يمنيون اغتالتهم نار الوحدة (تقرير)

أخبار محلية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

منذ سنوات طويلة كان الجنوب يعاني من الحرمان في كافة نواحي الحياة ولقد غرز نظام صالح وروج لفكرة مفادها ان الجنوبيين ليسوا مؤهليين للتجنيد، حتى حدث ماحدث من الاحداث التي تعاقبت وشهدتها البلاد.

 

ثم بدأت أزمة خطيرة لحقوق الإنسان تتكشف في جنوب اليمن، مع رد قوات الأمن الحكومية على دعوات الانفصال بحملة قمعية عنيفة استهدفت ما يُدعى بالحراك الجنوبي.

 

فمنذ عام 2007 نظم مواطنون من جنوب اليمن اعتصامات ومسيرات ومظاهرات احتجاجاً على ما يسمونه بمعاملتهم من قبل الحكومة المركزية التي يسيطر عليها الشمال، بما في ذلك فصل الجنوبيين من العمل المدني والأمني.

 

وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات، وبحلول عام 2008 راح الكثير من أبناء جنوب اليمن يطالبون بالانفصال واستعادة استقلال دولة اليمن الجنوبي، القائمة حتى قيام الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عام 1990.

 

وقد لجأت قوات الأمن، والأمن المركزي - على الأخص - إلى ارتكاب انتهاكات موسعة لحقت بالجنوب، منها القتل غير القانوني والاحتجاز التعسفي والضرب وقمع حريات التجمع والتعبير واعتقال الصحفيين وآخرين.

 

هذه الانتهاكات أدت لخلق أجواء من الخوف، لكنها أيضاً زادت من ضيق الجنوبيين وإحساسهم بالغربة، ويقولون إن الشمال يستغلهم اقتصادياً ويهمشهم سياسياً.

 

وقد أفلتت قوات الأمن من العقاب جراء الهجمات غير القانونية ضد الجنوبيين، مما زاد من المشاعر الانفصالية في الجنوب وألقى بالبلاد في دوامة من القمع والاحتجاجات، أدت بدورها إلى المزيد من القمع.

 

وفيما تزعم الحكومة علانية أنها مستعدة للاستماع إلى مظالم الجنوب، فإن قواتها الأمنية ردت على الاحتجاجات باستخدام القوة المميتة بحق متظاهرين مسالمين في أغلب الحالات، دونما أسباب ظاهرة أو تحذيرات مسبقة، في خرق للمعايير الدولية لاستخدام القوة المميتة، وكثيراً ما لجأ المتظاهرون إلى العنف، فأحرقوا السيارات وألقوا الحجارة، وكان هذا عادة رداً على عنف الشرطة.

 

وفي الاحتجاجات الستة التي حققت فيها ”هيومن رايتس ووتش“ بعمق، انتهكت قوات الأمن اليمنية جميع هذه المعايير تقريباً.

 

فأثناء احتجاج نُظم في الحبيلين في 15 أبريل/نيسان، أطلقت قوات مكافحة الشغب (الأمن المركزي) الأسلحة الأوتوماتيكية على المتظاهرين مباشرة، مما ألحق الإصابة برجل في قدمه،  وأثناء احتجاج في 21 مايو/أيار في عدن، فتحت قوات الأمن في أماكن متفرقة النار دونما تحذير أو استفزاز من المتظاهرين، مما ألحق الإصابات بـ 23 متظاهراً، منهم 'نصر حاموزايبة' ضابط الجيش السابق والناشط بالحراك الجنوبي، ورد المتظاهرون برمي الشرطة بالحجارة، فردت الأخيرة بالمزيد من القوة المميتة.

 

وفي 30 مايو/أيار خرج المتظاهرون في مسيرة في الشحر، مطالبين بالإفراج عن نحو 75 شخصاً تم احتجازهم أثناء احتجاج سابق، وعندما بلغ المتظاهرون قيد أمتار قليلة من شرطة مكافحة الشغب التي كانت تسد الطريق، فأطلقت الشرطة الرصاص في البداية في الهواء، ثم على المتظاهرين، مما أودى بحياة 'عواض برام'، ولم تفتح الحكومة أية تحقيقات في إطلاق النار الذي أسفر عن الوفيات.

