تدهور العملة الوطنية بين سياسات المركزي وجهود الحكومة ووجهة نظر الإقتصاديين

تقارير وتحقيقات

صورة أرشفية
صورة أرشفية

لازالت العملة الوطنية للبلاد مهددة بإستمرار الهبوط أمام العملات الأجنبية، للعديد من الأسباب والنتائج التي خلفتها السياسات المالية لميليشيا الحوثي وصالح الإنقلابية، منها إستنفاذ مخزون البلاد من النقد الأجنبي الذي كان يقدر بأكثر من أربعة مليار دولار، بالإضافة إلى مليار دولار وديعة سعودية للحفاظ على إستقرار الريال .

ويحاول البنك المركزي اليمني الذي نقل في سبتمبر 2016م إلى العاصمة المؤقتة عدن، بتكييف سياساته مع متغيرات أسعار صرف، فكان قراره الأخير بتعويم العملة الوطنية في محاولة أخيرة للسيطرة على سعره الذي أرتفع من 215 ريال مقابل الدولار الأمريكي، إلى 374 ريال حالياً .

التعويم سيجذب المنح الدولية :

وبرر نائب محافظ البنك المركزي اليمني، عباس أحمد الباشا، إتخاذ البنك لهذا القرار بأنه سيسهم في جذب المنح وغيرها من موارد بالنقد الإجنبي المتأنية من الخارج خاصة برامج المنح التي سيطلقها البنك الدولي والمانحين الآخرين قريباً .

وأشار إلى أن من هذه البرامج، برنامج التحويلات النقدية الخاص بصندوق الرعاية الإجتماعية ومحطة دعم الواردات السلعية وجهود الإغاثة الإنسانية ودعم بعض المشروعات في المجالات الخدمية .

وأكد الباشا أن قرار التعويم لم يكن في الأصل إنتقال البنك إلى سياسة نقدية جديدة، بل هو تصحيح لوضع قائم في اليمن أساساً منذ 1996م .

وأكد أن هذا القرار سيمهد أوضاع مناسبة لإطلاق ومباشرة برنامج إعادة الإعمار في اليمن المدعوم من قبل المانحين الرئيسيين وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية .

وجاء قرار التعويم بعد، قراران إتخذهما البنك المركزي، الأول عندما كان في صنعاء، حيث حدد سعر الدولار بـ250 ريال، والثاني مطلع هذا العام بعد نقله إلى عدن، حيث حدد سعر الدولار الشراء 300 ريال والبيع 305 ريالات بعد أن كان 360 ريالاً .

وتعهد البنك المركزي بشراء الدولار من السوق وتغطية احتياجات السوق من المشتقات النفطية بشكل كامل وتوفير المواد الغذائية الأساسية للمواطنين، لكنه لم يفلح في الإيفاء بهذه التعهدات الأمر الذي فتح المجال أمام السوق السوداء للعودة إلى الواجهة .

خبراء الإقتصاد ينتقدون :

هذا القرار حظي بإنتقاد واسع من قبل خبراء الإقتصاد، الذين يرون أنه سيؤثر على المواطنين وسيزيد من أعباء وتكاليف حياتهم المعيشية .

وأكد رئيس مركز الدراسات والإعلام الإقتصادي، مصطفى نصر، أن قرار تعويم العملة المحلية سيكون له انعكاسات سلبية علي كل التعاملات الرسمية التي كانت تعتمد السعر الرسمي ومنها الجمارك حيث سترتفع الجمارك فعليا بنسبة ٤٥٪ .. مشيراً إلى أن تلك الزيادات ستنعكس على اسعار السلع المستوردة.

وبحسب نصر فإن القرار لن يؤثر كثيراً على البنوك لأنها عملياً تتعامل بسعر السوق السوداء وهو خاضع للعرض والطلب باستثناء بنك اليمن الدولي الذي يستقبل معظم تحويلات المنظمات الدولية ويعتمد سعر الصرف الرسمي ليجني فوارق طائلة في ظل تواطوء من قبل تلك المنظمات".

في حين يرى الخبير الإقتصادي علي الحبشي ،ان العديد من القرارات التي اتخذتها الحكومة ليست مبنية على أسس صحيحة وانما وفق مزاج فردي، معتبراً قرار تعويم الريال اليمني قرار خاطئ وسيؤثر على حياة الناس نتيجة الكلفة المضافة للجمارك بسبب قرار التعويم .


جهود حكومية لمنع تدهور العملة 

بدورها حكومة الشرعية تواصل جهودها للحد من إنهيار العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية .

وكشفت مصادر حكومية، عن مساع بذلتها الحكومة من أجل الحصول على ودائع مالية بالدولار لوضعها في البنك المركزي بمحافظة عدن، وهو ما سيساعد كثيراً في احتواء أزمة تدهور الاقتصاد والريال اليمني أمام العملات الأجنبية التي عصفت بالبلاد في الآونة الأخيرة. 

وأثمرت تلك المساعي، عن إعلان المملكة العربية السعودية منح اليمن وديعة ثانية مقدارها ملياري دولار، لتعزيز أسعار صرف الريال اليمني مقابل الدولار والعملات الصعبة، ولكن هذا الأمر لم يتم لترتيبات مالية على حد قول المصدر .


الميليشيات هي سبب التدهور :

وفي الحديث عن سبب تدهور العملة الوطنية المفاجئ أمام العملات الأجنبية، يؤكد خبراء إقتصاديون أن السبب الرئيسي لهذا الإنهيار هو الحرب التي أشعلتها ميليشيات جماعة الحوثي وصالح الانقلابية والمستمرة منذ عامين .

