وقائع.. تقرير يرصد جرائم الحوثي في القطاع الصحي

تقارير وتحقيقات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يستعرض موقع " اليمن العربي"، ويعيد نشر سلسلة التقارير التي نشرتها صحيفة "اليوم السابع" المصرية ، وذلك لتميزها في رحلتها في رصد جرائم الحوثيين ومعاناة الأهالى ودور قوات التحالف العربي،  ورصدها قصص انسانية، من قلب المخيمات والمستشفيات والجبهات.

 وتقول الصحيفة في الحلقة الثانية ، بأن جولتنا هذه المرة تنوعت بين محافظات اليمن و الهدف هذه المرة كان رصد جرائم الحوثيين فى القطاع الصحى ونقل معاناة اليمنيين فى ظل ضعف الإمكانات، أن لم يكن غيابها فى أغلب المستشفيات والمنشآت الصحية.

 بعد إجراءات أمنية ليست بالهينة وصعوبة لمنحنا فرصة التصوير قمنا بزيارة مستشفى الجمهورية العام النموذجى ومستشفى باصهيب العسكرى بعدن، تجولنا بداخلهما أول ما يلفت نظرك الأعداد الكبيرة الذين يتوافدون على هذه المستشفيات بشكاوى صحية مختلفة، تحاول المستشفيات أن تلبى احتياجات المرضى فى ظل إمكانات محدودة وتجهيزات ليست مكتملة فهى أعادت بناء نفسها بعد تخريبها على أيدى الحوثى، لديها نقص فى عديد من المواد الطبية والأدوية والأجهزة، لكنها تصر على البقاء، وما بين مطرقة نهب الحوثى وسندان المنظمات الإغاثية التى لا تلبى جميع الاحتياجات تصارع هذه المستشفيات للاستمرار فى تأدية واجبها تجاه المرضى..

طوابير مستشفى الجمهورية

لم تكن الملكة إليزابيث الثانية تعلم أن المستشفى الذى وضعت حجر الأساس له منذ 64 عامًا سيصبح يوما مسرحا لعمليات الحوثى العسكرية ويفسده بمعاول هدمه.. إنه مستشفى الجمهورية العام النموذجى الذى يحمل فى صدره حجر أساس وضعته الملكة فى 27 أبريل 1954 خلال زيارتها لعدن لقضاء شهر العسل، آملة أن يكون صرحًا مميزًا بالمحافظة.

 يعد "الجمهورية" واحدًا من أهم المستشفيات فى اليمن، والتى تعرضت للنهب والقصف الحوثى عام 2015 وحاول المسؤولون عنه بعد التحرير استعادة إمكاناتها لتقوم بدورها المطلوب، لكن مازالت هناك تحديات، وجدنا تكدسًا للمرضى عند البوابات وفى الطرقات ينتظرون دورهم أو أملا فى إيجاد علاج لحالاتهم، ومن بين الصفوف طالعنا عم عبدالله، 60 عاما، حاملا بيده مظروفا معبأ بأوراق كثيرة، ليقول لنا: «لفيت على مستشفيات كتير.. أعانى من فشل كلوى ولا أجد إمكانات الغسيل متاحة طول الوقت والعلاج فى المستشفيات الخاصة فوق احتمالنا إحنا غلابة وأنا أجى من البريقة أسال عن الجلسة وأضطر أقعد أنتظر بالساعات وفى الآخر أتعب وأمشى.. بنتى كمان عندها القلب وتعانى من أزمات بس مفيش أدوية ولو موجودة صعبة على الغلابة اللى زينا».

