العلاقات القطرية الإيرانية.. هل تكون على حساب السعودية؟

تقارير وتحقيقات

اليمن العربي

على مدى نحو ثلاثة عقود هي عمر جمهورية إيران، لم تصل العلاقات الإيرانية القطرية إلى حد الخصام ولم تعرف الطرق المسدودة كما حدث مع بعض الدول الخليجية الأخرى, ولم يتسرب الوهن الشديد إليها وإن كانت لم تتسم بالحرارة في بعض الفترات بفعل الانحياز الخليجي للعراق في حربه مع إيران.

حيث انتهجت قطر خطا متوازنا في علاقاتها مع الجمهورية الإيرانية بقيادة آية الله روح الله الموسوي الخميني وحتى اليوم, فقد ظلت الدوحة العاصمة الخليجية الأكثر قربا مع طهران بل حققت قطر توازنا بين علاقاتها مع إيران ومستلزمات العضوية في إطار منظومة مجلس التعاون الخليجي.

 

حرارة في العلاقات

إذا كانت حرارة العلاقات لم تبد واضحة في بعدها الرسمي فإنها احتفظت بدرجتها العالية في بعدها الشعبي حيث لم ينقطع التواصل بين الشعبين وظلت الجالية الإيرانية في الدوحة ومازالت تحظى بالمعاملة الحسنة وتفتح لها أبواب العيش والاستقرار.

كما أن السياسة الداخلية إزاء شيعة قطر لم تتأثر بأية تطورات سلبية منذ الثورة الإيرانية وحتى اليوم, حيث يمارس الشيعة شعائرهم الدينية بكل حرية ويتمتعون بحقوق المواطنة دون أي تمييز باعتبارهم مواطنين شركاء في هذا البلد, بل إن هذا التقسيم المذهبي لا يكاد يكون له أثر في أرض الواقع.

ويحكم العلاقات القطرية-الإيرانية نموذج خاص في العلاقات الدولية، فإيران الدولة القوية إقليمياً تسعى لأن تكون الدولة المركزية في منطقة الخليج العربي، أما قطر الدولة الصغيرة بمقاييس الجغرافيا السياسية تسعى ليكون لها نفوذ وتأثير في مجريات الأحداث في المنطقة، إلا أن توجهات البلدين لم تتسبب في تعارض مصالحهما، ليكون نموذج التكامل هو الناظم للعلاقة، وليس الصراع والتنافس، الذي يظهر في علاقة إيران بالدول الإقليمية المركزية مثل السعودية ومصر، ومما يستدعي سلوك نموذج التكامل في العلاقات القطرية-الإيرانية هو عدم التناسب في مقومات القوة الصلبة لكل من البلدين.

وهذا الوضع من عدم التناسب في القوة أعطى الخصوصية للعلاقات؛ بسبب الحاجة المتبادلة لكل بلد للآخر، فإيران الدولة القوية إقليمياً صاحبة التفوق العسكري تحتاج لقطر ذات الاقتصاد القوي والتأثير الإقليمي والنفوذ الدولي، ولذلك التقت العلاقات عند دائرة مشتركة من المصالح فيما بينهما، فانفردت قطر عن غيرها من دول الخليج بعلاقات وطيدة متميزة مع إيران، ومما ساعد في ذلك أن قطر لا تعاني من المشكلة التي تؤرق البحرين والكويت، وهي ارتفاع نسبة المكون الشيعي في كلا البلدين، مما يجعل هواجس ومخاوف قطر أقل باتجاه تمتين العلاقة مع إيران.

 

مشروع نهر كارون الإيراني إلى قطر


تعود قصة تحويل المياه من منطقة الأحواز إلى الداخل الإيراني منذ العام 91، وتحديدًا بعد حرب الخليج الثانية، حينما بدا في الأفق اتفاق قطري إيراني يقضي بأن تمد الدولة الفارسية الدوحة بالمياه العذبة عبر خط أنابيب، تبدأ من نهر الكارون جنوب غربي طهران، وتمتد بمحاذاة الساحل الإيراني، مرورًا تحت مياه الخليج حتى قطر بهدف مساعدتها في حل مشكلة المياه بها، بعد أن أصبح بناء محطات التحلية عبئًا كبيرًا على كل دول الخليج بسبب الارتفاع المستمر لتكاليف البناء وقتها.

