“إبنتي لا تنفك تنظف البيت، نظيف ومرتب هو”، تقول أمها، “إلّا أنها لا تشعر بذلك أبداً، بل بالعكس، هي تقوم بالمزيد والمزيد، تكراراً ومراراً، فقد بدأ الخشب يتآكل لشدة تنظيفه، وشحب لون الأرض بسبب المساحيق التي تزورها مرات عدة في اليوم. وضع إبنتي لا يُحتمل، لديها ميل غير منطقي لتنظيف الأماكن، حتّى النظيفة منها”. تلك الفتاة مصابة باضطراب الوسواس القهري، الذي يصيب الفرد على مستوى الأفكار والتصرف. هو كناية عن أفكار أو صور متكررة، عنيدة، لا إرادية، مزعجة لصاحبها، وهي إجمالاً تفتقر للمنطق. تترافق مع الشعور بالخوف، الشك والإشمئزاز. يشعر المصاب بها كذلك بالضيق والإنزعاج.

هي شبيهة بإنذار مزيّف بالخطر من قبل الدماغ، يُشعرنا بالخوف وضرورة حماية النفس.

العوارض

يتمحور الوسواس القهري حول مخاوف كثيرة، منها الخوف من التلوّث والإتّساخ، فلا يتوقف المصاب به عن التنظيف والتعقيم بشكل مبالغ فيه، وواضح للعيان. كما قد يخاف من العدوى، فيتجنّب الناس، حتى غير المصابين بأيّ مرض، ونراه يتجنّب السلام باليد، والتقبيل.

قد تتمحور الأعراض حول أفكار عدوانية جامحة، كأذية النفس، مترافقة مع صور وتخيلات، أو أفكار حول أذية الأشخاص المقرّبين ومنهم الأولاد، فيقوم المصاب بهذا الإضطراب بإبعاد الأدوات الحادة والمؤذية، خوفاً من تنفيذ تلك الأفكار.

من أشكال اضطراب الوسواس القهري أيضاً، الخوف من التسبّب بكوارث، مثلاً نسيان الفرن مشتعلاً ما قد يتسبّب بحريق في البيت والبناء والحي السكني ككل، وموت مئات الأشخاص. وربّما ينحصر الإضطراب بأفكار جنسية غريبة تتراءى للفرد، كصور إباحية مع الأقارب، أو الأطفال، أو القيام بعلاقة مثلية. وقد يتطرق المصاب بالوسواس القهري لأفكار دينية، حول الله والقديسين وقدرتهم. يترجم هذا الوسواس أحياناً بميل جامح لإرضاء الناس والمجتمع، في سبيل الحصول على التميّز والمديح، فيقوم المصاب بالتبرّع بمبالغ وعطاءات لا تتناسب أبداً مع أوضاعه الإقتصادية.

ومن العوارض أيضاً، يصاب الفرد بالشكوك التي تطال الناس والتصرفات، فيكشف مراراً ما إذا كان قد أقفل باب المنزل مثلاً، ويقوم بالعد، فيعد السيارات التي تمرّ على الطريق، والأشخاص الذين يدخلون متجراً… ويظهر اضطراب الوسواس القهري من خلال التطرف في الإيمان بالحظ، وما يرتبط بجذب الحظ والسعد، كالأرقام والأماكن، وبعض الطقوس…

يعتمد هذا الإضطراب على أفكار وصور وسواسية، كالرغبة بإيذاء المقرّبين، وتصرفات قهرية متعلقة بتلك الأفكار والصور، منها التردّد لمرات عدة إلى مكان ما، كي يتأكد المريض بأنه لم يدس طفلاً لدى مروره من ذاك الشارع، مثلاً.

يصيب اضطراب الوسواس القهري، حوالى 3 في المئة من الناس، ويتميّز المصابون به بأنهم قد يعرفون بأنّ مخاوفهم غير منطقية، إلّا أنهم يقومون بالتصرفات القهرية المتعلّقة بتلك المخاوف، للتخفيف منها، ومن تكرارها وإزعاجها. كمَن يغسل يديه لدرجة إصابتها بالإحمرار والجروح، وهو يعرف بأنها غير متسخة، إلا أنه يقوم بذلك بسبب إلحاح أفكاره.

يعتبر الوسواس حالة مرضية عندما يؤثر سلباً على حياة الفرد اليومية، فيلجأ إلى الإدمان هرباً منه. ومن المحتمل أن يتعرّض المُصاب، للإكتئاب واضطرابات في النوم والشهية وانعدام القدرة على التركيز، ما يضعف بشكل مباشر القدرة على التعلم والعمل، كما يهدد العلاقات العائلية والإجتماعية ككل.

أسباب الوسواس القهري

لاضطراب الوسواس القهري أسباب بيولوجية وبيئية. تلعب الجينات دوراً في الإصابة به. فاحتمال إصابة إبن المُصاب، أو أحد أفراد العائلة أكبر من غيره. كذلك للبيئة تأثير، فيعاني الإنسان من أعراض اضطراب الوسواس القهري من خلال المشاهدة، حيث يعايش شخصاً يقوم بتصرفات قهرية، كالتنظيف مثلاً.

العلاج

يتم علاج اضطراب الوسواس القهري بحسب مستوى الإصابة، الذي يظهر من خلال مقياس، يتطرّق إلى أفكار المصاب بالوساوس، والتصرفات القهرية المتعلقة بها. فيعالج بالدواء من قبل الطبيب النفسي، الذي يُستعمل لحالات الإكتئاب والقلق، والعلاج النفسي من قبل المعالجين النفسيين. أما طرق العلاج النفسي الأنسب لهذا الإضطراب فهي العلاج النفسي المعرفي السلوكي والعلاج بالإيحاء.

بعد العلاج، وبحسب حاجة المريض ومدى تجاوبه، يشفى بين 50 و70 في المئة من المصابين، بينما يتأرجح 20 في المئة بين الشفاء ومعاودة الإصابة من جديد، ولا تتمكن نسبة 10 في المئة من الشفاء.

إنّ مراجعة المختصين لدى ملاحظة بعض علامات الإضطراب النفسي، على أنواعه، توفّر حتماً خسائر قد تكون فادحة، ومعاناة قد تصيب الفرد ومجتمعه.