 

وزادت قوات الأمن من صعوبة الأمر على الجرحى في الحصول على الرعاية الطبية، بعدما أمرت المستشفيات العامة بعدم قبول الجرحى في الاحتجاجات، ووزعت ضباط شرطة من الأمن السياسي ومن هيئات أمنية أخرى بالمستشفيات، بل وأغارت على المستشفيات وقبضت على المرضى المصابين من أسرّتهم.

 

كما وقع حادثان على الأقل ضمن المصادمات بين جماعات مسلحة وقوات الأمن، وإثرها اتهمت السلطات اليمنية الحراك الجنوبي بأن له جناح مسلح.

 

ومنذ اشتعال الاحتجاجات في عام 2007، احتجزت قوات الأمن تعسفاً الآلاف من المشاركين والمارة الذين كانوا يشاهدون الاحتفاليات، ومنهم أطفال. 

 

وفي عام 2009 استمرت السلطات في الاعتماد على اتهامات سياسية الدوافع ضد قيادات الحراك الجنوبي، ففي أبريل/نيسان اعتقلت السلطات قاسم عسكر جبران، السفير السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى موريتانيا، واتهمته بـ "تهديد الوحدة والتحريض على قتال السلطات". ونُقل جبران إلى سجن الأمن السياسي في صنعاء وأحيل للمحاكمة بناء على أدلة قوامها "خُطب ووثائق ومنشور بعنوان "مشروع لرؤية خاصة بحراك الكفاح السلمي لقضية الجنوب ومستقبل شعب جنوب اليمن" ووثيقة تفيد بالانتماء إلى "المجلس الوطني الأعلى لتحرير واستعادة دولة جنوب اليمن".

 

كما شنت السلطات هجمة قوية على الإعلام المستقل، فأوقفت بعض المطبوعات عن النشر وحجبت مواقع إلكترونية واعتقلت صحفيين بل وأطلقت النار على مقر أكبر صحيفة مستقلة.

 

وفي 4 مايو/أيار 2009 أوقفت وزارة الإعلام نشر ثماني صحف يومية وأسبوعية مستقلة، جراء تغطيتها لأحداث الجنوب، وهي صحف الأيام والمصدر والوطني والديار والمستقلة والنداء والشارع والأهالي.

 

وفي مايو/أيار أيضاً، شكلت الحكومة محكمة جديدة لمحاكمة الصحفيين. وفي 1 و2 مايو/أيار صادر مسؤولون أمنيون نسخ صحيفة الأيام، أقدم وأكثر صحف اليمن المستقلة انتشاراً.

 

وفي 4 مايو/أيار فتح مسلحون مجهولون النار على مقر الصحيفة فتوقفت عن النشر. وفي 12 مايو/أيار حاصرت قوات الأمن المقر واشتبكت في تبادل لإطلاق النار استمر لمدة ساعة مع حراس الصحيفة، مما أودى بحياة أحد المارة وإلحاق إصابات خطيرة بآخر.

 

ورغم جملة من الإجراءات القمعية وتطبيقها على نطاق واسع، فإن دعوات الجنوبيين بإعادتهم إلى أجهزة الجيش والخدمة المدنية، وزيادة مبالغ معاش التقاعد ووضع حد للفساد، والحصول على نصيب أكثر عدلاً من ثروات اليمن – لا سيما أرباح النفط – ما زالت مستمرة بلا هوادة.

 

ورغم أنها سلمية في الأغلب حتى الآن، فإن زيادة الإحساس بالقمع في الجنوب والشعور بخيانة الجنوبيين في الشمال، تؤدي لحدة التوترات التي قد تأخذ صيغة مواجهة عنيفة بين الطرفين.