مندوب اليمن الدائم لدى الجامعة العربية يحذر من تغلغل إسرائيل في أفريقيا

أخبار محلية

 رياض العكبري
رياض العكبري

حذر المندوب الدائم لليمن لدى جامعة الدول العربية، رياض العكبري، من التغلغل الإسرائيلي في قارة أفريقيا.

 

جاء ذلك تعليقا على دعوة فلسطينية إلى اجتماع عاجل على مستوى المندوبين الدائمين في الجامعة لبحث التصدي للتغلغل الإسرائيلي في أفريقيا.

 

وتحدث مقال مندوب اليمن الدائم في الجامعة عن طرق مواجهة هذا التغلغل.

 

وفيما يلي نص المقال:

 

دعت دولة فلسطين إلى اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين لبحث "التصدي للتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا"، وسوف يناقش الاجتماع، الذي ينعقد الإثنين 12 يونيو الجاري، مشروع بيان مشفوع بمشروع خطة عمل للتحرك العربي المستقبلي في مواجهة تحديات هذا التغلغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية، وسبل وخطوات تنسيق المواقف العربية مع الدول الأفريقية، والمجتمع الدولي، لكبح جماح هذا التغلغل والتصدي له.

 

لربما يبدو الأمر لدى البعض بأنه لا يتوافق مع الأولويات الأكثر إلحاحا في الوضع العربي الراهن، كإيقاف الحروب المشتعلة والخلافات التي تعصف بأمة العرب، وأولويات إحلال السلام، واستعادة الدول العربية المنهارة، ومواجهة غول الإرهاب والتطرف، وسد منابعهما، وفضح وعزل مموليهما ورعاتهما، وبذل المساعي الحثيثة والمخلصة لبث الروح في التضامن العربي، وإثراء ثقافة وتقاليد الحوار والتوافق، وإصلاح ذات البين، ورتق وجبر الذي قد تمزّق من النسيج المجتمعي العربي، وجسر الذي قد تهشّم من أواصر وروابط القربى والأخوة العربية العربية.

 

لا جدال إطلاقا في أهمية وأولوية كل تلك الانشغالات الملحّة، إلا أن من بين مدلولات الأهمية القصوى لطرح مثل هذا التحدي مجددا على الأجندات العربية المشتركة؛ هو أن هذا التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا أضحى يستشري على نحو جارف، وفي مستوى يرقى إلى مصاف المهددات المباشرة الأكثر خطرا على الأمن القومي العربي، والمصالح العربية العليا، أن هذا الانتشار الإسرائيلي المشبوه يتم أمام ناظرينا وعلنا، اغتناما لهذه الظروف الراهنة المؤسفة التي ينشغل فيها العرب بحروبهم الداخلية العبثية، وسط تحديات تاريخية مصيرية غير مسبوقة، لعل أهمها تواصل مسلسل الانهيارات الكارثية للدولة الوطنية العربية، والذي طال حتى الآن، عددًا مهمًا من البلدان العربية، بينما مازالت تحلق بكثافة، على طول العالم العربي وعرضه، الغيوم القاتمة لكوابيس التبعية والتدخلات الخارجية الأقليمية والدولية المفضوحة، والإرهاب والتطرف والعنف، وتسيد الخرافة والجهل، وتقهقر حال النظام التربوي والتعليمي العربي، وسواها من مظاهر وأوبئة ومضاعفات المعضلة التاريخية الجوهرية والمركزية، والمتمثلة في تمكّن وهيمنة التخلف الفكري والثقافي والعلمي، وانكفاء وتقلص دور ومكانة وتأثير القوى الوطنية العربية المدنية، مفسحة الميدان لأكثر القوى الظلامية إجراما وقذارة وقبحا، بكل أشكالها وصورها وتجلياتها وارتباطاتها الخارجية، الظاهرة منها والمخفية.