وفي نهايات العام 97 وبعد مجموعة من الزيارات المتبادلة من الجانبين بدا أن المشروع قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، خصوصًا بعد نجاح طهران في مد أنابيب فولاذية وخرسانية تحت الأرض لمسافة 180 كيلومترًا، لاستغلال المياه المتسربة من المناطق الواقعة جنوب غرب البلاد، لنقلها إلى الدوحة بدلاً من ذهابها نحو مياه الخليج العربي، لكنها لم تكن بالطول الكافي لنقل المياه، وتوقف المشروع حينها عند هذا الحد، لعدم قدرتها على نقل الكميات المتفق عليها، والتي تبلغ من 10 إلى 20 مليون مترمكعب سنويًا، بالإضافة للتكلفة الكبيرة التي بلغت وقتها 13 مليار دولار.

خلال العام 2015 وبعد توقيع إيران اتفاقها النووي مع الدول الغربية، واتساع آفاق علاقاتها السياسية بدول الجوار - باستثناء دول الخليج -، عاد المشروع للواجهة مجددًا، لكن الشح المائي الذي عانته طهران مع انخفاض سقوط الأمطار في بعض المناطق، دفع بالجهات الحكومية في البلاد للمطالبة بترشيد استهلاك المياه، وعدم الإسراف فيها، فوجهت طهران رسالة إلى أمير قطر مفادها العدول عن الاتفاقية الموقعة بين الجانبين؛ لأن بلادهم في حاجة لتلك المياه أكثر من أي وقت مضى، لتبدأ الدولة الفارسية في مشروع تحويل المياه من منطقة الأحواز للداخل الإيراني، للاستفادة منها عبر مشروع تشرف عليه مؤسسة "خاتم الأنبياء" التابعة للحرس الثوري.

 

العلاقات الاقتصادية

تتسم العلاقات الإيرانية القطرية، في الوقت الراهن، بـ "المنافسة، والواقعية، والمنفعة المتبادلة"، وذلك في ظل العلاقات الاقتصادية القائمة بينهما، كونهما يشتركان بتطويرأكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، وهو "حقل الشمال"، الذي يتواجد على عمق 3 آلاف متر تحت قاع الخليج العربي، وهو أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، حيث يحتوي على أكثر من 51 تريليون متر مكعب من الغاز، بالإضافة إلى 50 مليار متر مكعب من المكثفات السائلة، ويوجد ثلث احتياطات الحقل من الغاز في المياه الإيرانية، بينما يوجد الثلثان في المياه القطرية.

قال هذا ريناد منصور، المحلل السياسي الإيراني من مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي في تصريح أدلى به للأناضول، مشيرًا أنه "من الممكن لإيران أن تنافس قطر في مجال الغاز الطبيعي على المدى البعيد، فيما تكمن المنافسة الحقيقية بينهما على الأيديولوجيات السياسية، والدينية في المنطقة".

وأضاف منصور أنه "من المعروف عن قطر، أنها تحافظ على خط رفيع يوازن بين موقفها الداعم للخليج، الهادف لدحض مخطط الهلال الشيعي(مصطلح سياسي، يعرب عن مخاوف امتداد النفوذ الإيراني إلى بغداد، ومنها إلى دمشق، وصولًا إلى بيروت)، ومصالحها الاقتصادية".

وطرح منصور نقطتين هامتين، من الممكن أن تسببتا بتصاعد التوتر في العلاقات المستقبلية المشتركة بين البلدين، وهما "منافسة إيران للغاز القطري على المدى البعيد، كونها دولة مصدرة ناشئة من جهة، وقضية الحرب السورية، التي تتناقض بخصوصها المواقف الإيرانية والقطرية إلى حد كبير، من جهة أخرى".

