اليوان الصيني يواجه متاعب في التحول إلى عملة دولية قوية

اقتصاد

اليمن العربي

على الرغم من قوة الاقتصاد الصيني، والحديث دائما عن مؤشراته الضخمة والفلكية، إلا أن عملة البلاد الضعيفة لا تتناسب مع الدور الذي يقوم به الاقتصاد الصيني عالميا.

فالصين تعد ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة، والناتج المحلي الإجمالي يتجاوز الـ12 تريليون دولار، ومعدل النمو بلغ 6.8 في المائة في الربع الأول من هذا العام، وديون القطاعات غير المالية في الصين قفزت من ستة تريليونات دولار عام 2007 إلى 29 تريليونا اليوم، ومع ذلك كله فالعملة الصينية والدور الذي تلعبه في الاقتصاد الدولي لا يتناسب مع قوة الصين المالية.

ولا يمثل اليوان حاليا غير 1.7 في المائة من المدفوعات الدولية، وبالطبع فإن تلك النسبة الهزيلة لا تتفق مع رغبات الصين في أن تصبح عملتها أكثر تأثيرا في مسار الاقتصاد العالمي، وتحديدا في مجال التمويل الدولي، على أمل أن يعكس ذلك القوة الاقتصادية للصين.

ومع هذا فإن اليوان، وفي أفضل أوضاعه قبل ثلاث سنوات، لم يفلح أن يسجل أكثر من 2.8 في المائة من المدفوعات العالمية، قبل أن تتراجع تلك النسبة إلى 1.7 في المائة في نيسان (أبريل) الماضي.

لكن المسؤولين في البنك المركزي الصيني، يعتقدون أن زيادة احتياطيات الصين من العملات الأجنبية أخيرا، يمثل نافذة جيدة يمكن الولوج من خلالها إلى عالم المدفوعات الدولية، ومنح اليوان قوة دفع غير مسبوقة، تمكنه من احتلال مكانة متميزة في الاقتصاد العالمي، وهو ما ينسجم مع طموحات الرئيس شي جين بينج في أن يكون لبكين دور أكبر في التمويل الدولي.

بدوره، يعتقد بن جونستون الخبير المالي في أسعار الصرف في بنك إتش إس بي سي، أن السنوات القليلة المقبلة ستشهد استخداما أكبر لليوان في العمليات التجارية الدولية، وسيكون اليوان أكثر تأثيرا وتأثرا بأسعار الصرف في الأسواق المالية العالمية.

ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "أسعار صرف اليوان حققت خلال الربع الأول من العام الجاري أعلى معدل لها في السنوات العشر الماضية، ومنح ذلك مجالا لصانعي السياسة النقدية لتخفيف القيود المفروضة على التدفقات الخارجية، وباتت الصين تتمتع حاليا بأكبر احتياطي نقدي في العالم، ومن ثم فإننا نشهد الآن بعض التحسن في الطلب العالمي على اليوان".

ويرى بعض المحللين أن الصين ستتبع استراتيجية تدريجية لتعزيز موقع عملتها في الاقتصاد العالمي، وذلك عبر التركيز أكثر على المناطق والبلدان التي يبدو لليوان فيها مواقع إيجابية يمكن تطويرها بشكل أفضل.

وفي هذا السياق، تعد القارة الإفريقية خاصة شرق وجنوب القارة السمراء، التي يستخدم فيها اليوان على نطاق واسع في المعاملات التجارية، أرضية خصبة لاكتساب مناطق نفوذ أكبر تعزز وضعية اليوان في المدفوعات الدولية.

من جهتها، تؤكد لـ"الاقتصادية"، هلين مارك ويل تعلق الخبيرة الاستثمارية، أن معظم العقود التي توقعها الصين مع الحكومات الإفريقية لتشييد بنية تحتية تنص على استخدام اليوان في المدفوعات، وفي الواقع فإن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وانتهاء برنامج التيسير الكمي للفيدرالي الأمريكي، يعني عدم امتلاك تلك الدول للدولار ومن ثم تلجأ إلى اليوان.

لكن كثير من الخبراء يعتقدون أن تلك الاستراتيجية لن تفلح في جعل اليوان عملة دولية، وفي أحسن الأحوال ستسهم وبصورة محدودة في إحداث زيادة طفيفة في نسبة اليوان في المدفوعات الدولية، حيث يتطلب الأمر من وجهة نظر الخبراء أن تتبنى الصين سياسة ثورية تحدث تغييرا جذريا في الطلب العالمي على عملتها.

