تصعيد جديد بين إيران وباكستان إلي أين يتجه؟

عرب وعالم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قاد التصعيد الجديد بين الجارتين إيران وباكستان، طهران إلى تجاوز الأعراف الدولية والقونين المتبعة باحترام سيادة الدول، خصوصاً مع تهديد رئيس الأركان الإيراني، اللواء محمد باقري، الاثنين 8 مايو 2017، بضرب قواعد عسكرية داخل باكستان؛ إثر مقتل 10 من حرس الحدود الإيراني في أبريل  الماضي.

ورداً على هذه التهديدات، استدعت السلطات الباكستانية، الثلاثاء 9 مايو/أيار 2017، مهدي هنر دوست، السفير الإيراني في إسلام آباد، وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة.

التهديد الإيراني لباكستان لم يكن الأول، فقد سبق لطهران أن هددت بإرسال قوات إلى داخل باكستان؛ لاستعادة جنود من حرس الحدود اختطفهم "جيش العدل" المناوئ لها صيف العام الماضي، قبل أن تتراجع عن تهديدها بعد تحذير إسلام آباد لها من عواقب هذه الخطوة.

وتمر العلاقات الباكستانية - الإيرانية بأسوأ أيامها منذ عقود؛ بفعل التطورات الأخيرة في منطقة آسيا الوسطى، ومن أبرزها الاتفاقية الثلاثية بين الهند وإيران وأفغانستان في 19 من يونيو/حزيران 2016، والقاضية بتشغيل ميناء تشاربهار الإيراني بشكل مشترك، والذي يربط أفغانستان بالبحر، ويربط الهند وإيران بدول آسيا الوسطى من خلالها.

وترفض إسلام آباد هذه الاتفاقية بشدة؛ خشية أن تؤثر على عمل ميناء "غوادر" -رئة باكستان البحرية- فضلاً عن تعميق أفغانستان علاقاتها بالهند وإيران، اللتين سترتبطان من خلالها بدول آسيا الوسطى، ومن ثم قد يتسبب ذلك في تقوقع إسلام آباد.

- تبرير التدخل

الحجج الإيرانية لتبرير تدخلها بالأراضي الباكستانية تتغير بتغيُّر الحدث؛ ففي 28 أبريل/نيسان الماضي، استدعت الخارجية الإيرانية السفير الباكستاني لديها على خلفية هجوم مسلحين على دورية لحرس الحدود الإيراني، مطالبةً بإجراءات باكستانية واعتقال الجناة وتقديمهم للمحاكمة.

ولمزيد من الضغوط السياسية، يبث الإعلام الإيراني الرسمي "دعاية سياسية" تؤكد أنه "لا مفرَّ من التدخل العسكري لحماية الحدود"، في ظل عجز الجانب الباكستاني عن ضبط حدوده.

ويأتي ذلك في وقت تشنُّ المجموعات البلوشية المعارِضة لنظام طهران بين الفينة والأخرى، عمليات مسلحة ضد قواعد الجيش الإيراني، وقوات الحرس الثوري، وهو ما سبّب تخوفاً من أن تصل هذه العمليات إلى العمق الإيراني.

الباحث والمحلل السياسي الباكستاني عمر كريم، رأى أن التطورات الأخيرة تشكل حلقة مثيرة للاهتمام، في العلاقة بين باكستان وإيران.

وأضاف في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "إن أنشطة جماعة جيش العدل السُّنية المتمردة في إقليم بلوشستان وسيستان بإيران، لطالما أثرت سلباً على العلاقة بين إيران وباكستان"، لكنه وصف التصريح الذي أدلى به رئيس الأركان الإيراني بـأنه "أمرٌ غير عادي"، مبيناً أنه "يأتي في وقت تشهد فيه باكستان اشتباكات حدودية مع الجيش الأفغاني، فضلاً عن إطلاق النار عبر الحدود مع الهند".

ولفت كريم إلى أن "المؤسسة الأمنية الباكستانية تعتقد أن الهند وأفغانستان وإيران تشكل تحالفاً ضد باكستان؛ لذلك طلب وزير الخارجية الباكستاني من الإيرانيين أن يقدّموا أي دليل لديهم، كما استدعت الخارجية السفير الإيراني وسلمته مذكرة احتجاج على تصريح رئيس الأركان الإيراني".

وتشهد محافظة سيستان وبلوشستان اشتباكات، من وقت لآخر، بين قوات الأمن الإيرانية وتنظيم "جيش العدل" الذي نشط منذ 2003 لحماية حقوق السُّنة في إيران، ومن ثم تتهمه طهران بتلقي دعمٍ من أجهزة استخباراتية أجنبية، وتتهم باكستان بعدم ضبط حدودها أمام تحركاته.

وفي عام 2014، أبرمت طهران "اتفاقية أمنية" مع باكستان، تنص على حقها في التوغل داخل الأراضي الباكستانية، بدعوى ملاحقة المجموعات البلوشية المناوئة لها.

