الحرب في اليمن تُدمر المعالم الأثرية بمختلف المدن (تقرير خاص)

تقارير وتحقيقات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

  

تعرضت الأماكن والمزارات السياحية والأثرية من قبل ميليشيات الحوثي وصالح للدمار في عدة محافظات ومدن يمنية منذ بدء الحرب.

ويأتي الدمار الذي حل بالقطاع السياحي بعد أن حولت ميليشيات الحوثي وقوات صالح المواقع والأماكن السياحية والأثرية في العديد من البلدات اليمنية التي تواجدت بها لثكنات عسكرية.

كما استهدفت المليشيا بشكل ممنهج المزارات السياحية ومنها في عدن ولحج والبيضاء وتعز، وغيرها، بقذائف  الهاون والكاتيوشا التي دمرت تلك الآثار بشكل جزئي أو كلي في بعض المدن اليمنية.

 ولا توجد إحصائية شبه نهائية لإجمالي الخسائر التي تعرض لها قطاع السياحة في اليمن وهو أحد أهم القطاعات والركائز التي ترفد خزينة البلد بالعملة الصعبة.

 

زيارة الدمار

 وكانت المواقع التاريخية تتعرض فيها للتدمير والنهب والتهريب، غير أنه وزاد تعرضها لمثل هذه الأعمال للحرب لوجودها مباشرة في مناطق الصراع المسلح وتحويلها إلى ساحات معارك واستخدامها من قبل أطراف الصراع كمتاريس عسكرية، وهذا يعرضها للقصف والدمار.

 ومن بين المواقع الأثرية والمآثر المعمارية والتاريخية في اليمن "مسجد ومدرسة العامرية" في مدينة رداع، وهي من أهم المساجد والمدارس القديمة والأثرية في اليمن، يعود تاريخ بنائها لعام (910هـ/1504م) ومرشحة لإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، ولكنها تحولت إلى ساحة قتال بين الأطراف المتصارعة؛ "أنصار الشريعة" التابع لتنظيم القاعدة، من جهة والجيش اليمني من جهة أخرى في نهاية العام (2011)، الأمر الذي تسبب بأضرار كبيرة للموقع.

وبدخول اليمن في صراع مسلح مابين "تنظيم القاعدة"، و"الجيش اليمني" دخلت المواقع الأثرية والمباني والمدن التاريخية وبعض المتاحف اليمنية منعطفاً خطيراً جعلها عرضة للعبث والسرقة والتدمير مجددا.

 وبتعدد مسارح هذا الصراع اتّسعت مخاطرها على المواقع الأثرية والمدن التاريخية، حيث يتمترس بعض أطراف الصراع اليمني فيها.

 وفي محافظة الجوف اليمنية، تعرض للأضرار وتدمير أجزاء كبيرة منه "سور مدينة براقش" الأثرية، والتي تعود إلى فترة ما قبل القرن الخامس قبل الميلاد.

ومنذ انطلاق "عاصفة الحزم" في اليمن في تاريخ 26 / 03 / 2015  صارت المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والأثرية تحت القصف من مختلف الأطراف؛ "مليشيات الحوثيين" من جهة، و"لجان المقاومة الشعبية" من جهة أخرى.

 

إحصائية أولية

وبحسب الإحصائيات الرسمية المتوفرة لدى الهيئة العامة للآثار والمتاحف اليمنية تم رصد عشرات المواقع المتضررة بنيران القصف الأخير، سواء بالقذائف، أو الأسلحة الخفيفة أو الثقيلة، أو مضادات الطيران، أو بالغارات، بحسب ما كشف مهند السياني رئيس الهيئة وفقاً للبلاغات التي تلقتها الهيئة، التي لا تستطيع النزول الميداني لحصر وتوثيق الأضرار في بعض المناطق التي ما تزال مشتعلة.

ومن المواقع التي طالها التدمير الكلي أو الجزئي، في محافظة صنعاء؛ "مسجد وضريح الإمام عبدالرزاق ابن همام الصنعاني" والمتوفى في العام (211 هجرية) في منطقة حمراء بقرية دار الحيد بمديرية سنحان.

وفي محافظة الضالع؛ "دار الحسن" الأثري في قرية دمت التاريخية التي تعود إلى فترة عصور ما قبل الإسلام.

وفي محافظة عدن، تعرض لأضرار القصف الطابق الثالث من  "المتحف الوطني"، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عهد السلطان "فضل بن علي العبدلي" في العام (1912م)، و"مسجد جوهرة" التاريخي.

وتعرض المتحف الحربي الكائن في حي كريتر لإضرار جراء القصف الحوثي عليه، كما نالت خمسة من مساجد المدينة التاريخية بعض العبث والدمار من قبل مليشيات الحوثي وصالح.

