«عمان».. لماذا امتنعت ثم انضمت إلى التحالف بقيادة السعودية؟

تقارير وتحقيقات

السلطان قابوس والرئيس
السلطان قابوس والرئيس الإيراني

قررت سلطنة عمان في ديسمبر 2016 الانضمام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، بقيادة السعودية الذى أعلن عن إنشائه نهاية العام 2015، وضم أكثر من 40 دولة، بعدما امتنعت في البداية وقررت عدم المشاركة، واعتبر مراقبون هذه الخطوة العمانية تشكل تغيرا في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، حيث عرف عنها تقاربها مع إيران.

وهذا يطرح عدة تساؤلات أهمها، لماذا امتنعت السلطنة في البداية ثم أنضمت بعد ذلك؟ هل تبين لها عدم جدية أو فائدة التعاون مع الإيرانيين؟ هل بسبب ضغط من دول مجلس التعاون؟ هل كان لإيران يد في تغير قرار السلطنة؟

يقول الدكتور عبدالرحمن الراشد، في مقال له بصحيفة "العربية" السعودية، للذين لا يفهمونها، عُمان دولة غامضة، مع أنه يمكن تبسيط أسس سياسة السلطنة الخارجية، على الأقل كما نفهمها، في كلمة واحدة، العزلة. حكومة مسقط اعتزلت الدخول في النزاعات الإقليمية لعقود، وإن كانت لها مواقفها التي تعبر عنها.
ولا تستطيع كل الدول أن تتبنى المنهج العُماني لأن معظم النزاعات تفرض نفسها. فالكويت احتلها صدام، والسعودية كانت تواجه المصير نفسه لو لم تقاتله. الإمارات لها جزر احتلتها إيران. البحرين مهددة بتغيير نظامها السياسي من قبل إيران. وليس كل السلام الذي نعمت به السلطنة كان نتيجة سياسة اعتزال الصراعات وتحاشي المحاور، هناك أيضًا العامل الجيوسياسي، فموقعها على الخريطة اختصر خياراتها على عدم إغضاب جيرانها في مجلس التعاون وإيران. السلطنة محظوظة بانتمائها لمجلس التعاون، المكون من أنظمة مسالمة تشاركهم حدودها البرية. وهذا لا يقلل من حكمة السلطان قابوس، الذي تمسك لعقود طويلة بسياسة النأي عن الصراعات والمحاور، وابتعد عن إلزام بلاده بأي موقف قد يكلفها ثمنًا.

لا يمكن لدولة أن تعيش بسلام

ويتابع الراشد، لا نعرف دولة في العالم تستطيع أن تعيش بسلام فقط لأنها اختارت ذلك، تستطيع أن تعيش بسلام إذا سمح الآخرون لها بذلك، مثل سويسرا الدولة المحايدة، لأن هناك اتفاقًا على حيادها وقع في باريس عام 1815. حياد عُمان أيضًا من قرار جيرانها الإيرانيين والخليجيين، مع أنه لا تخلو تعاملاتها الخاصة مع النظام الإيراني من انزعاج عند جيرانها الخليجيين. لكنهم جميعًا حريصون على استقرارها، فالسلطنة مرت بمحنة الربيع العربي عندما اضطربت المنطقة كلها عام 2011، وتجاوزتها بدعم سياسي واقتصادي من دول مجلس التعاون التي وقفت إلى جانبها أمنيًا واقتصاديًا.


الأزمة اليمنية والسورية

وتتطرق الراشد أيضا إلى الأزمة اليمنية والسورية فقال، اليمن هي الجار الوحيد الذي يمثل مصدر خطر محتمل لعُمان، أكثر من أي خطر عرفته السلطنة منذ السبعينات. وهو مصدر خطر قائم اليوم على السعودية. ولا تبدو سياسة مسقط حيال اليمن، من حديث وزير الخارجية العماني، مطابقة لبقية دول الخليج. والاختلاف معها يشمل كذلك رؤيتها للأزمة السورية. وفي كلتا الأزمتين، اليمنية والسورية، تبدو مسقط أقرب للنظام الإيراني منها إلى شقيقاتها الخليجية التي ترى أن النظام الإيراني خلف هذه الأزمات، وأنه صار يهددها أكثر من ذي قبل، وتحديدًا منذ بدء تفاوضه مع الولايات المتحدة، التي لعبت عُمان فيها دور ساعي البريد، ثم صارت مركز المفاوضات السرية، بحسب الراشد.

