بالاضافة الي الاضطلاع بدورها في الامن القومي للمنطقة و المصالح الدولية في خليج عدن و البحر الاحمر .. وبكل تأكيد كانت دول مجلس التعاون الخليجي في سباق مع المخططات الايرانية في اليمن ، واستبعد ان يكون الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني و المبادرة الخليجية قد جاء مفاجئا لصانع القرار في عواصم مجلس التعاون .. وان كان سريعا في توقيته ، ولكن المفاجئة جاءت من الرياض لإيران في قرار عاصفة الحزم .


صحيح المعركة في اليمن لم تنتهي و الصحيح ايضا ان ما حصل في ستوكهولم ـ السويد هو برعاية تلك العواصم الغربية و ليست "لندن " منفردة ، و الاصح ايضا ان الرياض و القاهرة تدرك دوافع تلك العواصم  وتدرك ان ممولي الحملات الاعلامية قد يعكسوا بعض امانيها ، الا انهم لا يملكون الجغرافيا و الديمغرافيا لتأمن مصالحها .. فكيف اذا لم يكن المكون الجديد الذي اعلنت عنه المملكة العربية السعودية تحت مسمى " مكون البحر الاحمر وخليج عدن " مجرد ردود افعال .. وبكل المقاييس الاستراتيجية ليس كذلك .. والسؤال أي " يمن ؟! " في المشهد القادم و هو بكل تأكيد رغبة و استراتيجية .. ستغير كثير من الاستراتيجيات الجيوسياسية .. ولكن معركة اليمن لم تنتهي لإعادة ترتيب المشهد ؟!.