 كما تعرضت لأضرار القصف "قلعة صيرة" التاريخية، التي تعد من أبرز قلاع وحصون مدينة عدن، وقد بنيت في القرن الحادي عشر الميلادي، وكان للقلعة دور دفاعي في حياة المدينة خلال المراحل التاريخية لمدينة عدن.

وفي محافظة تعز، تعرضت لأضرار جسيمة وبالغة من أثار القصف الجوي "قلعة القاهرة" التاريخية، ويعود بناؤها إلى عهد الدولة الصليحية (1045-1138م)، وتعد النواة الأولى لنشأة مدينة تعز.

 وقد قامت بأدوار عسكرية وسياسية هامة خلال تاريخها الطويل، وليس ذلك فحسب بل أن الأيوبيين عندما دخلوا اليمن (1173م) جعلوها مقراً لإقامتهم، كما أصبحت بعد ذلك مقراً لحكم الرسوليين الذين حكموا اليمن بين (1229-1454م).

وفي صعدة، تعرضت لغارات القصف الجوي المدينة القديمة في مركز المحافظة، وكذلك "جامع الإمام الهادي إلى الحق يحي بن الحسين بن القاسم"، الذي يعد أقدم جوامع مدينة صعدة وأهمها، حيث يعود تاريخ بنائه إلى العام (290 هجرية).

وفي محافظة مأرب شرقي اليمن يقع سد مأرب الذي يُعد أحد أقدم السدود الحجرية في العالم، ويعود إلى الألفية الأولى قبل الميلاد. ببنائه أراد السبئيّون حصر مياه السيول والانتفاع بها، وعلى مر تاريخه، عانى السد من انهيارات كثيرة أدخلت عليه تشوهات وأوقفت عمله. وهو يبعد عن السد الجديد ثلاثة كيلومترات.

وقال الدكتور محمد العروسي، أستاذ التاريخ في جامعة صنعاءإن "سد مأرب بُني على مراحل مختلفة وآخر ترميم له كان في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، ويظهر فيه نقش بخط المسند، الخط اليمني القديم، يشير إلى وصول أبرهة الحبشي إليه أثناء ظهور الدعوة الإسلامية".

وقال: "استُهدف سد مأرب القديم ست مرات، وهُدمت أجزاء منه في الجانبين الأيمن والأيسر، أي ما يُسمّى بالصدف الأيمن والصدف الأيسر، وتأثرت نقوش الصدفتين كما تأثرت مادة القضقاض التي بني بها السد وهي تشبه مادة الإسمنت اليوم".

 وأضاف أنه "من خلال الصور التي وصلتنا للدمار الكبير الذي حلّ بالسد، هنالك صعوبة في إعادة إعماره".

وصرح نائب مدير عام الآثار والمتاحف في اليمن عبد الكريم البركاني وضع المتحف قائلاً: "تم تدمير متحف ذمار كلياً بسبب استهداف حوثيين كانوا قد استولوا عليه ، تزامناً مع سقوط صنعاء في يد جماعتهم، وتحولت القطع الأثرية التي كان يحتوي عليها إلى قطع صغيرة، وتدمرت أجمل تحفة معمارية في اليمن، وهي المنبر الفريد لجامع ذمار التاريخي".

وفي إحصائية أولية قدرت خسائر القطاع السياحي في اليمن بنحو عشرة بليون دولار كما تسبب الدمار الذي لحق بالمواقع والمدن السياحية والأثرية في تفشي ظاهرة البطالة في صفوف عشرات الآلاف من اليمنيين التي كانت السياحة مصدر دخلهم الوحيد.

 

رؤية قانونية وبطالة

ويرى القانوني فيصل المجيدي أن مسألة اعتداء الحوثيين على الآثار والمعالم السياحية باتت شائعة كما حصل باعتدائهم على آثار عمرها ثلاثة آلاف سنة وأكثرها في محافظات مأرب والجوف وعدن والبيضاء وتعز.

وأضاف المجيدي: ثمة 400 موقع اثري تعرض للإضرار جراء الاعتداءات الحوثية المتكررة وثمة مؤشرات حقيقية واضحة على الأرض لتلك الاعتداءات كون الحوثي يراها خصماً تاريخياً ويسعى إلى تدميرها ثقافياً وتاريخياً عبر تدمير آثارها وكل ما يمت إلى جذورها المخالفة لنظام الأئمة الذي يرى الحوثي نفسه امتداداً لها.

ومع انصرام الأيام تزداد معاناة القطاع السياحي في اليمن حدة وتزداد معها مأساة الآلاف من القاطفين من خيرها؛ حيث تشير بعض المصادر إلى خسارة ما يزيد على المائتي ألف عامل في القطاع السياحي أعمالهم وانضمامهم إلى رصيف البطالة في اليمن؛ حيث دفعت الحرب القائمة منذ مارس 2015م ثلاثة ملايين يمني للانضمام لرصيف البطالة بعد فقدانهم لأعمالهم.