«عبد الناصر».. معشوق الفقراء الرافض للمعونة الأمريكية «إنجازات»

تقارير وتحقيقات

الرئيس جمال عبد الناصر
الرئيس جمال عبد الناصر

جاءت مشاركة الجيش المصري في اليمن نتيجة السياسة المصرية التي إنتهجها الرئيس جمال عبد الناصر وقتها والتي تقضي بمحاربة الأنظمة الملكية، وآخذت مصر على عاتقها في ذلك الوقت بالقضاء علي هذه الأنظمة بكل الوسائل حتى إذا تطلب الأمر المساعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية لها ونشر المد الثوري في أرجاء الوطن العربي بل ومد ذلك إلي أفريقيا في بعض الحالات.

 

ثورة 26 سبتمبر

 

في 26 سبتمبر سنة 1962 قامت الثورة في اليمن وطلب مجلس قيادة الثورة اليمنية مساعدات عسكرية من مصر حيث بدأت الأخيرة في الاستجابة لهذه الطلبات، وفي 30 سبتمبر سنة 1962أرسل المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة المصرية، ومعه بعض ضباط الصاعقة والمظلات وغيرهم إلي اليمن لمقابلة أعضاء مجلس قيادة الثورة اليمنية ومعرفة طلباتهم.

 

وتوالت البعثات من الوحدات الفرعية من الصاعقة والمظلات للمعاونة في حماية الثورة.. ثم تطور الأمر سريعاً حيث ذهب المشير عامر ومعه الفريق أنور القاضي رئيس هيئة العمليات المصرية إلي اليمن وكلفوا بمساعدة الثورة اليمنية بلا حدود، وبذلك تطورت الأمور إلي حد  بعيد حيث تدفقت القوات المصرية يومياً من القاهرة إلي صنعاء.. وبدأت مصر في إنشاء جسر جوي وبحري ضخم عبر آلاف الكيلو مترات لنقل الرجال والعتاد والأسلحة والمهمات والتعينيات بل والذهب إلي أرض اليمن.

 

وفي نهاية عام 1963، بلغ عدد القوات 36,000 جندي  وفي نهاية عام 1964، وصل إلى 50,000 جندي مصري في البلاد، وبلغ العدد ذروتة في نهاية عام 1965 ليبلغ عدد القوات المرابطة هناك 55.000 جندي مصري،  تم تقسيمهم إلى 13 لواء مشاة ملحقين بفرقة مدفعية، فرقة دبابات والعديد من قوات الصاعقة وألوية المظلات.

 

معشوق الفقراء

 

اسم «عبد الناصر» كان يعني للفلاحين الكثير، فمن كثرة حبهم له سمي معظمهم أولادهم وأحفادهم باسمه، فالزعيم الراحل رائد النهضة الزراعية في مصر، ومخلص الفلاحين من التبعية والعبودية للإقطاعيين، بعد أن ملكهم الأراضى التي كانوا يعملون فيها بنظام السخرة.

 

دشن «عبد الناصر» العديد من المشروعات الزراعية العملاقة التي ما زالت قائمة حتى اليوم، هي ميراثه للأجيال الحالية، ومنها مشروع بحيرة ناصر أكبر بحيرة صناعية في العالم، والتي حملت اسم الزعيم الراحل لأنه كان العقل المدبر لهذا المشروع الضخم.

 

انحياز عبد الناصر إلى طبقة الفقراء جاء من خلال مجموعة من القرارات والقوانين أبرزها الإصلاح الزراعى، الذي جعل عددا كبيرا من الفلاحين "الأجراء" ملاكا للأراضى، مما أتاح لهم تعليم أولادهم، الذين تقلدوا بدورهم وظائف مختلفة، فأصبح منهم الأطباء والمهندسون والمدرسون والقضاة وضباط الشرطة، حين كانت الوظائف المناصب المهمة بالوساطة والمحسوبية والرشوة.

 

استطاعت مصر في عهده أن تحقق الاكتفاء الذاتى من مختلف محاصيلها الزراعية عدا القمح الذي حققت منه 80% من احتياجاتها، وتضاعف حجم الأرض المزروعة بمحاصيل رئيسية إستراتيجية وتحديدا القطن طويل التيلة والقمح والأرز وقصب السكر والفول والعدس والبصل، كما أنشأ الزعيم الراحل هيئة السلع التموينية عام 1961 لتكون مسئولة عن توفير احتياجات الشعب المصري، سواء من الأسواق الداخلية أو بالاستيراد.