ومضى بالقول إن "مواقف الطرفين، تتسم بالواقعية، فيما ترتبط باعتبارات اقتصادية، ذات منفعة مشتركة بينهما".

ويرى منصور أنه "من الصعب أن تتخذ قطر، موقفا سياسيا صارما، ضد إيران، في المستقبل القريب، وذلك كون الثورات الشيعية الداخلية، لا تشكل لها مصدر قلق حقيقي، كما هو الأمر في كل من السعودية والبحرين".

ولفت أن "تصاعد التوتر بين الطرفين، يرتبط بشكل وثيق بالمنافسة المحتملة، في حال ازدادت هيمنة إيران الاقتصادية، مشكلةً تهديدًا للاقتصاد القطري".

وذكر تقرير صادر عن "معهد استراتيجية قزوين" في تركيا، أن إنتاج الغاز الطبيعي الإيراني يتماشى مع استهلاك البلاد المرتفع، وبالتالي فإنها لا تنتج كميات كافية للتصدير".

وتعتبر قطر نفسها، من كبرى الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، ويعود ذلك لموقعها الاستراتيجي بين حوض المحيط الأطلسي، والمحيط الهادئ.

من جانبه، قال جيم كرين، محلل الطاقة من معهد بيكر، التابع لجامعة رايس، في هيوستن، إن "إيران وقطر يحرصان على إخماد أي خلافات بينهما، كونهما يشتركان بتطوير أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم".

وأضاف "كرين" أن "إيران لا تمثل سوى منافس في تصدير الغاز الطبيعي، لقطر، على المدى البعيد، حيث أنها حاليًا لا تعتبر بلدًا مصدرًا"، مشيرًا أنها "قد تتمكن مستقبلًا من زيادة صادراتها لتمد البلدان المجاورة بالغاز، من بينها الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وباكستان، والكويت، وعلى المدى البعيد قد تمثل الهند، سوقًا للغاز الإيراني".

 

اختلافات الرؤى

برغم تطور العلاقات القطرية-الإيرانية وتماسكها، إلا أنه ظهرت بعض التناقضات المفصلية بين سياسة كل من البلدين، بسبب اختلاف المصالح والرؤى والتوجهات، في أواخر عام 2010 مع بداية الحراك الشعبي العربي، أو ما يتعارف على تسميته بـ (الربيع العربي) ومن أوضح معالم هذا الاختلاف هو تناقض المواقف تجاه الحراك الشعبي في البحرين وسوريا.

فقطر تعتقد أن ما جرى في البحرين ليس ثورة شعب لنيل الحريات العامة، وإنما هو مشروع سياسي مذهبي مدعوم من إيران لإقامة نظام يتبع لها، أي أن قطر تعتبره تدخل خارجي في شؤون إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، بما يجعل الحالة البحرينية مختلفة عن الحالة في بلاد (الربيع العربي)، مما دعا قطر للمشاركة في حفظ الأمن، والسعي لعودة الهدوء من خلال المشاركة العسكرية في قوات درع الجزيرة التي أرسلت للبحرين.

أما بالنسبة لموقف قطر من الثورة السورية ونظام الحكم، فهو مناصرة ثورة الشعب السوري ضد النظام -المدعوم من إيران-، ويرجع ذلك لتخوف قطر ودول الخليج العربي من محاولات الهيمنة الإيرانية، وإقامة هلال شيعي بري، خصوصاً بعد انكشاف دور إيران في البحرين.

