قلم للابداع.. محو للأمية وصنعة للمستقبل.. تقرير

اليمن العربي

ليس هناك أجمل من ان ترى شباباً يخدمون مجتمعهم بوفاء وصدق واخلاص ،  ويقدّمون مشاريعاً ناضجة في مفهومها العام فاعلة في الواقع العملي . 

انهم يمكّنون مجتمعهم بأفعال في الميدان ،  هي عظيمة وكبيرة كبر آمالهم العريضة . 


سنحت لي مساء أمس زيارة مؤسسة قلم للابداع الواقعة بعمارة بارشيد بالشرج مدينة المكلا ،  وكنت اسمع عنها من قبل وعن بعض الجوائز التي حققتها . 


لكن ليس من رأى كمن سمع ، عند تجوالي بإحدى قاعات الدرس شد انتباهي شاب ثلاثيني يكتب الآية الكريمة (انا اعطيناك الكوثر)  ويكررها عدة مرات بخط منضبط على السطر  وبانضباط في مقعد الدرس، هذا ولم تمضي له سوى شهرين فقط في المؤسسة وكان قبل ذلك أميّاً ولا يستطيع (فك الخط) . 


قال لي وهو سعيد والابتسامة تملأ محياه : (بدأت اكتب وأقرأ ولن اتوقف عن الدراسة ، لقد قالت لي زوجتي المتعلمة ان خطك اليوم اجمل من خطي) . 


وليتكم كنتم تشاهدون فرحته وهو يردد هذا الكلام ،  والسعادة تلفه لانه بدأ يتحرر من الأمية . 


وشاهدت كبار سن وشباب منعتهم الظروف من الانتظام في المدارس فذهب كثير منهم لطلب الرزق في البحر او تلقفهتهم الشوارع ، وعندما مدّت لهم هذه المؤسسة يدها بدأوا ينتظمون في مقاعدها ، وخلال ستة اشهر فقط يستطيعون مغادرة مرحلة التعليم الأولى ،  لينخرطوا في مراحل متقدمة تجعل منهم عناصر متعلمة ،  وتقدّم لهم الدورات التطويرية في اللغتين العربية والانجليزية ، بل وتواصل رعايتهم ليواصلوا تعليمهم الثانوي والجامعي . 
هذا بالنسبة لبرنامج (قلمي) الذي يختص بمحو الأمية للمتسربين من التعليم . 


وعلى الطرف الآخر شاهدت قاعات للتدريب ضمن برنامج (الصنعة الطيبة) يتم خلالها تدريب العاطلين عن العمل والراغبين (من الجنسين) في تعلّم فنون السباكة والكهرباء والكوافير وغيرها من الحرف التي تقي صاحبها الفقر والحاجة وتكسبه مهارات العمل الشريف . 


شاهدت صوراً وسمعت قصصاً واقعية لشباب بدأوا من الصفر ،  فغدوا متعلمين بارزين في ميدان بعض المهن ، ومنهم من يواصل التعليم الجامعي . 
سمعت عن قصة الشاب عوض بلخير الذي بدأ مشواره مع مرحلة جديدة في حياته في هذه المؤسسة ، تلقى التعليم ثم انخرط بمجال التصوير وها هو موجود حالياً في مملكة ماليزيا منخرطاً في دورة دولية للتصوير ،  وسبق ان ساهم في تصوير مسلسلات محلية ومقاطع هادفة وغدا اليوم مدرباً لبعض الدورات لطلاب المؤسسة . 


كل ذلك أكسب هذه المؤسسة المنتجة احترام الجميع ، وليس بغريب ان تنال تقدير جامعة الدول العربية ،  وتحصل على الشهادات والأوسمة وآخرها  جائزة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك للشباب العربي الدولية من دولة الامارات العربية المتحدة .


ان مشاريع هادفة صادقة كهذه .. هي جديرة بالاحترام والمساندة ..  وان شباباً مثل هؤلاء جديرون بالتقدير ، انهم يساعدون اهلهم وشباب مجتمعهم وينتشلون من وقفت الظروف في طريقهم . 
قال لي مؤسس مؤسسة قلم ومديرها التنفيذي فادي حسين بافضل : ( لقد وهبت نفسي لهذه المؤسسة ونويت ان تكون وقفاً لي ولوالدي ، جائتني فكرة انشاؤها عندما شاهدت شاباً يلعب لعبة (الكيرم)  بجانبي في المقهى وعندما طلبت منه كتابة رقماً قالي لي لا اعرف الكتابة ولا القراءة منعتني الظروف من ذلك ،  حينها قررت فتح هذه المؤسسة وهاهي تنفذ دورات في العديد من مديريات حضرموت ،  وتستقبل في قاعاتها الآن فقط اكثر من 118 شخصاً من الجنسين ) . 
حينها قدّمت له استعدادنا في اذاعة سلامتك لبث نشاطاتهم وتسجيل برامجهم مجاناً وتقديم اي تسهيلات لهم في مجال التدريب في الاذاعة . 


فشكراً لك فادي ..  وشكراً لطاقمك الشاب ..  وشكراً لكل من لم يستسلم للجهل ..  وعاد لمقاعد الدرس طالباً العلم والرقي .


خلاصة القول : الجهل ليس عيباً فالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم كان أميّاً لكن الله تعالى اصطفاه وفقهه وعلّمه وخاطبه بـ(اقرأ) ، وليس من ينتظر كمن يبادر ، فمثل هؤلاء الشباب يمكّنون مجتمعهم ، ومثل هذه المشاريع تستحق الثناء والدعم والمساندة .