 

لا شك في أن العلاقة تبادلية وتفاعلية وتكاملية بين ضرورات وإستراتيجيات وجهود إصلاح النظام العربي المهترئ، وإيقاف ولجم الانهيار العربي الراهن من جهة، وبين ضرورات وإستراتيجيات وجهود التصدي لكافة المهددات والأطماع الداهمة المهددة للأمن والمصير العربي القومي، من جهة أخرى؛ وفي ذات الآن معا.

 

ولست بحاجة هنا إلى تكرار استعراض الخلفيات التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية، ولا إلى الأهمية الإستراتيجية الحيوية للقارة الإفريقية بالنسبة لنا كعرب، ولا إلى سرد وتفصيل حجم وعواقب المخاطر والمهددات التي تنجم عن التغلغل الإسرائيلي في القارة الأفريقية، إذ أصبح من المعروف تنامي حجم العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، وأن هذه العلاقة تتم على حساب القضية الفلسطينية، القضية التي كانت، وينبغي أن تظل، القضية الأولى والمركزية للعرب، ذلك أن مقايضة مكانة وأولوية القضية الفاسطينية بانشغالاتنا الفرعية، بالرغم من أهميتها، لن يفضي بنا إلا إلى تفاقما منهكا لهذه الحالة من التيه والتشظي.

 

وعلى كل حال، فقد أضحى من الجلي أن مساعي إسرائيل لاختراق الأمم المتحدة وهيئاتها ومنظماتها، يتكامل مع مساعيها مد نفوذا في القارة الأفريقية، ذلك إن انتخاب مندوب دائم لإسرائيل لدى الأمم المتحدة فى 31 مايو 2017 كنائب لرئيس الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التى ستبدأ أعمالها فى سبتمبر 2017، (وذلك عن مجموعة دول غرب أوروبا والدول الأخرى)، يشكل استمرارا لتجاهل وتحدي الإرادة العربية، وهو الأمر الذي يوجب علينا أن نعيد البحث في فعالية سبل التصدي لهذه المحاولات الإسرائيلية لاختراق المحافل والمنظمات الإقليمية والدولية، والنظر إلى هذه الاختراقات بصفتها تحديات ومهددات خطيرة للأمن القومي العربي، إذ بات أمرا مكشوفا أن هذه المحاولات الإسرائيلية تتكامل مع الجهود والمخططات الإسرائيلية الحثيثة لمواصلة التغلغل في أفريقيا، إن عملا عربيا منسقا ومدروسا يستوعب ويتقن التعامل مع ميكانزمات العمل الدولي، والأساليب المؤثرة في تلك المحافل، سيؤدي بأصواتا عادلة عديدة في العالم إلى أن تتجاوب إيجابيا مع المسعى العربي الهادف إلى منع إسرائيل من تأمين أصوات الدول الإفريقية، بهدف الفوز بالعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن العام المقبل، وسعى إسرائيل في أن تحظى بدفعة سياسية قوية عند انعقاد القمة التي ستجمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدد من قادة الدول الأفريقية فى "لومى"، عاصمة جمهورية توجو، في أكتوبر 2017.

 

وبناء على ذلك، ومن أجل أن تكتسب مواجهة الوجود الإسرائيلي المتنامي في أفريقيا فعالية وجدية أكبر، يتوجب:

 

• تكثيف العمل بين جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي كافة، ومع الاتحاد الأفريقي تحديدا، لمجابهة مخططات إسرائيل في اختراق الأمم المتحدة والنفاذ إلى منظماتها المختلفة والعمل بما جاء في مشروع خطة العمل العربي المشترك المطروحة للنقاش أمام الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية الإثنين 12 يونيو 2017، لمجابهة وإفشال محاولات إسرائيل النفاذ إلى القارة الإفريقية، والانطلاق في ذلك من محورية الصراع العربي الإسرائيلي في شكل مسار العلاقات العربية الإفريقية، وإدراك حقيقة محفزات إسرائيل لاختراق أفريقيا، بصفتها ساحة من ساحات إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، واستغلال ثقل الصوت الأفريقي في الأمم المتحدة.

