شركات الاتصالات في اليمن وأسباب تأخر التطوير (تقرير خاص)

تقارير وتحقيقات

صورة أرشفية
صورة أرشفية

تعد اليمن من أسوأ بلدان العالم في مجال خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية، نتيجة فساد نظام صالح وعدم سعيه إلى تطوير البلد طيلة فترة حكمه الأطول في البلاد، ونتيجة الصراع القائم الذي جاء ودمّر المُدمّر .

وهنا في هذا التقرير يرصد " اليمن العربي " أهم أسباب تأخر تطوير الاتصالات في اليمن وعوامل تدهورها في ظل عدم القدرة على الحفاظ عليها .


الفساد


تسبب فساد نظام صالح الذي حكم اليمن لأكثر من 33 عاماً في عدم تطوير الاتصالات في البلد وتوفيرها بشكل سيء غير قابل للتطوير .


واعتاد نظام صالح اتاحة المجال لرجال الأعمال تنفيذ وإنجاز المشاريع الحكومية مثل الاتصالات والطرق والكهرباء وبناء المدارس والمنشآت الحكومية، وهو ما أتاح فرصة كبيرة للكثير من المسئولين ورجال الأعمال في التلاعب في تنفيذ تلك الأعمال بشكل غير المطلوب ليسنح لهم جني أرباح طائلة تفوق أضعاف تكلفة ما قاموا بإنجازه في ذلك المشروع في ظل عدم وجود أية رقابة من قبل النظام الحاكم الذي هيأ الأجواء للفساد وفتح شهية الجشعين في التقصير في تنفيذ الأعمال دون التفكير أو الاكتراث بعواقب تنفيذهم المشروع بالشكل غير المطلوب وهو ما نتج عنه تدهور تلك المشاريع وانهيارها خلال فترة قصيرة مع عدم القدرة على تطويرها .

أعاق الفساد والتلاعب بالمال العام والتقصير الكبير في تنفيذ المشاريع الوطنية على أكمل وجه عملية تطويرها، مما يضع البلد في أمس الحاجة إلى مشاريع بديلة بتكلفة باهظة جداً وهو ما لا زال يعيق تطوير الاتصالات في البلاد .


الاحتكار


عمدت أسرة صالح وحلفاؤه في حكم البلاد آنذاك كأسرة آل الأحمر على احتكار شركات الاتصالات في البلاد، ولم يتيحوا الفرصة لأية شركات أخرى تنافس شركتي سبأفون المملوكة لرجل الأعمال حميد الأحمر وشركة يمن موبايل الحكومية والتي يُشاع أنها مملوكة لأسرة صالح وتستفيد من عائداتها .


ولم تسمح الأسرتين لأية شركة تنافس سوى شركة "سبستل" المملوكة لرجل الأعمال شاهر عبد الحق وهو أحد أبرز التجار ورجال الأعمال الذين تربطهم علاقات بصالح وأسرته .


إضافة إلى شركة "واي" التي حاولت المنافسة بعد ان حصلت على تصريح من وزارة الاتصالات إلا أن الكثير من العراقيل المفتعلة واجهتها من قبل مالكي الشركات السابقة كما تسبب فساد إدارتها في فشلها وعدم قدرتها على التواجد في كافة محافظات البلاد، سوى صنعاء وعدن والمكلا .


أما بالنسبة لشركة "إم تي" إن الدولية فقد جاءت عن طريق شركة "سبستل" التي عجزت في منافسة شركة "سبأفون" و "يمن موبايل" وقام مالكها رجل الأعمال ببيعها على شركة إم تي إن الدولية والتي قامت بتغيير اسمها من سبستل إلى إم تي ان وقامت بتغيير كافة أنظمتها طبقا لنظامها العالمي الذي تعمل به في البلدان التي تتواجد بها كسوريا والسودان .


وقد ساعد فشل شركات الاتصالات شركة سبأفون على احتكار خدمات الاتصالات وعدم سعيها إلى تطوير خدماتها نتيجة عدم وجود المنافس القوي .


