توقعات ما وراء زيارة تميم المرتبكة إلى أوروبا

عرب وعالم

أمير قطر
أمير قطر

قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الخارجية في نهاية الأسبوع الماضي بجولة زيارات إلى كلاً من تركيا، وألمانيا، وفرنسا، قبل تحوله إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل.


ولم تكن جولة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الخارجية في نهاية الأسبوع الماضي، مُفاجأة للمتابع والمحلل، ولكن المفاجأة جاءت من التسرع والارتباك وسوء التنظيم الذي ميز الجولة "المكوكية"، التي صورها الإعلام القطري الرسمي والموالي، "فتحاً دبلوماسياً مُبيناً"، والحال أن زيارة تركيا، وألمانيا، وفرنسا، قبل تحول الشيخ تميم إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، لم تكن سوى فرصة للتغطية على محاولة الدوحة، كسر عزلتها بشكل مرتبك ومتسرع، لتحقيق مكاسب "إعلامية" مصطنعة.


وفي البداية لم يفت الملاحظ، الارتباك وسوء التنظيم الكبير الذي رافق هذه الجولة، التي يبدو أن تسرعها عائد حسب بعض الأوساط إلى الصفعة المدوية التي تقبلتها الدوحة في القاهرة على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب، واللهجة الصارمة التي تحدثت بها دول المقاطعة، إلى المندوب القطري- الإيراني، في الجلسة، ما أوحى لصاحب القرار في الدوحة، بفكرة التحرك الدولي لتفادي الأسوأ، بعد تأجيل امتد أشهراً لزيارة برلين وبارس، وبالتزامن مع إطلاق أول مؤتمر للمعارضة القطرية في لندن، التي أعلنت عن نفسها بقوة بالمناسبة، ونجحت في إيصال صوتها إلى العالم الخارجي، بشكل فاعل ومؤثر، في دلالة على تحول نوعي كبير منتظر في الدوحة، والمنطقة، والعالم، بعد أن دق التغيير على باب الدوحة، أخيراً.


ومن أبرز الأدلة على هذا الارتباك وسوء التنظيم الذي طغى على الجولة، التعديلات الكثيرة التي طالت برنامجها، فبعد إعلان وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو الأربعاء، أن أمير قطر سيحل ضيفاً على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة، فاجأ حاكم الدوحة تركيا، بالحلول في مطارها الخميس، ما اضطر السلطات إلى تعديل خُططها وبرامجها بما فيها البروتوكول الرئاسي، وإيفاد نائب رئيس الوزراء التركي للشؤون الاقتصادية، ووالي أنقرة لاستقبال الأمير القطري الذي كان مرفوقاً بوفد رفيع المستوى، ما يعكس التخبط الواضح الذي كان عنوان هذه الجولة الأوروبية البارز.  


وامتد الاضطراب نفسه إلى الجزء الفرنسي من الرحلة، فبعد إعلان باريس عقد لقاء بين الأمير تميم والرئيس ايمانويل ماكرون مساء الخميس، اضطر الإيليزيه إلى تجاهل وسائل الإعلام الفرنسية التي استغربت تأجيل الزيارة إلى الجمعة، دون سبب يُذكر، ودون توضيح لسبب التأخير أو التعديل، وانتظرت كل باريس مساء الجمعة، وخروج مكتب الإعلام في الرئاسة الفرنسية ببيان باهت، على شاكلة الاستقبال البارد الذي قوبل به تميم في باريس من قبل الرئيس الفرنسي، عن محادثة لم تتجاوز 60 دقيقة بين الرئيس الفرنسي والأمير القطري.


