ما بين التشريد والاختطاف.. الحوثي ينتهك كل قوانين حقوق الإنسان «تقرير»

تقارير وتحقيقات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يستعرض موقع " اليمن العربي"، ويعيد نشر سلسلة التقارير التي نشرتها صحيفة "اليوم السابع" المصرية ، وذلك لتميزها في رحلتها في رصد جرائم الحوثيين ومعاناة الأهالى ودور قوات التحالف العربي،  ورصدها قصص انسانية، من قلب المخيمات والمستشفيات والجبهات.

وتتحدث الحلقة التاسعة عن الأطفال الذين يدفعون ثمن الحروب غاليًا من حاضرهم ومستقبلهم، إذا تبقى لهم من بين دخان الحروب مستقبل، وفى اليمن تتعدد انتهاكات الحوثيين بحق الأطفال ما بين التشريد والتهجير والاختطاف وصولا إلى القتل، أو التجنيد عنوة فى صفوف الميليشيا فى خرق واضح لكل مواثيق ومعاهدات وقوانين حماية الطفل وحقوق الإنسان.

ميليشيا الحوثى وحينما ضاق الخناق عليها، بعد قتل عدد كبير من عناصرها على جبهات القتال من ناحية ورفض اليمنيين الانصياع لتهديداتهم والانضمام لصفوفهم من ناحية أخرى، لجأت إلى أحط الأساليب بخطف الأطفال عنوة من الشوارع والمدارس والمنازل وإجبارهم على حمل السلاح والانضمام لصفوف الميليشيا، ما دفع آلاف الأسر إلى اختيار النزوح طواعية حماية لأبنائهم من المصير المجهول على جبهات القتال.


طبقًا لإحصائيات وزارة حقوق الإنسان اليمنية، فإن عدد الأطفال الذين تم تجنيدهم فى صفوف الحوثيين يبلغ 10 آلاف طفل خلال الفترة من 2015 حتى 2018، وفى مركز إعادة تأهيل الأطفال المجندين التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لدى جبهات الحوثى بمأرب، وجدنا عددًا كبيرًا من هؤلاء الأطفال العائدين من جبهات المعارك المختلفة بمحافظات اليمن.. تختلف المناطق التى أتوا منها.. لكن يجمع بينهم مأساة أن تكون طفلا وبدلا من أن ترتدى الزى المدرسى فإنك ترتدى عنوة لبس الجندية، وبدلا من أن تحمل القلم وحقيبة الدراسة فإنك تحمل سلاحًا هو فى الغالب أثقل من جسد نحيل منهك من سوء التغذية حينًا ومن غيابها أحيانًا.. بعض هؤلاء الأطفال تم تسليمهم من قبل قوات التحالف لإيداعهم بالمركز، الذى التقينا فيها أيضًا مع المسؤولين عن التدريب وإعادة التأهيل لنتعرف على الصعوبات التى يواجهونها فى إعادة ترميم ما دمره الحوثيون داخل عقول وأذهان هؤلاء الأطفال فهم لم يكتفوا فقط باستغلالهم على الجبهات، بل سعوا لتعبئة رؤسهم بالفكر الطائفى ونشر المذهب الشيعى وتلقينهم تفاسير مغلوطة للآيات القرآنية، وكل هذا بخلاف الآثار النفسية المترتبة على حملهم السلاح فى هذه المرحلة المبكرة من العمر.

الطفل سيف: أخدونى بالعافية من السوق

وسط العشرات من زملائه الذين جمعهم مصير واحد، وجدناه جالسًا هادئًا، يملأ عينيه الخوف لمجرد أن يتحدث، لعل هذا ما تركه الحوثى بداخله، بالكاد يجيب عن السؤال.. روى الطفل سيف عبدالله «10 سنوات» قصته قائلا: «أنا من محافظة عمران كنت أحارب على الجبهة مع الحوثيين»، وعن كيفية انضمامه لصفوف الحوثيين قال بلهجته البدوية: «أنا كنت فى يوم بشترى حاجة من السوق وجم الحوثه بزونى «أخذونى»، ولما مرضتش حملونى وكلبشونى بالعافية، بعدها صرت أقاتل معهم».

