بعد الغزو العسكري.. هكذا تسعي ايران لتصدير مناهجها للعالم العربي

عرب وعالم

أرشيفية
أرشيفية

 

 

يأتي إعلان علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى للنظام الايراني علي خامنئي للشؤون الدولية، عن فتح فروع للجامعة الإسلامية الحرة الإيرانية " آزاد "، في كل من سوريا والعراق لبنان، كبداية مرحلة جديدة لـ النفوذ لثقافي لإيراني لناعم في ظل استمرار تدخل طهران العسكري في هذه الدول وزيادة الإنفاق على تصدير الثورة الخمينية وأيديولوجية نظام ولاية الفقيه إليها.

 

ويرى مراقبون أن الأهداف المرجوة من تمدد نفوذ إيران تعليميا وثقافيا في الدول العربية تتلخص في كسب المزيد من الأنصار وتجنيد طبقة متعلمة تؤيد النفوذ الثقافي الإيراني في دولها وتكون بمثابة طابور لها كما هو الحال مع الميليشيات التي تنفذ أجندة التدخل السياسي والعسكري والأمني لصالح النظام الإيراني.

 

كما تهدف إلى تصدير الأيديولوجية الخمينية في سياق توسيع الهلال لإيراني الشيعي بقيادة الولي الفقيه (المرشد الأعلى علي خامنئي بالإضافة إلى الهيمنة الثقافية من خلال فرض مناهج تعليم تنشر مبادئ نظام ولاية الفقيه الذي يمزج بين المذهب الشيعي والثقافة الفارسية.

 

وقد عبر عن هذه الأهداف علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني بقوله إن الجامعة الإيرانيةالحرة "أزاد" تعمل على " تدريس اللغة الفارسية والثقافة الإسلامية الشيعية ".

 

وأعلن ولايتي أن رئيس النظام السوري بشار الأسد، وافق على تأسيس فروع للجامعة في مختلف مدن البلاد، وموافقة الميليشيات الموالية لإيران على فتح فروع لها في العراق ولبنان.

 

وليست هذه المرة الأولى التي تفتح إيران جامعات ومؤسسات تعليمية وثقافية في العراق ولبنان وسوريا، حيث سبق أن فتحت فروعا لجامعتي "المصطفى" و"الفارابي" خلال أعوام الثورة السورية الماضية، والتي تتبع لمؤسسات دينية مقربة من المرشد علي خامنئي وتروج لأيديولوجية ولاية الفقيه.

 

وتأسست " جامعة آزاد الإسلامية " في عام 1982 في إيران، وتعد ثاني أكبر جامعة بعد جامعة طهران، وهي جامعة غير حكومية تأسست من قبل الرئيس الإيراني الراحل، أكبر هاشمي رفسنجاني.

 

جامعة المصطفى

تقوم "جامعة المصطفى العالمية" الإيرانية التي تتخذ من مدينة قم مقرا رئيسيا لها، مهمة تصدير "التشيع الإيراني" إلى خارج البلاد، حيث لها فروع في 60 بلدا، تمرر أجندة الثورة الإيرانية تحت غطاء برامج ثقافية ودعائية وحقوقية.

 

وذكرت صحيفة "شرق" الإيرانية في تقرير سابق لها أن مهمة جامعة المصطفى الأولى هي معرفة الشخصيات الموالية لنظام ولاية الفقيه في الخارج، وإيفادهم من بلادهم إلى إيران، والتكفل بمصاريف دراستهم في الحوزة العلمية بمدينة قم الإيرانية ثم إرجاعهم إلى بلدانهم الأصلية ليكونوا نوابا لشعارات الثورة الخمينية التي تغذوا بها خلال تواجدهم في الحوزات العلمية الإيرانية.

 

وتقوم وزارة الخارجية الإيرانية بتسجيل فروع هذه الجامعة كمؤسسة غير حكومية ومؤسسات أخرى لاستقطاب وتجنيد العناصر، خاصة أن لدى جامعة المصطفى 40 ألف طالب أجنبي يدرسون في الحوزات العلمية الإيرانية، لاسيما حوزة قم حيث يؤكد موقع جامعة المصطفى الرسمي أن أكثر من 50 ألف رجل وامرأة ينتمون إلى 122 دولة في العالم، قد تخرجوا في هذه المؤسسة الدينية خلال السنوات الماضية.

