«بلقيس الصغرى».. حكاية أول ملكة مسلمة تولت حكم البلاد 40 عام

أخبار محلية

اليمن العربي

«بلقيس الصغري» كان لقب أطلقه المؤرخون على أول سيدة مسلمة تتولى شئون الحكم وتتوج كملكة، نظرا لاشتراكها مع الملكة بلقيس في رجاحة العقل والذكاء، وهي أروى بنت أحمد الصليحي.

ولم يكن لقب بلقيس الصغرى الوحيد الذي أطلق عليها، حيث منحها الخليفة المستنصر بالله ألقاب متعددة منها، «السيدة الحرّة، وحيدة الزمن، سيدة ملوك اليمن، عمدة الإِسلام، ذخيرة الدين، عصمة المؤمنين، كهف المستجيبين، وليّة أمير المؤمنين، كافلة أوليائه الميامين».

زواجها من ملك اليمن
كانت أروى زوجة للمكرم أحمد بن علي الصليحي، ملك اليمن، أمها رداح بنت الفارع بن موسى الصليحي، وترعرعت في مدينة جبلة في رعاية أسماء بنت شهاب زوجة علي بن محمد الصليحي، مؤسس الدولة الصليحية، بعد وفاة والدها أحمد الصليحي.

وتزوجت السيدة الحرة من أحمد بن علي سنة 458هـ في فترة حكم أبيه، حيث تولى بن علي الحكم بعد وفاته عام 459هـ، لتنجب منه أربعة من الأولاد هم علي ومحمد وفاطمة وأم همدان.
تفويض زوجها للحكم
وتولت بلقيس الصغرى أمور الحكم، عقب تفويض زوجها لها، فكان أول ما قامت به، بعد أن غادرت صنعاء، أن اتخذت مقرها في قصر شيده زوجها في حصن بجبلة، ونقل إِليه ذخائره وقامت بتدبير المملكة خير قيام وبسطت سلطانها على القبائل اليمانية، فخضع الناس لها، وكانت الرسائل التي يبعث بها المستنصر بالله الفاطمي إِلى اليمن تصدر باسمها.

واختلف الصليحيون فيمن يتولى الحكم بعد وفاة زوجها المكرّم سنة 481هـ اختلف الصليحيون ، الذي أوصى أن تسند أمور الدعوة إِلى الأمير المنصور سبأ بن أحمد بن المظفر الصليحي الذي طمح إِلى الزواج منها، فلم ترض أروى بهذا الاختيار.

حكمها الرسمي بعد وفاة أبيها
واحتكم سبأ إِلى المستنصر بالله الفاطمي الذي أمر أروى أن تقبل بسبأ زوجاً، وإن ظل هذا الزواج صورياً، وظلّت أروى تمسك بمقاليد الحكم الفعلية، وتُرفع إِليها الرقاع، ويجتمع عندها الوزراء، ويدعى لها على منابر اليمن، فيخطب أولاً للخليفة الفاطمي ثم لسبأ ابن أحمد ثم للسيدة الحرّة أروى.

ولم تلبث أن استقلت بأمر الحكم بعد وفاة زوجها الثاني سبأ سنة 492هـ، واعتمدت في تدبير أمور الملك على عدد من الثقات، منهم: المفضّل بن أبي البركات، وزريع بن أبي الفضل، وعليّ بن إِبراهيم بن نجيب الدولة وغيرهم، وامتدت أيام حكمها بعد ذلك أربعين سنة، استطاعت في أثنائها أن تمارس سيادتها على الإِمارات اليمنية الصغيرة من دون إِخضاعها.

اتهامها بالتخريف واستحقاق الحجر عليها
وفي أواخر حكمها تمردت بعض الإمارات عليها، مما استدعى إرسال ابن نجيب الدولة موفداً من الخليفة الفاطمي، لإخضاع تلك الإمارات، بدأ 519هـ يسيء إِليها ويستخفّ بأمرها ويدّعي أنها قد خرفت واستحقت أن يحجر عليها، وحاول أن ينتزع الحكم منها، ولكنّ أمراء البلاد وشيوخها ساندوها واتهموا ابن نجيب الدولة بالتآمر على الخلافة الفاطمية، فأمر الخليفة بالقبض عليه وإِعادته إِلى مصر، ولكن السفينة التي كانت تقلّه غرقت في أثناء الرحلة.

تحول قبرها لمزار حتى اليوم
توفيت أروى عام 532 هـ، و دفنت في مسجد كانت بنته بذي جبلة، وقبرها ما يزال حتى اليوم مزاراً. وعلى إِثر وفاتها دبّ الضعف في جسد الدولة الصليحية وتفككت أوصالها وصار الأمر فيها إِلى الأمراء من آل زريع، وانتهى أمر الصليحين تماما بعد أن غزا توران شاه بن أيوب اليمن سنة 569هـ.

إنجازاتها
ومن أهم إنجازاتها خلال فترة حكمها :«بناء جامع صنعاء المشهور بالجامع الكبير، إيصال المياه من مدينة خنوه إلى مدينة الجند ، تبليط مدينة جبله بالأحجار والاسمنت، شق طريق سماره إلى السياني, وتعز , والعديد والمساجد، ومعاهد العلم والوقفيات الكبيرة، وأنفقت الكثير من الأموال في شق الجبال وإقامة الأعمدة وشق الطرق.

قالوا عنها
وقال عنها المؤرخ الحسن بن فيض الهمداني، : «الملكة أروى على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة إلى جانب ما تمتعت به من جمال الخلقة , فكانت بيضاء اللون مشربة، بحمرة ,كاملة المحاسن جهورية الصوت , قارئة , كاتبة , تحفظ الأخبار والأشعار والتواريخ وأيام العرب , ولها تعليقات وهوامش على الكتب تدل على غزارة مادتها».

وقال عنها الداعي إدريس قس، في كتاب عيون الأخبار، : «متبحرة في علم التنزيل والتأويل والحديث الثابت عن الأئمة والرسول عليهم السلام , وكان الدعاة يتعلمون منها من وراء الستر , ويأخذون عنها ويرجعون إليها، وكانت امرأة فاضلة ذات نسك وورع وفضل وكمال عقل وعبادة».