ففي حال كانت هنا في البلاد شركة اتصالات منافسة لشركة سبأفون بقوة لوجدت شركة سبأفون نفسها مجبرة في التطوير من خدماتها وتوسيع حجم سعتها وتخفيض أسعارها لتظل منافسة بقوة وحتى لا تفقد مشتركيها .


الحرب


الحرب سبب رئيسي في تأخر تطوير الاتصالات، وعامل أساسي في تدميرها وتدهورها، وربما قد تتسبب في تدهورها كلياً في البلد بشكل عام أو في منقطة الصراع .


وقد تسببت حرب صيف 1994 في عرقلة مشروع كابل الألياف البحرية القادم من جيبوتي إلى اليمن ولم يتم إنجازه إلا بعد تلك الحرب بعامين .


كما تسبب انقلاب الحوثيين وصالح على السلطات الشرعية وشنهم حرب موسعة في شتى محافظات البلاد كعدن وتعز ومأرب، في تدهور الاتصالات في البلاد وخروج خدماتها عن العديد من المناطق نتيجة عدم قدرة الفرق الهندسية من الوصول إلى الأبراج أو الكابلات التي تعرضت للقصف أو القطع .


وتعد الحرب السبب الرئيسي في تأخر تطوير الاتصالات في البلاد كما تعد العامل الأساسي في تدميرها كما هو الحال في عدداً من محافظات البلاد التي لا تزال تشهد حرباً مستمرة منذ أكثر من عامين ونصف العام تسببت في تدمير أبراج الاتصالات نتيجة القصف وانقطاع أعمال الصيانة وإعادة إصلاح الكابلات والأبراج المتضررة .


المركزية


المركزية هي سبب رئيسي في تأخر تطوير الاتصالات وعامل أساسي في تدميرها، كما هو حال وزارة الاتصالات في اليمن الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية والتي عبثت بها ونهبت محتوياتها ورفضت إرسال فرق صيانة لصيانة خطوط وأبراج وكبائن شركتي الهاتف الثابت والانترنت ويمن موبايل قي المحافظات المحررة متسببة في خروج الخدمة عن معظم مناطق تلك المحافظات .

ونتيجة وجود كافة المقرات الرئيسية لمؤسسات الدولة في صنعاء فقط استطاع الحوثيين وحليفهم صالح الاستمرار في السيطرة على الاتصالات في البلاد والتحكم فيها متسببين في تدهورها وانهيارها .


فلو كان مقر وزارة الاتصالات في عدن لما استطاع الانقلابيين السيطرة عليها وكانت ستكون تحت سيطرة الحكومة الشرعية وهي من كان سيكون يتحكم فيها والتمكن من تطويرها .


وتسعى الحكومة الشرعية إلى تحرير وتطوير الاتصالات في البلاد من خلال مشروع الكيبل البحري الذي يربط آسيا وإفريقيا وأوروبا وهو ثالث أطول كيبل بحري في العالم وستنتهي تركيباته خلال الشهرين القادمين .


ويبلغ طول الكابل البحري 25 ألف كيلومتر، حيث يبدأ من هونج كونج ماراً بعدن وينتهي في مارسيليا، و تعد اليمن شريكا أساسيا في تقوية وإيصال الإشارة من شرق آسيا إلى أوروبا.


وكان قد وضع حجر أساس ذلك المشروع الرئيس هادي عام 2013، بتكلفة اجمالية بلغت 50 مليون دولار بتمويل محلي ويعتبر أهم المشاريع التقنية في عالم الاتصال والانترنت التي تنفذها اليمن.


وقد قام رئيس الوزراء احمد عبيد بن دغر مطلع اغسطس المنصرم بزيارة المحطة الأرضية في عدن لتفقد تنفيذ مشروع الكابل البحري وقال : " ها نحن اليوم وبعد جهود حثيثة كللت بالنجاح نقطف ثمار المشروع العملاق الذي سيحدث نقلة نوعية في الاتصالات والانترنت".