وأضاف الراشد، "اليمن أصبح ساحة للإيرانيين بعد مفاوضات مسقط، وإن لم يكن لها علاقة مباشرة، إنما تسبب تصالح واشنطن معهم في تجرؤ النظام في طهران على التصعيد وفتح جبهات جديدة. قادم الأيام، قد تثبت أن اليمن مصدر خطر على الجميع، لا السعودية وحدها، إذا تُركت إيران تستغله كما تحاول اليوم. ودون اتفاق سياسي يعيد الشرعية لحكم اليمن، الاتفاق الذي هندسته الأمم المتحدة، ودعمته عُمان ضمن المجموعة الخليجية، فإن اليمن سيتشرذم وحربه قد تصبح مزمنة، وليس من مصلحة عُمان، ولا السعودية، وبالتأكيد ليس الشعب اليمني مثل هذه النهاية المأساوية، لكن استمرار الحرب في اليمن يلائم فقط الاستراتيجية الإيرانية، التي تخوض حربًا ضد دول الخليج والمعسكر العربي، تدعم القتال على خريطة واسعة تشمل العراق، وسوريا، واليمن، والتوتر في البحرين ولا يلائم عُمان الدولة الأكثر حضارية وبعدًا عن الحروب.

لماذا امتنعت ثم انضمت؟

ظلت العلاقات بين طهران ومسقط مميزة إلى درجة أن القادة العُمانيين لم ينساقوا وراء قرار المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي الذي قضى بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران على خلفية الهجوم الذي تعرضت له السفارة السعودية في يناير من سنة 2016.
في المقابل، أدى وزير الخارجية العُماني، يوسف بن علوي بن عبد الله، زيارة إلى طهران لمناقشة الملفات المشتركة؛ بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين، وأعلنت شركة "إيران خودرو" لصناعة السيارات، في مارس 2016 الماضي، إطلاق مشروع مشترك مع عمان لإنتاج سيارات محلية، بتكلفة بلغت 200 مليون دولار.
حيث تفضل عُمان دائماً معالجة الخلافات مع إيران من خلال تجنب كل سياسة من شأنها تهديد العلاقة الثنائية بينهما، وهو ما تختلف حوله معها المملكة العربية السعودية.

ثم جاء قرار ع انضمام عمان للتحالف في وقت تزايد فيه استياؤها من إيران. حيث كانت عُمان تتوقع مشاركة مكاسب اقتصادية كبيرة من التي حققتها إيران بعد إعادة إدماجها دولياً، منذ إبرام الاتفاق النووي الذي وقّعته في سنة 2015. لكن العلاقات بينهما كانت تتطور بنسق بطيء، وهو ما جعل إيران تستأنف مشاريعها ذات الأولوية مع شركاء أكثر ربحاً، من بينهم الاتحاد الأوروبي.

أدركت عُمان أن إيران توظف معها سياسة المماطلة فيما يتعلق بعدد كبير من المشاريع المشتركة، بما في ذلك خط أنابيب الغاز الذي يربط بين الدولتين. وفي سنة 2013، وقّع الطرفان مذكرة تفاهم مشتركة تسمح لعُمان بتوريد 28 مليون متر مكعب من الغاز من إيران بحلول سنة 2015. لكن في سنة 2016، تم تعديل مسار خط الأنابيب، بعد تأخر موعد دخوله حيّز الاستغلال إلى سنة 2017.

توتر بين المملكة والسلطنة

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فورن أفيرز" الأمريكية وقالت أن قرار انضمام عمان للتحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الجماعات الإرهابية، ومن بينها "تنظيم الدولة"، خلق حالة من الذهول لدى الكثير من المطّلعين على قضايا الشرق الأوسط. مضيفه أن التوترات تصاعدت بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، لتلقي بظلالها على منطقة الخليج العربي؛ بسبب العلاقة التي ما زالت تجمع إيران وعُمان، حتى بعد انضمام الأخيرة إلى التحالف السعودي. وزادت حدّة هذه التوترات إثر رفض عُمان الترتيبات والجهود الأمنية التي تقدمت بها دول الخليج.

وقال الصحيفة أن المملكة العربية السعودية اعتقتد أن توقيع عُمان على اتفاقية التحالف العسكري لمحاربة الإرهاب يعني استعدادها لتغيير استراتيجيتها السياسية والعسكرية والاقتصادية نحو المحور السعودي، وأن ذلك سيحقق حلم المملكة السعودية في أن تكون أكبر قوة مسيطرة في المنطقة. لكن الأمور سارت في اتجاه عكسي؛ لأن عُمان لم تكن تهدف من خلال هذه الخطوة إلى إحداث تغيير في سياستها الخارجية؛ بل اتبعت هذا التوجه أساساً بهدف دعم استمرارية الاستراتيجية التي كرّستها منذ عقود في الدولة؛ لأجل تحقيق التوازن في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية وإيران، وفق ما ذكرت صحيفة foreignaffairs.

لماذا توثق إيران علاقتها بسلطنة عمان؟

قالت مجلة “ذا ترامبت” الأمريكية، أن مسقط دائمًا كانت لها أجندة سياسية خارجية خاصة بها، في ظل سعي السلطان قابوس للتمتع بالتعايش السلمي مع جميع جيرانه.