أما في ألمانيا التي زارها تميم في الموعد المحدد، ورغم التكتم الشديد على جدول أعمال الزيارة، فإن كل ما حصل عليه الشيخ تميم بن حمد بعد المؤتمر الصحافي المشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تمثل في دعوة المستشارة التي دفعت في السابق بوزير خارجيتها إلى المنطقة "للتوسط في الأزمة الخليجية" إلى :" مفاوضات سرية واتصالات دبلوماسية خاصة" لحل الأزمة، في إشارة واضحة إلى تبرمها بتطورات الأزمة، خاصةً بعد قولها في المؤتمر المشترك : " لن ننجح في حل الأزمة، إذا أدلت كل الأطراف بما في ذلك الخارجية والبعيدة عن المنطقة برأيها في الأزمة، واقتراح التوسط فيها" في إشارة صريحة إلى تبرمها واستيائها من محاولة إقحام أطراف كثيرة في الأزمة، والدفع بها إلى مناطق مجهولة وخطيرة، كما تسعى قطر.


وفي باريس، لم تُشكل زيارة أمير قطر إلى فرنسا، سوى فقرة بسيطة في جدول أعمال الرئيس ايمانويل ماكرون، الذي رفض مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع الشيخ تميم، وفضل بعد المقابلة الخاطفة مع الزائر القطري، الاحتفال مع الرئيس السابقين نيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند، بفوز باريس بتنظيم الألعاب الأولمبية الصيفية 2024.

ومن جهة أخرى، وفي الوقت الذي وصل فيه الشيخ تميم إلى برلين، لم تتورع صحيفة دير تاغس شبيغل، اسعة الانتشار في تصدير صفحتها الأولى بمقال بعنوان :" على ألمانيا النأي بنفسها عن قطر" شددت فيه الصحيفة على أن :" الإمارة الصغيرة من أبرزممولي الإرهاب الإسلامي، الذي يشمل طائفة واسعةً من الحركات المتطرفة، وليس فقط حركتي حماس، أوطالبان، ولكن حتى تنظيم داعش الذي يعرف أنه قادر على التعويل على الدعم القطري"، وفق ما أوردت دويتشه فيله الألمانية، على هامش زيارة الشيخ تميم إلى برلين.


وذكرت الصحيفة، حسب الإذاعة الألمانية الرسمية، باتهامات برلين السابقة للدوحة بدعم الإرهاب، اتهامات توجهت بها شخصيات ألمانية من الأحزاب السياسية المختلفة ، وحتى من الحكومة الألمانية على غرار اتهام وزير التنمية الألماني غيرد موللر في 2014 الدوحة بلعب أدوار سيئة في سوريا والعراق، رغم التصريحات اللاحقة للمستشارة أنجيلا ميركل، التي سعت إلى تلطيف تصريحات وزيرها.


وإذا فشلت جولة الشيخ تميم الأوروبية قبل تحوله إلى نيويورك، من البداية في تحقيق أي اختراق سياسي، أو استراتيجي في الأزمة الخليجية، أو لدفع إحدى العواصم الأوروبية الكبرى، مثل باريس أو برلين، إلى تبني موقف صريح يدعم قطر وسياستها في الأزمة الراهنة، إلا إنها تكشف ورغم تخبطها، أنها ليست أكثر من محاولة لطمأنة الرأي العام الداخلي القطري، وتهدئة خواطر التيارات والقطاعات السياسية والمالية الكثيرة المرتبطة بالدوحة وبسياستها سواءً كان ذلك في الشرق الأوسط، أو خارجها، من الإخوان، إلى حماس، ومن القاعدة إلى داعش، ومن الدوحة إلى نيويورك عن قدرة الدوحة على المناورة، واعتماد سياسة ما أسماه موقع قطرإنفو الفرنسي " الريش المنفوش" والخروج من "القفص الذهبي" الذي لزمه الشيخ تميم منذ اندلاع الأزمة.


ويُمكن القول اعتماداً على التطورات الأخيرة إن زيارة أنقرة، وبرلين، ثم باريس، محاولة قطرية جديدة، للتوسط بين أنقرة وبرلين من جهة، وبين أنقرة وباريس من جهة ثانية، مع ذر الرماد على العيون، بالحديث عن " استعداد قطر للحوار" مع دول المقاطعة، وهو المحور العام لكلمة الأمير تميم المنتظرة أمام الأمم المتحدة، والتي سيُهاجم فيها دول المقاطعة، ويُبرز فيها " حجم الدعم الدولي لمواقف قطر، وقراراتها بمناسبة الأزمة الخليجية" مع الاستشهاد بجولته الأوروبية الأخيرة.


