من هو عقل بوتين.. الفيلسوف الأخطر الذي يتقن 10 لغات ويشيطن الحداثة؟

عرب وعالم

بول راتنر
بول راتنر

حاول الكاتب بول راتنر في موقع بيغ ثينك الأمريكي أن يرسم مساراً يوضح طريقة تفكير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيراً إلى سبب أساسي دفعه إلى قرصنة البريد الإلكتروني للجنة الديمقراطية الوطنية وتأييد ترامب على حساب كلينتون ويتجسّد في شخص الفيلسوف والمؤرخ الروسي ألكسندر دوغين المعروف باسم "راسبوتين بوتين" أو "عقل بوتين".

ووفقاً، لتقرير نشره موقع "24" الإماراتي، يشدد دوغين على ضرورة اتباع استراتيجيات محددة لتدمير الولايات المتحدة أو تحييدها. من بينها، زعزعة أمنها وشنّ الحملات الدعائية الكاذبة تجاهها

يدرّس دوغين علم الاجتماع في جامعة موسكو الحكومية، كما يعمل مستشاراً لدى العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية. ووضعت أمريكا دوغين على لائحة العقوبات بسبب دفاعه عن قتل الأوكرانيين. هو يتحدث 10 لغات، لكنه في الوقت نفسه أظهر آراء مثيرة للجدل على المستوى العلمي فدعا إلى إلغاء الكيمياء والفيزياء، وطالب أيضاً بالتخلّص من الإنترنت.

"عدمية ما بعد الحداثة"
يقترح دوغين أنّ التاريخ عرف ثلاث نظريات سياسية وهي الليبيرالية والشيوعية والفاشية. والولايات المتحدة هي زعيمة العالم على الصعيد الليبيرالي حيث تؤمّن من خلال هذه النظرية الحرية الفردية والنهج المنطقي وتنافس السوق. وبالرغم من أنّ الليبيرالية كانت الإيديولوجيا المنتصرة إلى الآن، يعتقد دوغين أنها تواجه أزمة قاتلة. فهي اقتربت من الطريق المسدود، لذلك، تغرق حالياً في "مرحلة عدمية ما بعد الحداثة"، لأنها تحاول أن تحرر نفسها من التفكير المنطقي وسطوة العقل.

النظرية السياسية الرابعة
في مواجهة هذه "الإيديولوجيات الميتة" يقترح دوغين "النظرية السياسية الرابعة". وهي لن تكون مبنية على الأسس الفردية أو العرقية أو القومية. إنّما دوغين يرى أفكاره مؤسسة على أعمال الفيلسوف الوجودي الألماني مارتن هايدغر. وتدعو فلسفته إلى العودة لجذور الوعي الذاتي لدى الإنسان، والدفاع عنها بعدما تمّ تذويبها في الفضاء المعاصر من خلال التكنولوجيا التي جرّدت الإنسان من الأنسنة.

"جزء منطقي من الخطة"
وبما أنّ جذر الوجود يختلف من شخص لآخر، ومن ثقافة إلى أخرى، يجب على العالم أن يقدم تقسيماً متعدّد الأقطاب للقوة، عوضاً عن قوة واحدة تمثلها الولايات المتحدة. اِنطلاقاً من هنا، يطلق دوغين نظريته في مواجهة "حكومة عالمية" تقودها نخب عولمة مخادعة. ويتابع راتنر كتابته عن أفكار دوغين التي يدعو فيها إلى قيام عالم يتألف من قوى إقليمية كبيرة، حيث تقود روسيا أمة "الاتحاد الأوراسي" فيما أنشأ التيار الأوراسي الدولي ليحقق هذه الفكرة. أمّا أوراسيا، فهي عملياً أراضي الاتحاد السوفياتي التي شكّلت وحدة تاريخية من شعوب وإثنيات كانوا جزءاً من الأمبراطورية الروسية. وهنا يشير راتنر إلى أنّ ضمّ روسيا للقرم "يبدو أنه جزء منطقي من هكذا خطة".