«الدوا مش موجود».. بهذه العبارة بادرتنا زينب أم لثلاثة أطفال وتحتاج علاجا كيماويا فهى تعانى مرض السرطان، حينما رأتنا أسرعت للتحدث معنا أملا أن تجد من خلالنا دواءً لآلامها التى وصفتها قائلة: «والله ما بنام الليل من الألم والعلاج مش موجود.. بنيجى المستشفى بتساعد على قد ما تقدر، بس الكيماوى مش متوفر، وأنا عندى 3 عيال وأبوهم مات فى الحرب بقذيفة من الحوثيين، وأنا مش بشتغل بس تيجى لنا إعانات من منظمات خيرية ساعات وساعات ممكن ناخد سلة أكل مرة فى الأسبوع وهى زى وجبة واحدة وبنقضى أيام جعانين وأنا ظروف مرضى كمان مزودة أزمتنا.. أنا أجى أسأل المستشفى هنا وتبعتنا لمراكز برة ومش بلاقى العلاج فأرجع هنا تانى وبرضو مفيش».

فاطمة محمد، مريضة بمستشفى الجمهورية، قالت لنا: أنا من لحج وآتى إلى عدن لتلقى العلاج وأحيانا بنيجى أنا أو بنتى 8 سنوات وما نلاقيش علاج ونروح ونيجى تانى، العلاج فى الخاص غالى منقدرش عليه وهنا شحيح بس صابرين، ونحمد ربنا أن المستشفيات اتفتحت لأننا فترة الحرب مكناش بنلاقى حتة نروحها وفترة اشتداد سيطرة الحوثة محدش كان يقدر يخرج من بيته، وقدامك حلين إما تتعالج بالأعشاب أو تموت.. الحوثيين كانوا محاصرين المدينة والطرق، وكنا نشوف جيران لنا بيموتوا عشان مفيش عندنا مستشفيات كلها سيطر عليها الحوثة، وعشان تطلع من المحافظة تروح على عدن دا فيه صعوبة شديدة حتى لو كانوا يوافقوا دا بس لبعض الحالات الخطيرة».

أجهزة معطلة ونقص أكسجين

تركنا زينب وطوابير المرضى، حيث اصطحبنا الدكتور ناصر المرخى رئيس قسم العمليات فى جولة لأقسام المستشفى لأشاهد غرف عمليات لا تجد ما يميزها عن الغرف العادية فهى ضعيفة الإمكانات، بها كثير من الأجهزة لكنها معطلة والصدأ تراكم على بعضها منذ هجوم الحوثى، وإصلاحها باهظ التكلفة، وجدنا المرضى تجرى لهم العمليات على أسرة متهالكة ويبقى عددها محدودًا مقارنة بالضغط الكبير على المستشفى..أما الأطباء فليس لديهم سوى أدوات جراحية بسيطة يحاولون إنقاذ حياة المرضى من خلالها.


احتياجات عديدة ومعاناة يومية أوضح لنا تفاصيلها الدكتور ناصر، حيث أكد أن هناك احتياجات ملحة أهمها ما يتعلق بإجراء الجراحة مثل أدوية التخدير وخيوط الجراحة، والأدوات الخاصة بالعمليات، مضيفا: نجرى من 20 إلى 30 عملية جراحية يوميا، منها حالات خطيرة بسبب ألغام وصواريخ وقذائف هاون ورصاص القناصة وأكثر الحالات تأتى من جبهة الحزام الأمنى بالساحل الغربى، وأصعب حالة كانت لشاب قذف بصاروخ وأتى لنا وهو عالق بنصفه السفلى، وكثير حالات صعبة وراسلنا المنظمات الدولية للإغاثة العاملة فى اليمن لمساعدتنا دون استجابة.

تتحدث إشرق جميل مشرفة قسم العناية المركزة: لدينا نقص شديد فى أجهزة التنفس الصناعى والأكسجين والتخدير، وأيضا سعة الأسرة ليست كافية، وهناك حالات نعجز عن استقبالها لعدم وجود أماكن شاغرة، ونطالب كثيرا بها لكن بلا جدوى.

معاناة مستمرة

الدكتور أحمد سالم الجربا، مدير المستشفى، أوضح لنا أن هذا المستشفى هو الرئيسى بعدن ويخدم خمس محافظات مجاورة، مضيفا: نستقبل يوميا من 20 إلى 30 جريحًا بإصابات متنوعة، ومنذ بدء الحرب نستقبل سنويا من 1600 إلى 1800 مصاب، وتزايد عدد العمليات منذ عام 2015، وفى العام الماضى فقط أجرينا حوالى 11 ألفا و330 عملية جراحية، والنسبة الكبيرة منها عمليات طارئة، أى بنسبة 60 % من إجمالى عدد العمليات.