صقر: قعدونا على الجبهة شهرين

استكمل معنا الحديث طفل آخر هو صقر متعب «11 سنة»، حكى قائلا: قالوا لنا هنجيب لكم أسلحة وتبقوا معنا، وخدونا طلعونا على الجبهات وبقينا نديهم الماء والكدم «الخبز»، وقعدونا هناك شهرين ما نشوفش حد غيرهم وحاربت معهم فى معركة العديسات، بعدها روحنا فى مكان تبعهم فى صنعاء جالسين بس نقرأ ونتعلم الكتب اللى هم جابوها وييجى المدرس يشرح وتانى يوم يشوف مين حافظ ومين لا ويبلغ المشرف، واللى مش حافظ ياخدوه من غرفتنا للحبس الانفرادى».

وعن مشاهداته خلال تلك الفترة قال: «كنا نشوف صور الخومينى جنب صور عبدالملك الحوثى على حيطان الغرف هناك، ولازم كل يوم يعملوا جلسة استماع لمحاضرة من محاضرات عبدالملك الحوثى، كانوا يتجمعوا كلهم فى غرفة اسمها غرفة استماع ويجلسوا عشان يسمعوا».


وعن الطعام الذى كان يأكلونه خلال فترة وجودهم لدى الحوثيين قال: «كانوا يدونا قدوم وإيدام مر محدش يقدر ياكله، ووجبة واحدة فى اليوم».

ناصر: كانوا يعطونا برشام كل يوم

يكشف لنا الطفل ناصر محمد «13 عامًا» مزيدًا من أسرار معسكرات الحوثيين قائلا: «خدونى من المدرسة أنا و7 من زمايلى قالوا لنا هنوديكم دورة تدريب، طلعونا نركب على سيارات الطواقم، ووصلنا مكان مظلم لا عدنا نعرف فيه الليل من النهار زى بدروم صغير تحت الأرض فى صنعاء، وأمرونا بالتعظيم فى عبدالملك الحوثى.. كنا لازم نقول سيدى ومولاى عبدالملك الحوثى وإلا يضربونا».

وعن الدروس الدينية التى تلقوها هناك قال: «دايما يعلمونا السب فى الصحابة ونساء المؤمنين ومنهم السيدة عائشة، بينما نعظم الحسن والحسين بس وعلى، ويقولوا لنا إن الوحى نزل على «على كرم لله وجهه» وليس على الرسول محمد والرسول هو الأخ الأكبر لعلى وأن عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص وعثمان سرقوا الخلافة من «على»، وأحضروا لنا أحاديث نبوية، وطلبوا أننا نحفظها وتانى يوم نسمعها، واللى يرفض يروح حبس انفرادى ويعذبونه، مثل ابن خالى اللى لسه محبوس لحد دلوقت لأنه رفض حفظ الآيات».


يواصل «ناصر»: كانوا يدربوننا على حمل السلاح فى الشمس الحارقة، فى الجبل، والبعض تعرض للاغتصاب ومنهم صاحبى ولسه عندهم وكانوا يعطونا حبوب بيضا كل يوم ويقولوا لنا اشربوها عشان تتقووا وكنت أشوف اللى ياخدوها من باقى زمايلى، وبعدها عرفنا أنها برشام منع الحمل عشان لما ننجرح ما ننزفش دم.. أنا كنت أخبيها وأقولهم أنى شربتها»، مضيفا: «شاركنا فى معركة المخا فى الساحل الغربى، زمايلى ماتوا قدامى وأنا طلعت أجرى بس الجنود مسكونى وجيت هنا».

أحمد محمد: قتلوا أخويا
 
أحمد محمد «11 سنة» قال لنا: أخويا أسامة قتل على الجبهة وإحنا استخدمونا الحوثيون بدلا من الدواب لحمل الكدم «الخبز» والمؤن لأعلى الجبهات، مش بيفرق معهم إحنا بنتعب ولا المدة التى سنقطعها، لكن لازم تنفذ الأوامر بدقة، وفى يوم رحت أجيب لهم أكل من السوق، هربت، مضيفا: كانوا يعطونا مفاتيح نعلقها فى أيدينا عشان لما نموت على الجبهة ندخل بها الجنة.