وذكرت المجلة الأمريكية، أن مبادرات عمان الأخيرة لا يمكن وصفها بأنها تفضيل طرف على أخر، لكنها تمثل استمرارًا لسياسة عمان في عدم التورط في المنافسات الإقليمية، التي دامت لنصف قرن، فيما يرى العديد من المحللين أن ذلك النهج الذي تتبعه عمان هو دليل على تأكيد استقلالية سياستها الخارجية.
ورأت المجلة، أن إيران لا تنظر لعمان بنفس الطريقة، ولا تقترب منها بحيث تصبح السياسة الخارجية لها أكثر استقلالية، حيث إن استثماراتها الضخمة في عمان مجرد واجهة، لضمان أن تصبح عمان مدينة بالفضل لإيران.
وأضافت المجلة، أن زيادة إيران لتكاملها الاقتصادي مع عمان، هي محاولة أخرى لتحقيق طموحها في الهيمنة على ضفتي البحر من الخليج العربي حتى البحر المتوسط، في الوقت الذي تحشد فيه إيران وكلاءها في اليمن، للسيطرة على مضيق باب المندب، على الجانب الآخر من الخليج العربي، عند مدخل البحر الأحمر.
وأشارت المجلة، إلى أن إيران بعد تمددها اقتصاديًا في عمان، ستسعى للسيطرة على جانبي مضيق هرمز، حيث إن سلطنة عمان وإيران تتشاركان بالفعل في السيطرة المباشرة والحفاظ على هذا الممر المائي الاستراتيجي، الذي يمر عبره 30 % من صادرات النفط المنقولة بحرًا في العالم، إلا أن جميع الممرات البحرية للمضيق تقع في المياه الإقليمية العمانية، وليس إيران، لذا فمن خلال سيطرتها على اليابسة في جانبي المضيق، ستتمكن إيران من السيطرة على حرية الملاحة في المضيق.
وأردفت المجلة، أن هذا المضيق ليس فقط ما يهم إيران، لكن طموحاتها أكبر بكثير من ذلك، فالقيادة الحالية تنظر إلى خارج المياه الإقليمية في مضيق هرمز، في بحر عمان والمحيط الهندي.
وتابعت، أن طموحات إيران تزايدت مرة أخرى، مؤكدة أنها ستبذل أقصى ما بوسعها للاستفادة من مبادرات عمان لمساعدتها في تحقيق أحلامها وطموحاتها.
واختتمت “ذا ترامبت” المقال، إن الاستمرار في مشاهدة توثيق العلاقات بين إيران وسلطنة عمان، وفي ضوء أنه من غير المحتمل أن تصبح عمان حليفًا كليًا لإيران، فإن إيران ستسعى لاستخدام علاقاتها الاقتصادية، في عمان، لتنفيذ أغراضها الخاصة.

لماذا ترتبط سلطنة عمان بإيران؟

بحسب تقرير مجلة “ذا ترامبت” الأمريكية، فإن سلطنة عمان لم تتوسط في المباحثات الأولية للاتفاق النووي، بغرض الإيثار والتفاني، لكنها ستحظى بكثير من المكاسب الاقتصادية، من إعادة إدماج إيران مرة أخرى في النظام الدولي، لكن المجلة حذرت من أن طهران لديها أجندتها الخاصة فيما يتعلق بالتعاون مع مسقط.

وأوضحت المجلة أن هناك بالفعل العديد من المزايا الاقتصادية الناتجة عن التكامل الاقتصادي بين البلدين، فقد أعطى رفع العقوبات في وقت سابق من العام الجاري، إيران، زخمًا جديدًا لخط أنابيب الغاز تحت البحر، المخطط لتنفيذه منذ فترة طويلة، والذي يربط إيران بعمان بقيمة إجمالية تقارب 60 مليار دولار، والذي يطلبه العمانيون منذ فترة طويلة، لينقل هذا الخط حوالي 20 مليون متر مكعب من الغاز، من إيران إلى عمان يوميًا، حيث يتم تحويلها إلى غاز طبيعي مسال جاهز للتصدير، ما سيضمن لعمان مزيدًا من التنوع الاقتصادي للدولة، التي تعتمد إيراداتها الرئيسية على النفط.

ولفتت، إلى أن إيران كانت قد أعلنت في مارس أيضًا، أنها ستقيم مشروعًا مشتركًا مع عمان، بقيمة 200 مليون دولار، بالإضافة إلى بناء مصنع سيارات في سلطنة عمان، ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج في العام 2017، على أمل أن يصل الإنتاج إلى 20 ألف مركبة في منتصف العام 2018، ثم يتم تصدير هذه السيارات إلى اليمن وإريتريا والسودان وإثيوبيا، وكافة الدول التي على علاقة جيدة مع إيران.

وأكدت المجلة أن العلاقة المتنامية بين إيران وعمان ستصب في مصلحة مسقط على المدى القصير أكثر من طهران، إلا أنها على المدى الطويل، قد تجعل سلطنة عمان البالغ عدد سكانها 4 ملايين فقط، مقابل 80 مليونا في إيران، تلعب دور الأخ الأصغر مقابل حجم إيران المتزايد، خصوصًا عندما يصبح اقتصادهما أكثر تكاملًا على حد وصف المجلة.