وأشار الجربا إلى أن الحوثيين حولوا مبانى القطاع الصحى والمستشفيات إلى ثكنات عسكرية ووضعوا آلاتهم العسكرية فى نطاقها، واستهدفوا المراكز الصحية، والكوادر الطبية، وسيارات الإسعاف والمسعفين، حيث تم تدمير 153 منشأة صحية، وازداد انتشار الأمراض بالمناطق الواقعة تحت سيطرتهم والأوبئة مثل الكوليرا والملاريا بسبب الإضرار بالمرافق والبنية الأساسية من مياه نظيفة وصرف صحى، وتوقف العمل بالمستشفى الجمهورى منذ أبريل إلى أغسطس 2015، وتم تدمير جزء منها ونهب الجزء الآخر، وبعد التحرير حاولنا إعادة إصلاحه لما كان عليه قبل الحرب بمساعدة قوات تحالف دعم الشرعية والهلال الأحمر الإماراتى، ولولا هذه المساعدات لما كنا أعدنا افتتاح المستشفى.

وواصل الجربا: نضطر للعمل على مدار 24 ساعة وأحيانا يأتى 60 جريحا فى نفس الوقت، وفى هذه الحالة نتوقف عن استقبال الحالات غير الطارئة، فلدينا 460 سريرا، مشيرا إلى أن هناك مساهمات من المؤسسات الدولية ودعم من مركز الملك سلمان للإغاثة والهلال الأحمر الإماراتى، ومضيفا: مازلنا نحتاج أجهزة حديثة، فنحن نفتقر مثلا إلى الرنين المغناطسى والأشعة المقطعية وأجهزة متقدمة فى مجال الجراحة ومناظير العيون، ومعدات فحص فى المعامل الطبية.

وبالنسبة للأدوية أوضح الدكتور الجربا، أن جزءا منها توفره الحكومة وجزءًا يأتى من المساعدات الإغاثية، لكن هناك احتياجات أساسية لا تلبيها منظمات الإغاثة، مثل أدوية التخدير وأدوية الأوبئة، لافتا إلى أن اللجنة المركزية للإغاثة على مستوى اليمن تقوم بالتوزيع ولكل مستشفى نسبة منها دون الالتفات لاختلاف الاحتياجات من مستشفى لآخر، وتابع: نعلق الكثير من الآمال على مركز الملك سلمان، الذى يقدم كثيرا من الدعم للقطاع الصحى، والهلال الأحمر الإماراتى أيضا».


وعن تقييمه لعمل المنظمات الدولية باليمن، قال الدكتور الجربا: «نأسف لأنهم غير أمناء فى نقل الواقع، وهناك كثير من المبالغات فعلى سبيل المثال يحصلون على قروض ودعم كبير لمواجهة مرض الكوليرا ويصورون للعالم أن اليمن موبوء، رغم أن عدد الحالات لم يكن بهذه الضخامة، فإجمالى عدد الحالات التى عولجت هنا فى مركز عدن 4460 حالة فقط، وهو عدد قليل جدا مقارنة بما تعلنه هذه المنظمات، والباقى كانت حالات إسهال مائى فقط، وتم غلق هذا المركز لأنه لم تعد هناك حاجة إليه، ورغم ذلك فإنه تلك المنظمات مازالت تروج للعالم حتى اليوم أن الشعب اليمنى يعانى وباء الكوليرا، مشيرا إلى أن من بينها منظمات الصحة العالمية واليونيسيف، ومضيفا: هم لا يزيفون الإحصائيات فقط، لكنهم يختلقون أمراضًا ليست على أرض الواقع للحصول على دعم بملايين الدولارات.

وكشف أن أموال تلك المنظمات تستغل فى سيارات رش لطرد الناموس من مكان لآخر فقط دون معالجة مرض أو إنهاء الأزمة من جذورها فالأموال المخصصة لعلاج أمراض ومشروعات كمكافحة حمى الضنك ومشروع مكافحة الملايا، يتم إهدارها، فضلا عن أن 35 % من موازنة تلك المنظمات تذهب للمصروفات الإدارية.