 

ويؤكد التقرير أن ميزانية جامعة المصطفى تعادل أكبر جامعات إيران مثل صنعتي شريف وبهشتي، وأنها أكثر تمويلا من جامعات تربية مدرس وجامعة "أمير كبير" وجامعة "علم وصنعت" وجامعة "العلامة طباطبائي".

 

وبناء على بعض التقارير فإن هناك أكثر من 20 منظمة دينية مختلفة وأهمها جامعة المصطفى ترتزق من ميزانية الدولة دون أن تكون مسؤولة أمام الحكومة عن کیفیة إنفاق أموالها.

 

ميزانية لتوسيع النفوذ الإيراني

يذكر أن الموازنة الإيرانية للعام المقبل الذي يبدأ في 21 مارس/آذار القادم وفق التقويم الفارسي، رصدت ميزانية بمئات المليارات لدعم الجامعات والمراكز الدينية المتطرفة لنشر أيديولوجية ولاية الفقيه، وتصدير الثورة الخمينية، وزيادة مخصصات المؤسسات الثقافية والتعليمية التي تقدم خدماتها لمنتسبي ميليشيات إيران الخارجية، وذلك على حساب الفقر والتهميش وشظف العيش الذي يعاني منه الإيرانيون الذين انتفضوا أخيرا بوجه النظام الذي ينفق ثروات بلادهم على طموحه الإمبراطورية.

 

وكانت صحيفة "جمهوري إسلامي" ذكرت في تقرير حول ميزانية الحوزات العلمية أن المواطنين يتساءلون حول جدوى هذه الميزانية التي تخصص تحت شعار برامج ثقافية للمراكز الدينية التي وصلت إلى 8000 مليار تومان.

 

ونقلت الصحيفة عن مصدر حكومي قوله إنه في قم وطهران هناك مراكز دينية تمنح مبالغ مالية طائلة لا يستحقها، بحجة العمل الثقافي، بينما هناك آلاف من الفقراء الذين لا يجدون قوتهم اليومي ويأكلون من القمامة وهل يعلمون أن هناك أسرا توجهت للدعارة بسبب الفقر".

 

ويقول الدكتور صادق زيبا كلام أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، إن ميزانية المراكز الدينية في الخارج والداخل بلغت حوالي 800 مليار تومان لمراكز مثل جامعة المصطفى، ولكي ندرك حجم هذه الميزانية الكبيرة علينا أن نقارنها بميزانية مؤسسات أخرى، حيث خصصت الحكومة لمنظمة البيئة 300 مليار تومان. وأضاف زيبا كلام: جميع هذه المؤسسات الدينية ومنها "مؤسسة الدعاية الإسلامية" و"جامعة المصطفى" وغيرها، لا تخضع للمساءلة أمام البرلمان ولا للسلطة التنفيذية".

 

تصدير المناهج الفارسية

ولم يقتصر تصدير المنهاج الإيرانية على فتح جامعات ومؤسسات تعليمية فقط، حيث إنه في ديسمبر 2016، دعا وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي عبدالرزاق العيسى، إلى تعليم اللغة الفارسية في عموم العراق من خلال إقامة دورات وعدم الاختصار على العاصمة بغداد، في خطوة اعتبرت "سياسية" رغم أن الوزير اختير على أساس أنه من التكنوقراط من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي.

 

ودعا العيسى خلال لقائه المستشار الثقافي الإيراني في العراق إلى عدم التركيز على مدينة بغداد فقط في تعليم اللغة الفارسية وإقامة دورات في كل مدن العراق، خصوصا المحافظات الجنوبية".

 

واعتبرت جهات عراقية أن عدم إدراك وزير التعليم العالي للتنوع القومي في العراق الذي أدى إلى تقاطعات اجتماعية "خطيرة"، والولاءات الكثيرة والمختلفة في الطبقات الاجتماعية والسياسية، جعله يطلب من إيران أن تسعى إلى تعليم العراقيين اللغة الفارسية".

