سهام الانقسام تمزق إيران

عرب وعالم

اليمن العربي

سهام الانقسام تمزق إيران، وتعمّق الهوة بين المحافظين المتشددين ممن انقضُّوا على رئيس البلاد، حسن روحاني، عقب القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي، معتبرين أن ما حدث نتيجة بديهية لـ"سذاجة" رئيسهم.

وغداة إعلان الانسحاب، لم تمهل الصحافة الإيرانية المحسوبة على شق المحافظين بقيادة المرشد الأعلى، علي خامنئي، الإصلاحيين كثيرا، وسددت نحوهم سهام الانتقادات، مطالبة بانسحاب فوري من الاتفاق. 

المحافظون الذين لطالما عارضوا الاتفاق، واعتبروا أن الانخراط فيه "سذاجة" من روحاني الذي وثق بالغرب والولايات المتحدة بشكل خاص، نزلوا بثقلهم، مستثمرين فرصة "ذهبية" بالنسبة لهم، لإظهار أخطاء الإصلاحيين أمام الرأي العام المحلي. 

ورغم أن الاتفاق رفع عن طهران جزءا من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وأخرجها من عزلتها، فإن المحافظين لم يتمكنوا أبدا من تقبّل فكرة الوثوق بالغرب، وبانسحاب ترامب، بدا لهم صدق توقعاتهم، لينهالوا على الإصلاحيين بالنقد.

الموقف الأكثر شراسة جاء، الإثنين الماضي، من مجلس خبراء القيادة الإيرانية، وهي الهيئة الأساسية في نظام البلاد، التي عهد إليها الدستور مهمة تعيين وعزل المرشد الأعلى.

المجلس أصدر بيانا شديد اللهجة، قال فيه: "على الرئيس أن يعتذر من الشعب الإيراني من أجل الأضرار الناجمة عن الاتفاق، ولأنه لم يحترم الخطوط الحمراء المرسومة من قِبل المرشد الأعلى".

الصورة المغلوطة التي يروجها النظام الإيراني عن الاتفاق النووي، فضحها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ليتبيّن أن خامنئي الذي لطالما انتقد الاتفاق هو نفسه من أعطى الضوء الأخضر للمفاوضات بشأنه مع واشنطن.

وحمّل أحمدي نجاد خامنئي مسؤولية فشل الاتفاق النووي، في بيان تحليلي نشر على قناته الرسمية في "تليجرام".

كما كشف عن اجتماع سري حضره مع خامنئي أثناء رئاسته، حول دخول إيران في المفاوضات النووية مع أمريكا في سلطنة عمان.

وأشار الرئيس الأسبق إلى أنه "كان رافضا في تلك المرحلة دخول إيران في المفاوضات مع واشنطن".



وألمح نجاد إلى أن "المرشد الإيراني خامنئي هو من أمر شخصيا بالتفاوض مع واشنطن في مسقط".

وعلاوة على ما تقدّم، كشفت بعض التقارير والتصريحات الإيرانية في وقت سابق، أن إيران دخلت في المفاوضات النووية مع واشنطن بضوء أخضر من خامنئي، غير أن روحاني هو من قطف ثمار هذه المفاوضات من خلال صفقة الاتفاق النووي.

ويقول منتقدو خامنئي في إيران إن الأخير خطط بشكل دقيق، ليتم الاتفاق النووي خلال فترة رئاسة روحاني المحسوب على الإصلاحيين، ليتخلى خامنئي شخصيا عن مسؤوليته أمام الرأي العام الإيراني في حال فشل أو انهارت المفاوضات أو الاتفاق النووي مع واشنطن، وهذا بالضبط ما حصل، وما جعل المحافظين يفتعلون حربا شعواء ضد روحاني.

في مواجهة سهام المحافظين، لم يبق روحاني مكتوف الأيدي، وإنما ردّ بقوة ناعمة مخافة الاصطدام المباشر، في بيان لحكومته، ذكّر فيه بأن مفاوضات الاتفاق "لا تتعارض مع الدستور أو واجبات الرئيس أو قرارت المجلس الأعلى للأمن القومي" التابع للمرشد الأعلى.

ولإنقاذ الاتفاق، وتخفيف الاحتقان بالبلاد، أجرى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، محادثات بالعاصمة البلجيكية بروكسل، في لقاءات مع نظرائه الفرنسي والألماني والبريطاني.



 اجتماعات جاءت في ختام جولة دبلوماسية مكوكية لـ"ظريف" شملت روسيا والصين، باعتبارهما من الموقعين على الاتفاق المبرم في 2015، في محاولة لحشد دعم يبدو أنه بعيد المنال، وفق مراقبين.

مد وجزر وانتقادات وتصريحات متواترة من هذا الجانب وذاك، رفعت منسوب التوتر والانقسام السياسي في إيران إلى أشدّه، وصنعت ذريعة لانقضاض المحافظين على الشق الإصلاحي، في مشهد فاقم من الانقسامات بهذا الشأن حتى على مستوى الرأي العام الإيراني.