أوراسيا في مواجهة أطلنتس
يعتقد دوغين أنّ الخصم الحالي لأوراسيا ليست الولايات المتحدة فحسب، لكن الأطلسية، المحور الذي تتعاون من خلاله الولايات المتحدة وأوروبا وكندا عبر المحيط الأطلسي. فهذه الأمم الليبيرالية والساحلية تعلي من شأن الفردية وقوى السوق. لذلك، تجسّد أوراسيا الفلسفة المحافظة لما سمّاه "القارية غير الساحلية" التي تتمتع بقيمها الخاصة ومن بينها، الهيكلية الهرمية، القانون والنظام، الدين والعادات والتقليد. في الخلاصة التنافس هنا يقع بين أوراسيا وأطلنتس، بين الدول الساحلية والدول القارية.

يحب ترامب "الوقح"
أيّد دوغين الرئيس المنتخب دونالد ترامب مشيراً إلى أنّه يمثل "إحساساً" يمكن أن يواجه القوى النخبوية. فهو قال في أحد المواقع الإلكترونية التابعة لمؤسسة الرأي الروسية، كاتيهون: "ترامب هو قاسٍ وخشن، يقول ما يفكر به، وقح، عاطفي، وعلى ما يبدو صريح. واقع أنّه ملياردير لا يهم. إنه مختلف. إنه أمريكي عادي ناجح للغاية ..." 

"سننهي الحداثة"
وأضاف: "نريد أن نعود إلى الوجود، إلى العقل، إلى الأونطولوجيا الأساسية (لهايديغر)، إلى المقدس، إلى العصور الوسطى الجديدة – وبالتالي إلى الأمبراطورية، الدين، ومؤسسات المجتمع التقليدي (الهرمية، العبادة، سيطرة الروح على المادة وهكذا دواليك). كل مضمون الحداثة هو شيطاني، وانحطاط ... كلّ شيء مات مع الحداثة، لذلك يجب أن تنتهي. سنقوم بإنهائها". 

هل يستمع بوتين لدوغين؟
يشير راتنر إلى أنّ العلماء والمفسرين يقولون إنّ أفكاره تؤخذ على محمل الجد من قبل الدائرة المحيطة ببوتين. فشعبيتهم المتزايدة تتطابق مع استبداده المطّرد. وبحسب كتابه "أسس الجيوبوليتيكا" الصادر سنة 1997، يشدد دوغين على ضرورة اتباع استراتيجيات محددة لتدمير الولايات المتحدة أو تحييدها. من بينها، زعزعة أمنها وشنّ الحملات الدعائية الكاذبة تجاهها، كذلك محاولة الفصل بينها وبين حلفائها مثل فرنسا وألمانيا، والعمل على بث التفرقة داخل المجتمع الأمريكي نفسه. وهنالك مكان أيضاً للّعب على وتر الانقسامات العرقية ودعم الأفكار الاِنعزالية داخلها.

بوتين "بطيء"؟
راتنر يؤكد أن ما تشهده أمريكا حالياً يجعل من الصعب عدم أخذ أفكاره بجدية. وأشار إلى أنه بفوز ترامب، تراجع دوغين قليلاً عن اعتبار واشنطن العدو رقم واحد بالنسبة لموسكو. ونقل راتنر بعض الأخبار التي تفيد بوجود فتور في العلاقات بين دوغين وبوتين بسبب ما سمّاه الأول "بطئاً كبيراً" في تطبيق وجهة نظره للعالم. على الرغم من هذا، يصرّ راتنر على قناعته بأن بوتين ما زال "يلعب لعبة طويلة الأمد توجهها الأوراسية" حيث لن تنتهي الأخيرة عند تسريب الرسائل الإلكترونية عبر ويكيليكس.