غير أن التغييرات السياسية التي حصلت عام 2013 في كلا البلدين، باستلام ولي عهد قطر الشيخ تميم سدة الحكم خلفاً لوالده، وتنصيب حسن روحاني رئيساً لإيران مع إعادة هيكلة جزئية للسياسة الخارجية الإيرانية وخاصة في ملفاتها الشائكة مع الغرب، أدى إلى إصلاح تدريجي للعلاقات بين الدولتين على طريق استعادة عمق العلاقات كما في السابق

 

أهداف إيران من العلاقة

مما لا شك فيه أن قطر تعتبر الدولة العربية الأقرب لإيران، وهو ما يطرح تساؤلا بخصوص استغلال طهران لهذه العلاقة، حيث لن تجد طهران خير من قطر، التي كانت العاصمة الخليجية الأولى التي خرجت عن حالة المقاطعة مع إيران وذهبت إلى أكثر من ذلك عندما نادت أن تشترك إيران في مهمات حفظ الأمن في المنطقة باعتبارها من أكبر دول المنطقة وأقواها، فضلا عن امتيازات الدوحة العديدة، إذ أنها عضو في الجامعة العربية، وعضو في مجلس التعاون الخليجي، ما يعني إمكانية استغلالها من قبل إيران في تسويق الاتفاق النووي للدول الخليجية من خلال مجلس التعاون، وللدول العربية من خلال الجامعة العربية.

 

الاتفاق النووي

اتخذت قطر موقفاً مستقلاً عن دول الخليج إزاء البرنامج النووي الإيراني، الذي يرى فيه البعض الخطر الاستراتيجي المهدد للأمن القومي العربي، حيث دعمت الاتفاق الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة (5+1).

كما أنها كانت من أول الدول التي شجعت جميع الأطراف باستمرار على الوصول إلى حل سلمي بالحوار للقضية النووية الإيرانية، وتدخلت لإجراء مباحثات مباشرة في هذا الصدد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، مما أدى لتقريب وجهات النظر بين الإيرانيين والأمريكيين، ثم تنبهت إلى أن الحوار الإيراني-الأمريكي من المتوقع أن يتطور ليصل إلى صفقة شاملة تعترف فيها واشنطن بالدور الإيراني في المنطقة، الأمر الذي قد يفرض توازنات جديدة في الإقليم.

 

هل تكون العلاقات القطرية الإيرانية على حساب السعودية والخليج؟

قال مراقبون في تصريحات خاصة لـ"اليمن العربي"، لا يمكن للعلاقات القطرية الايرانية أن تكون علي حساب السعودية والخليج وأن كانت قطر تحاول خلال الفترات الماضية أن تستقل بمواقفها وأن تسجل حضور دولي، مشيرين أنه من الناحية المذهبية فان قطر تتبع المذهب السني ومتاقلمة و مؤيدة للفكر الوهابي وهي تذهب في مواقفها مع ايران بالتنسيق مع السعودية.

وأضاف المراقبون، هناك مصالح سياسية وإقتصادية تحكم الجارتين، أهمها علاقة قطر وايران بحركة حماس فكلتا الدولتين داعمتين لحماس ومدافعتين عنها، ولعل التدخل القطري بعد الإهمال الخليجي الذي وصل إلي العداء مع حماس فرضة الواقع حتي لا تسقط أكبر حركة مقاومة فعالة في قضية العرب بيد إيران.

وعن مبادرة الوساطة القطرية بين الخليج وإيران، قال المراقبون إن الأزمة الخليجية الإيرانية محكومة بعوامل دولية وأطماع وتوجهات تغذي هذه الصراعات في منطقة الخليج، وبالتالي نجاح الوساطات ضعيف ومحكومة بالتوجه الدولي الذي يمكن أن يسمح في حل الأزمة أو عدم حلها مضيفين، قطر لا تمتلك المؤهلات الكافية للقيام بدور الوسيط فلا وجودها الجغرافي ولا حجمها السياسي ولا تشابك مصالحها مع الاطراف يمكنها ان تقوم بهذا الدور، موضحين أن فكرها و

أيدلوجيتها يجعل الطرف الايراني ينظر اليها دوما نظرة الشك والريبة واعتبارها طرف مساند ومؤيد للأطراف الأخري ولن يتعدي دورها عن ناقل لرسالة أو وجهه نظر للسعودية أو باقي الخليج لإيران في حالة انقطاع طرق التواصل.