 

استغلال المؤسسات الدينية

وبالإضافة إلى المؤسسات التعليمية، تستخدم إيران مؤسسات خيرية ودينية لتوسيع هيمنتها كمؤسسة "إعمار العتبات" الإيرانية التي يشرف عليها حسن بلارك، القيادي في فيلق القدس، تنشط في العراق بقوة من خلال صرف مبالغ هائلة ببناء فنادق ومراكز تجارية وتأسيس هيئات دينية وتوظيف رجال دين تابعين لها، وكذلك تنظيم الشيعة في سائر الدول لحشدهم في المناسبات المذهبية في العراق وإيران وسائر الدول التي ينتشر فيها الشيعة.

 

مشروع "البدر الشيعي"

في مايو/أيار الماضي، تم الإعلان عن هدف المحور الإيراني لتشكيل "بدر شيعي" بعد اكتمال "الهلال الشيعي" في المنطقة، في وقت تتحدث فيه إيران عن احتلال أربع عواصم عربية وامتداد نفوذها إلى شواطئ المتوسط وباب المندب.

 

وأوكلت مهمة الإعلان عن المشروع إلى قيس الخزعلي، أحد قادة ميليشيات الحشد الشعبي العراقية الذي أكد إلى أنه في المستقبل "ستكون الفرق القتالية قد اكتملت"، مشيراً إلى تنسيق ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وجماعة الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، بهدف إكمال مشروع "البدر الشيعي".

 

ويحلم النظام الإيراني بقيادة الشيعة وبالتالي العالم الإسلامي، وينفق لأجل هذا المليارات من الدولارات، ولذا يشارك بقوة في ترويج أيديولوجيته من خلال فتح مراكز ثقافية في العراق وسوريا ولبنان تحت غطاء المؤسسات الشيعية كما يساهم بقوة في تسيير المناسبات المذهبية في العراق.

 

ويؤمن النظام الإيراني بأن نفوذه العسكري والسياسي سوف يحقق حلم "السيطرة على العالم الإسلامي" وتطرق إلى تصريحات سابقة لقائد فيلق القدس قاسم سليماني عن تأسيس الهلال الشيعي بقيادة إيران.

 

ويهدف نظام ولاية الفقيه إلى إحياء "الإمبراطورية الفارسية " للسيطرة على المنطقة ولكن بغطاء شيعي هذه المرة، وهذا ما عبر عنه علي يونسي، مساعد الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي شغل منصب وزير الاستخبارات سابقا، في تصريحات له في مارس 2015 عندما تحدث عن سيطرة إيران على العراق والعالم العربي، وقال إن "بغداد أصبحت مركز الإمبراطورية الإيرانية الجديدة"، في إشارة منه إلى الإمبراطورية الساسانية الفارسية قبل الإسلام.

 

وكان عدد من القادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين بمن فيهم الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، ذراع العمليات الخارجية للحرس الثوري، تحدثوا عن اكتمال الهلال الشيعي بقيادة مشروع نظام ولاية الفقيه إيران، تحت شعار " نصرة المستضعفين" في العالم، وهي أحد شعارات الحرس الثوري والذي أسس فرعا تحت هذا المسمى منذ الثمانينات لغرض دعم الخلايا والميليشيات التابعة لها حول العالم.

 

وقال سليماني في كلمة سابقه له إنه "منذ العام 40 للهجري عندما قتل الإمام علي، حكم بنو أمية لمدة 80 عاماً وبنو العباس 600 عام والعثمانيون 400 عام ولم يكن لدى الشيعة الجرأة لإظهار وجودهم وعقائدهم، وإن إحياء المذهب الشيعي بقيادة إيران يعطي لإيران القوة في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية".

 

وعلى الرغم من التدخل والنفوذ المذهبي الواسع لإيران في العراق وكسبها مكانة عالية في أوساط الشيعة فإن أغلب عوام الشيعة وبعض المراجع في النجف لا يخضعون للسيطرة والنفوذ الإيراني ويخالفون سياسات إيران في العراق ويعتبرون عائقا أمام تمدد النفوذ الإيراني.