وأكد " أن سرعة الانترنت التي سيقدمها المشروع تفوق السرعة الحالية بأربعين ضعف، بحيث تصل سرعته 1800 ميجا بت في الثانية، وهو ما سيسهل عملية التواصل ويقدم خدمات اتصال متقدمة للمواطنين ويحفظ تكلفة الاستخدام، وتقديم سرعات عالية، وفق المستويات العالمية ".


التخريب


في ظل غياب الدولة وغياب كافة أجهزتها خصوصاً الأمنية كما هي العادة منذ نظام علي صالح الغائب كلياً عن الأرياف والمناطق النائية، انتشرت ظاهرة التخريب في البلاد وأصبحت ظاهرة منتشرة في المجتمع .


ونتيجة ذلك كثيرا ما كانت ولا تزال كابلات الألياف الضوئية تتعرض للتخريب في مناطق البلاد مما يتسبب في خروج خدمتي الهاتف الثابت والانترنت ويمن موبايل في المناطق التي أبراجها مرتبطة بالكابل الأرضي .


كما تسببت أعمال القطع المتكررة التي تتعرض لها كابلات الألياف الضوئية في البلاد في تردي خدمتي الانترنت والهاتف الثابت .


ويقدم الكثير من المخربين أو السكان على قطعها والاعتداء عليها بذريعة مطالب يريدون السلطة المحلية تحقيقها لهم أو ما شابه دون أن يتعرضوا لأية عقوبة من السلطات رداً على جريمة اعتدائهم على المصلحة العامة بقطعها وتخريبها متسببين في خروجها وتلفها وتدهورها مما يلحق أضرار بالمواطن والسلطة .

وبهذا يعد غياب الأمن وانتشار التخريب سبب رئيسي في تأخر تطوير الاتصالات في البلاد وعامل أساسي في تدهورها وانهيارها وعدم القدرة على الحفاظ عليها، وعدم وجود الرغبة لدى الشركات الأجنبية في القدوم والاستثمار في اليمن .


الوعورة


وعورة التضاريس في البلاد سبب من اسباب تأخر تطوير الاتصالات في البلاد، حيث تحتاج الشركة المستثمرة في مجال الاتصالات إلى تكاليف باهظة في بناء أبراج الاتصالات .


وعورة التضاريس في البلاد واستقرار غالبية سكان اليمن في الأرياف في مناطق جبلية وعرة ومناطق صحراوية مترامية الأطراف تحتاج شركة الاتصالات إلى العديد من الأبراج والمحطات لتزويد السكان بخدماتها الهوائية .

ومن المعروف ان سكان الارياف لا يمثلون كثافة سكانية كبيرة كسكان المدن، وقد يغطي برج واحد مدينة واحدة يفوق سكانها سكان 100 ريف بينما تحتاج إلى 100 برج لكل ريف نائي لا يفوق سكانه سكان حارة مدينة .

ونتيجة ذلك تجد الشركات الاجنبية المستثمرة في مجال الاتصالات الاستثمار في دول يقطن غالبية سكانها المدن أفضل بكثير من الاستثمار في بلد يقطن غالبية سكانه الأرياف في مناطق جبلية وعرة وصحراوية مترامية الأطراف .


ونتيجة وعورة التضاريس في اليمن تواجه شركة تليمن للهاتف الثابت والانترنت صعوبة كبيرة في صيانة كبائن وكابلات الهاتف الثابت والانترنت في المناطق الريفية المتربعة على قمم الجبال الشاهقة أو تلك الأرياف المرتمية في وسط الصحراء بمسافات متباعدة جداً، كما واجهت صعوبات في مد الكابلات الضوئية إليها بشكل كلي حيث لا تزال هناك العديد من المناطق في البلاد تفتقد خدمتي الهاتف الثابت والانترنت بعد عجز نظام صالح توصيل الخدمة إليها نتيجة الفساد ووعورة التضاريس .