أما الطفل ناجى ناصر «14 سنة» فيقول: «كنا من النازحين أنا وأسرتى من صنعاء إلى المخا وفى يوم بعد ما خرجت من المدرسة أنا وصاحبى كنا ماشيين على الطريق جاءوا الحوثة وشالونى فوق سيارة عليها طاقم مسلح ومحدش من الأهالى قدر يعمل أى حاجة لإنقاذى، خوفًا من الحوثة، مضيفا: كانوا يعطونا حبوب تخلى الواحد يدوخ بعدها، وماكناش نقدر نقول لا، وإلا نتعاقب.

الطفل يحيى: أكلونا القات

المآسى داخل مركز إعادة تأهيل الأطفال العائدين من صفوف تجنيد الحوثيين متعددة، وبينها ما يحكيه الطفل يحيى صالح «12 سنة» يقول:  أخدونا من بيوتنا وكنا نتدرب طول اليوم على حمل السلاح وأجبرونا على أكل القات وبرشام صغير ما نعرفش أيه هو، بس بيدوخنا، ونبقى مش حاسين بحاجة وبعدها يجبرونا نقلع هدومنا».
واستطرد يحيى: واحد زميلى فى العنبر قالهم: أنا عاوز أطمن أبويا عليا وأقوله أنا فين، خدوه صعقوه بالكهربا وجلدوه قدامنا كلنا وبعدها بيومين مات، وقالوا لنا: «علشان محدش يفكر يعمل كده أو يجيب سيرة أهله تانى، أنتم مجندين يعنى فى مهمة مقدسة، ومفيش حاجة اسمها أبويا أو أمى، محدش هيتصل بأهله تانى، أنسوهم، أنتم هنا للجهاد عشان فى الآخر تفوزوا وتاخدوا مفتاح الجنة من مولاكم عبدالملك الحوثى».

عبدالحميد: تعرضنا للاغتصاب

عبدالحميد السيد «14 سنة» يحكى تفاصيل ما تعرض له: «أخذونى من بيتى وسط أهلى، وأبويا حاول يمنعهم فضربوه ووقع على الأرض، وأنا أكبر إخواتى، رحت معهم على منطقة المخدرة، وبالليل جابوا لى سلاح عشان الصبح أطلع الجبهة فى معركة صرواح، وكنا نشوف زملاءنا مرميين على الأرض مجروحين ومحدش بيحاول ينقذهم، وبالعافية نعرف إذا كان مصاب أو لا لأنه مفيش دماء، كان ممنوع نقرب من أى جثة، لكن نستمر فى عملنا وبس.

ومن المشاهد التى رآها هناك قال: أيوه تعرضنا للاغتصاب ومحدش يقدر يفتح خشمه، وكانوا يحرقونا فى «محامى» ونجلس فى الصحرا ساعات طويلة عشان نتدرب على حمل واستخدام السلاح، وسط حرارة الصحرا الحارقة وبدون ما نشرب نقطة ماء واحدة».

 وتابع: «هم يقولوا عن عبدالملك الحوثى أنه نبى وأن القرآن نزل على عليه وليس الرسول محمد، وكانوا يقولوا على الحكومة الشرعية أنهم «دواعش»، مشيرًا إلى أنه أمضى لدى الحوثيين عامًا ونصف العام، وهرب ليلا هو وزميل له.

محمد «14 سنة» يقول: أنا كنت فى السوق وجه اتنين شدونى من دراعى وأخدونى، من وقتها ما شفتش أبويا وأمى، ووضعونى فى غرفة فيها عيال غيرى كتير ومنهم اللى بيعيط لأنهم صغيرين يمكن 8 سنين و7 سنين، ومن وقت ما دخلت أعطونى لبس قالولى ده لبس الجندية، أنت هتقاتل وهتربح الجنة، وعبدالملك الحوثى هو من يأخذ بأيديكم للجنة بالجهاد، بعدها أعطونى كتب وقالولى اقرأها كويس وفيه مدرس هيشرح لى اللى أنا مش فاهمة، بس أنا ما قريتش لكن كانوا كل يوم يسألونى وهددونى بالضرب والتعذيب لو ما قرتش الكتب فبديت أقرأ».
ويواصل: بعدها كان ييجى المدرس كل يوم يشرح وكلها حاجات غريبة أول مرة أسمعها، كانت المناهج تركز على سب السيدة عائشة وأمهات المؤمنين، وتحرض على كره أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب.