وأفاد الخبراء أن سياسات قادة الانقلاب في صنعاء تسببت في اختلالات هيكلية بالاقتصاد اليمني وباعدت أي أفق لتعافي الريال اليمني المنهار أمام العملات الرئيسية.

وبحسب الخبراء تتأثر حركة سعر الصرف بمؤشرات النمو والتضخم والبطالة إلى جانب تأثرها أيضا وبشكل أكبر بحالة الموازنة العامة للدولة ونتائج الميزان التجاري وميزان الحساب الجاري باعتبارها المؤشرات الرئيسية المعبرة عن الأداء الاقتصادي، ولأن البلد يعيش حالة تمرد فإن من الصعوبة بمكان الوقوف على مثل هذه الأرقام على وجه الدقة لمعرفة أثرها على تدهور سعر الريال في معاملاته مع العملات القابلة للتحويل دولياً .

وعزا خبراء الإقتصاد أسباب تدهور سعر الصرف العملة الوطنية إلى وجود طلب قوي على العملات الرئيسية لتمويل استيراد النفط والغذاء، بعد أن أصبح من الصعب على البنك المركزي تمويل استيراد الغذاء بسبب تدهور الاحتياطات النقدية الدولية.

ويؤكد خبراء الإقتصاد أن عبث الميليشيات وأستنزافهم لاحتياطي النقد الأجنبي والمخزون النقدي من العملة المحلية ونهب الإيرادات المتواصل وعدم إيداعها في حسابات الدولة، تسبب في تعطّل سير الدورة المالية بشكل سليم وبالتالي إنهيار العملة المحلية .

التدهور بعد نقل البنك أمر طبيعي 

وكان رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي اليمني، الدكتور محمد حلبوب في وقت سابق أكد أن تدهور قيمة العملة المحلية هو اثر جانبي طبيعي لعملية التمويل بالعجز التي اضطرت الحكومة لتنفيذها مؤخراً .

وقال أن التدهور تتحمله الميليشيات الإنقلابية التي تستحوذ على ايرادات الدولة وتوجهها لصالح المجهود الحربي وترفض توريدها إلى البنك المركزي .. موضحاً أن تلك الإيرادات شملت عوائد النفط والغاز والضرائب والرسوم كنتيجة للحرب .

وأضاف أن تآكل الاحتياطي النقدي للبنك المركزي يعتبر أحد أسباب هذا التدهور وأنه لم يكن امام الحكومة سوى احد خيارين اما دفع رواتب الموظفين (موقتاً) من خلال التمويل بالعجز اي الاقتراض الاجباري من الجمهور عن طريق اصدار عمله دون غطاء واما التوقف عن دفع الرواتب والاجور الى ان تتمكن الحكومة من تحصيل ايراداتها.

ولفت إلى أن الدولة كانت أمام خيارين نظراً لعجزها عن تحصيل إيراداتها اما (المجاعة) او (التضخم) فأختارت (التضخم) هو اهون الشرين.

وأكد حلول أن الحل لإنهاء هذه الأزمة وإيقاف التدهور هو انهاء الانقلاب واستعادة الدولة لايراداتها .

الحلول من وجهة نظر إقتصادية :

يرى خبراء إقتصاديون أن البنك المركزي اليمني منذ نقله إلى العاصمة المؤقتة عدن لم يتمكن من ممارسة الدور المناط به برسم السياسات المالية وتنفيذها للعديد من الأسباب أبرزها ضعف الجانب الإيرادي في ظل تعطل وتوقف كثير من مصادر الدخل في المحافظات المحررة عن العمل وكذا رفض الميليشيات الإنقلابية توريد ما يتم تحصيله من إيرادات إلى البنك المركزي في عدن أو صنعاء .

وقال نصر أن البنك المركزي منذ نقله في سبتمبر ٢٠١٦م إلى عدن اثبتت ادارته فشلها وعجزها عن تفعيل البنك المركزي للقيام بادواره المفترضة ابتداء من الرقابة علي البنوك وتفعيل السويفت وانتهاء بالعبث بالعملة المحلية المطبوعة من الريال اليمني وبيعها للصرافين بدلا من استخدامها لتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي. 

وكان مصطفى نصر في وقت سابق أكد أن الحالة التي تمر بها العملة قابلة للعلاج إذا تم التعامل معها بذكاء للوصول على أقل تقدير إلى مرحلة تخفيف ضغط سعر صرف العملة ومنع استمرار تدهورها.

وأكد نصر عدم إدارة العملات الأجنبية بشكل مدروس وواع قد يؤدي في نهاية الأمر إلى سحق العملة المحلية وجعلها تتهاوى بحثا عن قاع جديد في ظل التدهور المتسارع لقيمة العملة المحلية. 

وأشار إلى أن عدم قدرة السلطات المالية الرسمية على فرض السياسة النقدية في مختلف المناطق يعد أمراً طبيعيا في ظل وجود مناطق غير خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، ووجود مناطق أخرى تقع تحت الحكم الصريح للتمرد الحوثي.

وشدد على أهمية إدارة النقد الأجنبي في اليمن، وذلك لضمان عدم انفلات الأسعار عبر الاستفادة من الحوالات الواردة إلى اليمن، التي يبعثها المغتربون إلى ذويهم، داعيا إلى الاستفادة من النفط والغاز والمساعدات الواردة من المنظمات والدول في دعم سعر العملة المحلية .