 

وضع "ناصر" قوانين الإصلاح الزراعى وحدد الملكية الزراعية والتي بموجبها صار فلاحو مصر يمتلكون للمرة الأولى الأرض التي يروونها بعرقهم، وتم تحديد ملكيات الإقطاعيين بمائتى فدان فقط، فضلا عن مشروع مديرية التحرير واستصلاح أكثر من نصف مليون فدان تم توزيعها على الفلاحين.

 

انتصر الزعيم أيضا للطبقة الوسطى ،إلى جانب الفقراء ، كونه أحد أبنائها، فأبوه كان موظفا بسيطا في البريد، مما منحه درجة أعلى في السلم الاجتماعى جعلته ضمن الطبقة الوسطى حتى لو كان في أدناها، فالوظيفة قبل ثورة يوليو كانت وسيلة لرفع مستوى المعيشة والارتقاء بالوضع الاجتماعى للأسرة.

 

كانت أيضا مجانية التعليم في جميع المراحل سببا في ارتقاء عدد من الأسر الفقيرة درجة في السلم الاجتماعى ووصولهم إلى الطبقة الوسطى، ولعل حرص "عبد الناصر" على مجانية التعليم وتوفير فرص عمل للخريجين بجانب منح الفلاحين الفقراء أراضى الإصلاح الزراعى ومع إنشاء المصانع، وسع مساحة هذه الطبقة حتى أصبحت لها الغلبة في المجتمع المصرى.

 

استطاع "عبد الناصر" أن ينهض بالمجال الاقتصادي، فعلى الصعيد الصناعي، تم بناء مشروعات الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب وشركة الأسمدة والكيماويات، بالإضافة إلى مصانع إطارات السيارات الكاوتشوك ومصانع عربات السكك الحديدية “سيماف”، ومصانع الكابلات الكهربائية.

 

وكان بناء السد العالى أحد أهم وأضخم ميراث تركه "عبد الناصر" للشعب، والذي ما زال يخدم المصريين حتى الآن، فقد حمى السد ، الذي بناه عبد الناصر بمساعدة الخبراء السوفييت – مصر من خطر الفيضان، فوفر كميات المياه اللازمة لتحويل رى الحياض إلى رى دائم، وبفضله تم استصلاح ما يقرب من 2 مليون فدان.

 

وفى الستينيات، مُدت خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية، كم تم بناء المناجم فى أسوان والواحات البحرية، وتم تمويل كل هذه المشروعات ذاتيا، سبقها فى 26 يوليو 1956، تأميم شركة قناة السويس وردها إلى مصر.

 

كانت إنجازات عبد الناصر غير مسبوقة بالنسبة للزعماء العرب الآخرين، ما جعل زعامته إحدى أولويات الرؤساء القوميين العرب إقامة علاقات جيدة مع مصر، من أجل كسب شعبية بين مواطني بلادهم.

فكان لعبد الناصر مواقف كثيرة مع دولة السودان، منها تمكنه من حل أزمة مياه النيل بين مصر والسودان التي تكون دائمًا قضية جوهرية حساسة فى العلاقات المصرية السودانية، حيث قام بتوقيع اتفاقية جديدة تم إبرامها في 8 من نوفمبر 1959م، عُرفت باسم "اتفاقية الانتفاع الكامل لمياه النيل”، وبموجب نصوص اتفاقية 1959م، تم إنشاء "اللجنة الفنية الدائمة" تلك اللجنة الثنائية المشتركة بين مصر والسودان.

 

ومن المواقف الشجاعة التي تدل على حبه للعروبة، مساندته ودعمه الكبيرين للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، في حين كان عبد الناصر أحد مهندسي وصانعي منظمة عدم الانحياز، من خلال الدور الذي قام به، بمشاركة “سوكارنو وتيتو” خصوصًا، خلال مؤتمر باندونج في عام 1955م.

 

أعلن موقفا واضحاً من دول الغرب وأمريكا من خلال عدم انحياز مصر إلى أي من الكتلتين الشرقية والغربية في مؤتمر باندونج بأندونسيا، واتخاذها موقف الحياد بشأن الحرب الباردة، كما عبر عبد الناصر عن عدم اقتناعه بالسياسة الأمريكية.

 

كما أعلن موقفه الرافض للمعونة الأمريكية وتهديد السيادة المصرية، وشن وقتها هجومًا حادًا على الولايات المتحدة، حيث قال:”إذا كان الأمريكان فاهمين إنهم بيدونا شوية معونة علشان يتحكموا فينا وفي سياستنا أنا بقولهم إحنا مستعدين نقلل استهلاكنا من المواد الغذائية، في سبيل أن نحافظ على استقلالنا اللي حاربنا علشانه، ومستعدين نرجعلهم المعونة على الجزمة.. إحنا شعب مبيحبش الرزالة والغتاتة".