صعوبات

ناظرة العمرى، المشرفة التربوية على إعادة تأهيل الأطفال فى المركز بدأت بتوضيح أن المشروع بدأ منذ أربعة أشهر، ويشمل أربع مراحل، وكانت نتيجة المرحلتين الأولى والثانية تخريج 4 دفعات تم تأهيلها نفسيًا وتربويًا بإجمالى 81 طفلا تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 14 عامًا، وتضيف ناظرة، أنه تم استقبال هؤلاء الأطفال من محافظات مأرب والجوف وتعز وعمران، مبينة أن المرحلتين الثالثة والرابعة تستهدفان 81 طفلا من كل المحافظات، وتم الانتهاء من 27 طفلا منهم، ليكون إجمالى من تم تأهيلهم 107 أطفال وتم إلحاقهم بالمدرسة، وواصلت: نظل نتابع مع الأسرة والمدرسة مدة 3 أشهر حتى نطمئن على الطفل، لكن المشكلة أن مدة التدريب غير كافية، لأن بعضهم لديه تشبث بأفكاره وإصلاحه يحتاج وقتا أكبر.
وتقول ناظرة العمرى: اكتشفنا تعرض بعض هؤلاء الأطفال للاغتصاب وتعاطى البعض الآخر للمخدرات، مبينة أن إعادة التأهيل تتم على عدة محاور تشمل الجوانب النفسية والتربوية والاجتماعية والثقافية، كما تشمل الجوانب الدينية أيضًا لأن هؤلاء الأطفال تم تلقينهم بأفكار الحوثيين والمذهب الشيعى وإقناعهم بأن القتال جهاد سيدخلهم الجنة، فضلا عن تعليمهم طقوسًا مخالفة للسنة فى الصلاة، وبينها أن يقوم الطفل بما يسمى بالسربلة ومنعه من أن يردد «آمين» فى نهاية سورة الفاتحة، وتابعت: وجدنا معهم مفاتيح ولما سألناهم قالوا «دى مفاتيح الجنة».


وواصلت أنه تم تلقين هؤلاء الأطفال تفاسير مغلوطة للآيات القرآنية، ولمعالجة ذلك نستعين بخبراء تربويين ورجال دين، وأحيانًا نجد صعوبة كبيرة فى تغيير أفكار بعض الأطفال وهم يتشبثون بما تلقونه عند الحوثيين، وحالات قليلة تحاول الهرب والعودة إلى الحوثيين مرة أخرى لأن «معمول لهم غسل مخ».

بدوره أكد لنا سليمان الوفى، منسق مشروع إعادة التأهيل للمجندين، أن المركز يستعين بمتخصصين لتصحيح المعلومات لدى الأطفال، وخاصة فيما يتعلق بالنواحى الدينية، مضيفا أنهم يتلقون العديد من الدورات التأهيلية والنفسية، فضلا عن الحرص على إدماجهم فى الأنشطة المختلفة والألعاب الجماعية لتحسين السلوك العدوانى لديهم، إلى جانب ممارسة الرياضة والاستعانة بالرسم، ولعب الأدوار والمحاكاة وتنظيم رحلات ترفيهية ورحلات للأماكن الثقافية والأثرية فى مأرب وهى غنية بهذه الأماكن.

وواصل: أيضًا نحرص على عمل توعية للأسر بخطورة التجنيد والمسؤولية القانونية المترتبة عليه، وكيفية التعامل مع الطفل فى مرحلة إعادة التأهيل حتى لا تحدث له انتكاسة، ونحن نتابعهم بشكل دورى.