إنتحار متكرر .. !!

اليمن العربي

لا أجد الهروب من واقع اليمن يجدي ، في الداخل يمطرونك بوابل من الهموم والعيش المرير ، يقتطعون الساعات الطويلة من أعمارهم تحت طائلة من الحرب الحقيقة والضغط النفسي ، يستندون إلى حال أتعس مما عرفت عليه اليمن السعيد ، غالبية من يتحدث إليك ليجد الهروب خارج الوطن الملاذ الوحيد والآمن ، ولن يتوانى أي من كان للخروج من هذا الوطن المتعثر إستقرارا وعيشا بسيط ، يتحدث الغالبية عن آمال محبطة وأحلام لا يمكن أن تكون سوى الهروب من واقع مأزوم ، يقطعون لك الأيمان المغلظة بإن النور لن يصل إلى قلوبهم ، ولن يجد اليمن السعيد متنفسا ولو بعد حين ، المهم كيف السبيل إلى الخروج ..!!وإلى أي مكان غير رقعتهم الجغرافية ، إحباط وحالة من التيهان الملبد بغيوم الرحلة المجهولة ، لا يستطيع أحدهم أن يصف حالته التي طالما يقرنها بوطن بأكمله ، إن لم يجد لنفسه الا البقاء فهو أسير لهذا الوطن الموجع بأنين الملايين .

 

 

الخروج أو ما نسميه النزوح والتهجير النفسي يلامس حال كل من يعيش في حالة حرب ، يستنجدون بالخروج ويعيشون في البحث عن غربة تقيهم لظى نار تشتعل في فؤاد الناس ، مشهد الحرب النفسية في أرض تبدو محروقة يحزم البعض حقائبه للسفر إلى عالم مجهول ولربما كان أسوأ من ظروف البقاء ، لكنها تجربة اليمني مع الترحال والاغتراب ، صديق يقول : نبحث عن خروج آمن من اليمن لكننا لا نأمن طريق الخروج فطبيعة السفر أخطر من المجهول ، عائدون قبل أكثر من شهر في طريق محافظة المهرة لقوا حتفهم في حادث سير مؤلم بينما كانت أسرهم تنتظر قدومهم كان من بينهم صديق وآخر يحمل درجة الدكتوراة من جمهورية الصين الشعبية كان يخطط لانتشال أسرته وأطفاله والعودة من حيث أتى ، لكنها المقادير حالت وتبخرت أحلام كل من كان على متن الباص ، حالة الخطر يكتنف أحوال شعب بأكمله ، آخرون يموتون على موائد إفطارهم بآلة الحرب أو جوعا وتشريدا .

 

 

اليوم تتوالى معاناة من لاذوا بأسقاع الأرض فنسمع إنتحار يتلوه إنتحار من بينهم طلاب يدرسون في بعض الدول آخرها إنتحار طالب في الجزائر سبقه في ماليزيا ، نقف تائهون يعتصر أفئدتنا الأحزان لما وصل إليها أبناء شعبنا ، اليوم أجد إعلان في احدى وسائل التواصل لشاب في ثلاجة الموتى في دولة ما له منذ أشهر يعلنون لاقاربه ومن له صله به ، يالله تلك قصة أخرى أعادت بي الذاكرة قبل أشهر  عندما كنت في إحدى المستشفيات خارج الوطن وموظف ثلاجة الموتى يقول : لدينا جثة ليمني تجاوزت العام ولم يعرف له قريب يستلم جثته ، هذا هو حالنا نموت في الطرقات وفي الاغتراب تعصر بنا الزوابع أينما حللنا ، لم يعد هناك ملجأ يطوي تأبين ذكرى اليمن السعيد ، هنا وهناك تصعد أحزاننا ونقف مكتوفي الأيدي أمام فواتير ندفعها من دماؤنا يوما بعد آخر ، حالة تقطع أوصالنا وتنذر بوضع بات الجميع يعيشه في دائرة مغلقة من الكوارث ، أبسط ما يقدمونه لنا ترسانة القتل والتشريد والتجويع.

 

 أما آن لنا جميعا أن نستيقظ لإنقاذ هذه الأرواح التى تذهب يوما بعد آخر أدراج الموت ، هذه رسالة سلام لا حرب تجرعنا سمها وتحملنا أعبائها على كاهلنا الذي بات ينتظر اليوم المجهول والانتحار المتكرر .