- رمانة الميزان

ورغم التصعيد المتبادل، فإن الطرفين يحرصان على عدم الخروج عن نطاق السيطرة، وهو ما يبدو في التصريحات الرسمية؛ السياسية منها والعسكرية.

ومن الأسباب التي تحرص باكستان لأجلها على عدم التصعيد، أن 20% من الشعب الباكستاني هم من "الشيعة"؛ ما يجعلها الدولة الثانية عالمياً التي تحتضن أكبر عدد منهم بعد إيران، ومن ثم فإن تحركاتها مع العالم الإسلامي السُّني تكون محسوبة.

وقد بدا ذلك في تعاملها مع التحالف العربي في اليمن، وفي الأزمة السعودية-الإيرانية، حيث كانت "رمانة الميزان" بين الطرفين، إلا أنها لوَّحت لإيران بتدخلها لحماية الأراضي السعودية إذا ظنت إيران أنه يمكنها الاعتداء على بلد الحرمين الشريفين.

لكن مؤخراً، عززت إسلام آباد موقعها في التحالف الإسلامي، حيث يقود قائد الجيش الباكستاني السابق، الجنرال المتقاعد رحيل شريف، التحالف الذي أنشأته السعودية في عام 2015.

وفي أبريل/نيسان الماضي، أعرب مهدي هنر دوست، السفير الإيراني في إسلام آباد، عن تحفّظ بلاده على أنباء اختيار الجنرال الباكستاني المتقاعد رحيل شريف، قائداً للتحالف الإسلامي الذي أسسته السعودية وتشارك فيه باكستان، وفق ما نقلته وكالة "إيرنا" الإيرانية الرسمية حينها، مشيراً إلى أن "لدى بلاده ملاحظات حول موافقة باكستان على تعيين شريف في هذا المنصب".

وفي هذا السياق، يرى المحلل عمر كريم أن إيران لطالما أعربت عن قلقها إزاء انضمام باكستان إلى التحالف الإسلامي الذى تقوده السعودية، لافتاً إلى أنها تشعر بـ"قلق خاص" إزاء أنباء تولي قائد الجيش الباكستاني السابق قيادة التحالف.

وأشار إلى أنه من المثير للاهتمام أيضاً، أن تصريحات رئيس الأركان الإيراني، محمد باقري، "جاءت في اليوم نفسه الذي أطلق فيه تهديده إلى المملكة العربية السعودية".

وتعتبر باكستان القوة النووية الوحيدة الرسمية في العالم الإسلامي السني، وصاحبة سادس أكبر جيش بالعالم؛ ما يعد مكسباً لأي تحالف عسكري.

- حسابات داخلية

ولم يستبعد كريم في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن تكون تصريحات باقري المستفزة ضد باكستان، تهدف إلى إحراج حكومة الرئيس حسن روحاني، وكجزء من الحرب الكلامية بين روحاني والمؤسسة العسكرية، فمؤخراً تصاعدت حدة الانتقادات بين الطرفين حتى وصلت إلى العلن.

ففي 19 أبريل/نيسان الماضي، جدد روحاني، خلال خطابه بمناسبة اليوم الوطني للجيش، مطالبة القوات المسلحة بالابتعاد عما سماه "الألاعيب السياسية"، لافتاً إلى أن تدخلها فيما وصفه بـ"الهواجس الاقتصادية" يبعدها عن أهدافها الأساسية.

وكان قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، انتقد في مارس/آذار الماضي، تصريحات سابقة لروحاني اعتبر فيها أن "الاتفاق النووي من أهم إنجازات البلاد"، فردّ جعفري بأن "الاتفاق لم يكن في أي لحظةٍ، معاهدة تبعث على الفخر، لكن الفخر يجب أن يكون بالقدرة على تغيير استراتيجية أعداء إيران تجاهها".

وأعرب جعفري عن جهوزية الحرس الثوري لمساعدة حكومة روحاني في تطبيق ما سماه "الاقتصاد المقاوم"، في إشارة إلى دور الحرس في اقتصاد البلاد.

وفي هذا السياق، أشار عمر كريم لـ"الخليج أونلاين" إلى أنه "علينا أيضاً أن نضع في اعتبارنا أن الانتخابات بإيران ستجري قريباً، وهناك بقعة خلافات واسعة بين روحاني والجيش الإيراني".

وأوضح أن "زيارة وزير الخارجية جواد ظريف الأخيرة، قبل أسبوع، لباكستان، كان من المفترض أن تذلل العقبات أمام حل المشاكل بين البلدين، لكن يبدو ومن خلال تصريحات باقري أن هناك محاولة لتقويض جهوده، وهذا يأتي كجزء من الحرب الكلامية بين روحاني والجيش".

وحول مستقبل العلاقات بين البلدين، استبعد كريم ارتفاع حدة التوترات بين البلدين، لكنه لفت إلى أن "مستوى عدم الثقة بين باكستان وإيران سيبقى مستمراً".