وتابع: مشروعاتهم لا تمس واقع المريض اليمنى أو احتياجات المستشفيات ويفرضون على المستشفى نوعية المنح والمساعدات دون مشاورات معنا أو الالتفات لمطالبنا، فعلى سبيل المثال مؤخرًا زارنا وفد من منظمة الصحة العالمية لتركيب ألواح طاقة شمسية أعلى مركز الغسيل الكلوى، بعد الدخول فى مناقصة عالمية بهذا الشأن، رغم أننا لسنا بحاجة لها، مطالبا الدول المانحة بأن تشرف بشكل مباشر على نوعية المشروعات التى يتم تنفيذها، وأوجه صرف الموارد المالية.

معاناة مستشفى باصهيب

 يعد مستشفى باصهيب العسكرى بمديرية التواهى الأكثر استقبالا للجرحى ومصابى الجبهة، وتحدث إلينا الدكتور سالم حسن العطاس مدير عام المستشفى على تفاصيل المعاناة أثناء حصار الحوثى للمنطقة، مشيرا إلى أن الحوثيين استخدموا المستشفى كثكنة عسكرية، ومنعوا كل الإمدادات فى الوقت الذى كانت تتضاعف فيه أعداد الجرحى من الجبهات، وتابع: كنا نعتمد على مساعدات المقاومة الشعبية عن طريق البحر، وخوفًا على حياة الجرحى هربناهم ومنهم حالات خطيرة بقوارب وزوارق فى البحر إلى منطقة البريقة، لأن الحوثيين كانوا إذا أمسكوا بجريح يقتلونه دون رحمة والبعض لم يتحمل مشقة الرحلة ومات أثناء محاولات تهريبه، والميليشيا أمسكت بشباب جرحى كانت تقلهم سيارات للمستشفى، وقتلوا بعضهم وأخذوا البعض الآخر كأسرى، كما هجموا عدة مرات على المستشفى دمروا كل ما فيه من أجهزة ومولدات وسرقوا سيارات الإسعاف، وكانوا يبحثون عن الجرحى وعن أبناء المقاومة، وإذا وجدوا مريضا يأخذونه، ثم أغلق المستشفى حتى تم التحرير وفتحنا مستشفى ميدانيا فى منطقة المنصورة.

وعن الإمكانات الحالية بالمستشفى قال الدكتور سالم: مازلنا نستقبل جرحى من الجبهات ومنذ تحرير عدن حتى الآن عملنا على إعادة هيكلة للمستشفى وأنشأنا بعض المبانى ومازالت أجزاء خاضعة للترميم، ووفرنا بعض التجهيزات على قدر المتاح لأننا محافظة والأوضاع تحسنت كثيرا والسعة الآن 150 سريرا، وبعد انتهاء الترميم ستصل 360 سريرا، لكن هناك احتياجات مازالت تنقصنا مثل مركز للقلب ومركز أشعة لأن الحوثيين دمروا أجهزة الأشعة، وتكلفة الجهاز الواحد الآن 350 ألف دولار، وهناك أدوية نحتاجها وسيارات إسعاف، ونعتمد بشكل أكبر على دعم الدولة أكثر من المنظمات الإغاثية، وقدمنا طلبات لدعمنا بسيارات إسعاف من بعض المنظمات وننتظر الاستجابة، لافتا إلى أن هناك أيضا أزمة عدم انتظام رواتب الأطباء وكثيرون يعملون دون مقابل، وذلك فى التزام إنسانى منهم، لأننا فى وضع حرب، فيما أكد أن المنظمات الدولية تقوم بدعاية مبالغ فيها للترويج لانتشار بعض الأوبئة للحصول على منح وتتردد هذه الدعاية فى وسائل الإعلام الغربية، وتابع: نستغرب من التقارير التى يتم عرضها وهى مغايرة للواقع فى بعض الأحيان.