حروب الغاز.. قرار جزائري مفاجئ: إيطاليا موزع "حصري" لأوروبا

اقتصاد

اليمن العربي

أُطلقت النيران في أوكرانيا فامتدت رائحتها إلى شمال أفريقيا وأوروبا، وتتغير معها المعطيات الاستراتيجية الخاصة بالطاقة.

 

والخميس، قررت الجزائر بشكل مفاجئ "تغيير بوصلتها الغازية" الخاصة بأوروبا نحو إيطاليا، والتي باتت اعتبارا من اليوم "الموزع الحصري للغاز الجزائري في أوروبا"، بعد أن كانت شريكة في ذلك مع إسبانيا.

 

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا بروما، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن "إيطاليا ستكون الموزع للغاز الجزائري إلى أوروبا بعد زيادة الإمدادات إليها".

 

 الرئيس عبد المجيد تبون أكد التزام الجزائر بـ"صيانة الصداقة مع إيطاليا في جميع المجالات على غرار الطاقة"، وأكد بأن "الجزائر ملزمة دولياً ومعنوياً وأخلاقياً بصيانة الاتفاقيات التي توقعها مع الآخرين، فما بالك بإيطاليا الصديقة".

 

وأعلن بأن عملاق النفط الجزائري "سوناطراك" سيعمل مع شركة "إيني" الإيطالية "على التنقيب عن موارد إضافية من الغاز"، ما يعني بأن الشركة الإيطالية ستحصل على المزيد من المشاريع في الجزائر.

 

واستطرد قائلا: "ملتزمون بتلبية حاجيات إيطاليا وهناك ارتباط عضوي بين البلدين في مجال الطاقة".

 

كما كشف الرئيس عبد المجيد تبون عن "اقتراح جزائري لإيطاليا لإقامة خط بحري انطلاقاً من الجزائر نحو إيطاليا ويمون جزء من أوروبا بالطاقة الكهربائية".

 

وأوضح الرئيس الجزائري أيضا بأن الجزائر انطلقت في انتاج اللوحات الشمسية في محافظة سيدي بلعباس (غرب) وأبدى "رغبة الجزائر الاستفادة من تجربة إيطاليا في المؤسسات الناشئة".

 

وقبل ذلك، وفي لقائه مع الجالية الجزائرية بإيطاليا، كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن بلاده "هي ثاني مموّن بالغاز للسوق الإيطالية، ونسعى لتعزيز الشراكة مع إيطاليا للقيام باكتشافات أخرى، لكي ترتفع الكميات الموجهة لها، وتصبح الموزّع لهذه المادة في أوروبا".

 

حرب غازية

 

قرار الجزائر يأتي في سياق أزمة متصاعدة مع إسبانيا التي كانت إلى وقت قريب من أكبر شركاء الجزائر بأوروبا في مجال الطاقة.

 

ويرى خبراء بأن لهيب أزمة أوكرانيا وتداعياتها على أسواق النفط والغاز العالمية انتقل إلى ضفة المتوسط، حيث تعتبر الجزائر لاعباً رئيسياً كونها تحتل المركز الثالث من حيث مموني أوروبا بالغاز بعد روسيا والنرويج.

 

ويبدو أن تداعيات الأزمة الأوكرانية التي ألقت بظلالها على مواقف الجزائر "الغازية" ترجمها المفكر الإسباني غيلام بورسالس بتحليل اعتبر فيه بأن "الجزائر استعادت نفوذها كقوة متوسطية باختيارها إيطاليا كشريك في مجال الطاقة بدلا من إسبانيا".

 

وفي مقال تحليلي نشره، مطلع الشهر الحالي، على موقع "إل إندبندينتي" الإسباني، أوضح المفكر الإسباني بأن "استعادة الجزائر لنفوذها في حوض المتوسط أدى إلى تغيير شريكها المفضل في أوروبا، من مدريد إلى روما".