ولهذا السبب لم يفت المراقبين ملاحظة، تعمد تقديم الشيخ تميم سفره إلى أنقرة، ليتزامن مع وجود وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان فيها، في ثاني زيارة للوزير الفرنسي إلى أنقرة في ظرف أشهر قليلة، ومحادثاته في العاصمة التركية مع المسؤولين الأتراك، عن "مستقبل المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي" وتهدئة " الأجواء بين تركيا وأوروبا"، وذلك في الوقت الذي رفضت فيه تركيا "الإفراج عن صحافي فرنسي معتقل بتهمة الإرهاب" بعد اعتقاله قرب الحدود مع سوريا.


وحسب جهات فرنسية كثيرة، وتقارير صحافية الخميس، فإن زيارة لودريان إلى أنقرة، كانت بعيدة كل البعد عن المفاوضات بين تركيا وبروكسل، ولكنها محاولة جديدة للمطالبة بإطلاق سراح الصحافي الشاب، بعد توسيط الشيخ تميم بن حمد، في القضية بحكم علاقاته الجيدة بالرئيس رجب طيب أردوغان، الأمر الذي تحقق الجمعة، بعد رفض استمر منذ يوليو (تموز) الماضي، وبعد رفض رسمي للإفراج عن لو بيرو، في مناسبتين رغم اتصال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في المناسبتين بنظيره التركي لإطلاق سراح مواطنه.


وبعد التدخل القطري، تغير موقف القضاء التركي، تسارعت الأمور كثيراً منذ مساء الخميس، وأعلنت الرئاسة الفرنسية الجمعة، خبر الإفراج عن المصور الصحافي على ويتر في تغريدة قال فيها ماكرون: " أخيراً، يُمكننا أن تنفس من جديد، بعد إطلاق سراح لو بيرو المعتقل في تركيا".


ومن أنقرة، حمل الشيخ تميم في المقابل، باعتباره أحد أكبر المستثمرين الأجانب في ألمانيا شخصياً وعبر شركات مختلفة كثيرة أخرى إلى جانب الصندوق السيادي القطري، رسالةً تركية هذه المرة إلى المستشارة الألمانية، طلباً بالتهدئة وخفض التوتر مع تركيا، الأمر الذي يُفسر فراغ المؤتمر الصحافي وخلوه من المحاور التي دارت حولها المقابلة الرسمية بين المستشارة والأمير، واكتفاء الطرفين بالحديث عن الشكليات، بلا موضوع أو عمق، ويُفسر أيضاً استغناء الرئاسة الفرنسية عن تنظيم مؤتمر صحافي مشترك مع الأمير القطري بعد محادثة  بلا موضوع حقيقي مع ضيفه القطري، والتي لم يتعرض البيان الصادر بعدها عن الرئاسة الفرنسية، إلى المقاطعة، أو رفعها، أو عن تأييد لقطر، أو لدول المقاطعة.


ففي بيانها الرسمي طالبت الرئاسة الفرنسية إلى جانب "رفع القيود التي يُمكن أن تمس السكان في قطر، وليس القطريين أو قطر، خاصةً على مستوى العائلات والطلبة" وفي المقابل جدد ماكرون التشديد على مكافحة الإرهاب  كما قال البيان الذي أورد :" وأكد رئيس الجمهورية، تصميم فرنسا التام، على مكافحة الإرهاب، وتمويله، وضرورة دعم كل الآليات الوطنية، والإقليمية، والدولية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف"، ما ينزل بالحماس القطري المفرط للجولة الأوروبية إلى مستويات متدنية كثيراً، ويكشف حقيقة الزيارة البروتوكولية التي أداها أمير قطر إلى تركيا، وألمانيا، وباريس، بحثاً عن " أضواء نيويورك" بعد أسبوع، وللتمترس بعلاقة جيدة مع برلين وباريس ضد ترامب، في أول مصادمة مباشرة محتملة بين تميم ودونالد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولو عن بعد.