ويعتقد الدكتور تيلر بروك أستاذ الاقتصاد الدولي، أن الحل الوحيد للصين لأن تحظى عملتها بوضع يتناسب مع قوتها الاقتصادية، يتمثل في فتح أسواقها المالية تماما أمام المستثمرين الدوليين.

ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "النهج الصيني لتعزيز اليوان اعتمد حتى الآن على التجارة مدخلا ليحتل اليوان وضعا مميزا في المدفوعات الدولية، لكن هذا النهج لم يحقق الأهداف المنشودة، البديل يجب أن يكون في فتح الأسواق المالية الصينية، فتلك الخطوة ستعني عمليا الاندماج الصيني التام في المنظومة الرأسمالية الكونية، وستمنح المستثمرين ثقة تامة بالاقتصاد الصيني، حيث إن القيود الحكومية أو التدابير الاستثنائية باتت جزءا من الماضي، وهنا ستعبر العملة أي اليوان عن القوة الحقيقية للاقتصاد، وسيكون الطلب عليها مدخلا أساسيا لتفعيل ليس التجارة مع الصين، ولكن المضاربة في البورصة وأسواق المال".

على أي حال يبدو أن التحركات الاقتصادية تسير بشكل أو بآخر في هذا الاتجاه، إذ إن الصناديق الأجنبية تبدو متفائلة بشأن الأصول الصينية، ويلاحظ أن هناك عملية شراء لكميات قياسية من أسهم الدولة الصينية خاصة خلال الشهر الماضي، وباتت الصناديق الأجنبية قوة مهيمنة في الديون الحكومية، وهو مؤشر من وجهة نظر البعض لمزيد من الاندماج الصيني في الاقتصاد العالمي.

وتبدو القناعات السائدة حاليا أن الاقتصاد الصيني وعلى الرغم من تبنيه استراتيجية تعتمد على سياسة النمو المبني على تعزيز الاستهلاك المحلي، لن يعاني تقلبات عنيفة خارج نطاق السيطرة.

بدوره، يعلق أندو تيلر الباحث الاقتصادي قائلا "الظروف مهيأة الآن أكثر من أي وقت مضى لاتخاذ السلطات المالية في بكين خطوات إضافية تعزز النفوذ العالمي لليوان، وتسهيل عملية شراء الأجانب للسندات الصينية والسماح للمستثمرين المحليين بشراء مزيد من الأصول في الخارج، سيجعل تداول اليوان أكثر سلاسة في الأسواق الدولية".

وشجعت تلك التطورات البنوك المركزية الأوروبية على تغيير موقفها بمزيد من الانفتاح على اليوان. فالبنك المركزي الألماني أعلن في يناير الماضي أنه سيضم اليوان في احتياطياته لأول مرة، وذلك نظرا للدور المتنامي للعملة الصينية في أسواق المال العالمية، كما كشف المصرف المركزي الفرنسي أنه يحتفظ ببعض الاحتياطيات من اليوان، وأنه في طريقه لزيادتها.

من جهته، يقول ستيف بلاك الخبير المصرفي في مجموعة لويدز المصرفية "معظم احتياطيات البنوك المركزية بالدولار، والتحول إلى اليوان سيأتي على حساب العملة الخضراء، فالبنك المركزي الأوروبي بدل احتياطيات بالدولار الأمريكي بقيمة 611 مليون دولار إلى سندات باليوان، وتلك نسبة صغيرة من إجمالي احتياطي البنك المركزي الأوروبي، لكنها تعكس الشعور بأن تأثير الصين في النظام المالي العالمي أخذ في التزايد".

ويضيف "ما زالت الصين تواجه مشكلات في أن تكون عملتها عملة دولية حقيقية؛ حيث إن ضوابط رأس المال ونقص الشفافية داخل المؤسسات المالية الصينية، يجعل المستثمرين الدوليين مترددين في الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، والقادر على إضفاء المشروعية الدولية على اليوان، ومع ذلك فإن السلطات المالية الصينية أظهرت دلائل على أنها تتخلص تدريجيا من قواعدها المسيطرة على العملة، ومع اكتساب اليوان مزيدا من النفوذ الدولي والقيمة، ستتجه بكين إلى مزيد من الانفتاح المالي، وتتعزز قيمة اليوان كعملة دولية".