• وضع وتنفيذ الخطط والبرامج الكفيلة بأن تثمر الجهود لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدول العربية والدول الافريقية، وبين جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، والمنظمات والوكالات التابعة لهما، والقطاعات العامة والخاصة، في كافة المجالات، وبما يخدم تطوير وتفعيل "نوعية" الحضور العربي في القارة الإفريقية الصديقة، ثقافيا وتنمويا، على قاعدة من الاحترام المتبادل، والتشاركية والمنافع المتبادلة، وبالاستناد الى القيم والتقاليد والروابط التاريخية العميقة بين الفضائين الجارين العربي والأفريقي.

 

وكلمة لابد من قولها، من المهم إيلاء اهتماما أكبر مما هو عليه الوضع الراهن، بثقافة البحث العلمي كمصدر موثوق لامتلاك مقومات التفكير الإستراتيجي، وصياغة الرؤى والإستراتيجيات العربية الموحدة، خصوصا في التعامل مع قارة معقدة ومتغيرة كالقارة الأفريقية، مرت وتمر بتحولات هائلة داخلية وخارجية لا يمكن تجاهلها، أن من الضروري اعتماد البحث العلمي لدراسة القارة الأفريقية من كافة جوانبها وأبعادها، وفي كافة المجالات، وإنتاج الدراسات والأبحاث العلمية التي تصاغ في ضوئها خارطة طريق عربية مشتركة متجددة، تهدينا إلى أقصر الطرق لإنشاء القوة الناعمة العربية، الكفيلة بكسب عقول وأفئدة الشعوب الأفريقية، وإقناعها، بالحجة والمنطق وبالمثل الحي على الأرض، بجدوى ومنافع الشراكة والتعاون العربي الإفريقي، وبخطورة وقوعها في براثن الأوهام والخرافات الإسرائيلية، وعلى سبيل المثال، الاستناد إلى تقارير الأمم المتحدة التي تشير إلى تورط شركات إسرائيلية في التجارة غير المشروعة للألماس، وفي تجارة السلاح الغير مشروعة وعقد صفقات السلاج التي تؤجج الحروب الأهلية في الدول الأفريقية الغنية بالألماس، وغير تلك من الوفائع الدامغة الدالة على حقيقة نوايا الهيمنة الإسرائيلية.

 

وفي هذا الصدد، وتماشيا مع جهود إصلاح منظومة العمل العربي المشترك وإعادة هيكلته، وإصلاح وتطوير عمل جامعة الدول العربية، فإن الدول العربية مطالبة بردم الهوة المخيفة في موارد تمويل البحث العملي، وأهمية رصد الأموال بسخاء لهذا المجال، والإنفاق بدون تردد على كل ما من شأنه إسناد الوجود العربي الحقيقي في القارة الأفريقية، ومن هنا تنشأ الحاجة الملحة إلى تبني جامعة الدول العربية لمشروع إنشاء مركز فعال لدراسات للشؤون الأفريقية، يتكامل في عمله مع المراكز والمؤسسات البحثية والأكاديمية في الأقطار العربية، والدعوة لعقد مؤتمرات علمية منتظمة ومكثفة، يشترك فيها ليس فقط الساسة، ولكن كذلك العلماء والباحثون المختصون، ورجال الفكر والاقتصاديون وعلماء الدين والعسكريون، وغيرهم من فادة الرأي العام العربي، لصياغة الرؤى الإستراتيجية، ورسم خارطة الطريق العربية المنسقة والمشتركة، لإفشال مخططات إسرائيل وصد محاولاتها لاختراق القارة الأفريقية، ووضع تلك الدراسات والخطط أمام صناع القرار العربي، وأمام جامعة الدول العربية.

 

غني عن القول، إن استمرار عدم قدرة العرب على تطوير وتنفيذ إستراتيجيات وخطط عمل فعالة تجاه القارة الأفريقية، من شأنه أن يتيح المجال لإسرائيل بأن تغتنم الأوضاع العربية الراهنة، وأن تضاعف من كونها مصدر تهديد مستمر، ليس فقط للأمن القومي العربي، بل ولمصائر العرب ومستقبل وجودهم، دون أدنى مبالغة.