 

واعتبر بأن "كل هذا النفوذ النشط الذي كان من الممكن أن يكون لشبه الجزيرة اختفى بجرّة قلم، بعد لقاء بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي"، في إشارة إلى الاتفاق الغازي الموقع أبريل/نيسان الماضي بزيادة إمدادات الغاز الجزائرية نحو إيطاليا.

 

ورأى المفكر الإسباني بأن " أوروبا ستستمر في الحصول على الغاز، لكن الجزائر اختارت كيف ستقوم بذلك، ومع أي بلد".

 

"الاستقبال الحافل"

 

واستقبلت روما، الرئيس الجزائري بالطائرات الحربية، حيث حددت الرئاسة الجزائرية أجندة زيارة الرئيس تبون إلى روما التي وصفهتا بـ"الزيارة التي تكتسي أهمية خاصة" في "تمتين أواصر الصداقة التاريخية، وتعزيز العلاقات الثنائية في عديد المجالات، وبخاصة الجانب الاقتصادي، ضمن رؤية جديدة للرئيسين تهدف إلى بعث ديناميكية جديدة للحوار والتعاون الاستراتيجي، بين البلدين الجارين والصديقين".

 

وطريقة استقبال الرئيس الجزائري من قبل السلطات الإيطالية "من الأجواء قبل الأراضي" حتى وإن كانت نفسها المعمول في بروتوكول استقبال قادة الدول "المهمة" في إيطاليا، إلا أنها حملت معها "قراءات سياسية بوقود اقتصادي" في البلدين "وخارجهما".

 

ويقول المراقبون في البلدين، إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في إيطاليا "ضيف استثنائي في ظروف استثنائية"، إذ تأتي في سياقات دولية محمومة أفرزتها تداعيات الحرب في أوكرانيا، وما نجم عنها من تداعيات طاقوية واقتصادية على العالم.

 

زيارة تبون إلى إيطاليا تزامنت أيضا مع الأزمة الغازية "الخانقة" التي تعيشها أوروبا جراء "العقوبات الروسية" عليها بعد أن قررت فرض "الروبل" في تعاملاتها الطاقوية، وكذا مخاوف الأوروبيين من احتمال توقف الواردات الروسية من الغاز، وخططها "المؤجلة" للاستغناء عنه أو البحث عن بدائل له.

 

ووجدت روما في الجزائر "الملاذ الآمن" – وفق الخبراء – لـ"إنقاذها من الفقر الغازي" كما يسميه بعض خبراء الطاقة، وذلك بالتوازي مع الخطط الإيطالية لـ"التخلص من الغاز الروسي"، في وقت تعد فيه "الجزائر أكبر مزود لإيطاليا بالغاز الطبيعي بنسبة 34 %".

 

وخلال زيارته الجزائر، في أبريل/نيسان الماضي، افتك رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، اتفاقاً غازياً وصفه بـ"التاريخي والنموذجي" يقضي بزيادة إمدادات الجزائر الغازية نحو روما.

 

حيث يرتقب أن تصل كميات الغاز الجزائرية المصدرة إلى إيطاليا عبر أنبوب "ترانسميد" إلى نحو 9 مليارات متر مكعب إضافية سنوياً بين عامي 2023 و2024.

 

وتونس هي ممر استراتيجي لثالث أنبوب غازي جزائري نحو أوروبا وتحديدا إلى إيطاليا وهو أنبوب "ترانسماد"، ويصل طوله إلى نحو 2485 كيلومتر، فيما تقدر قدرة نقله للغاز الطبيعي نحو 33.7 مليار متر مكعب، ويضمن تزويد 3 دول بالغاز الطبيعي وهي تونس وإيطاليا وسلوفينيا.

 

وما يؤكد أن زيارة الرئيس الجزائري إلى روما بأنها ستكون "طاقوية بامتياز"، تنقل عدد من كبار المسؤولين الجزائريين في الأسابيع الأخيرة إلى إيطاليا تحضيرا لزيارة الرئيس عبد المجيد تبون، أبرزهم وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب.

 

فيما يتوقع أن توقع الجزائر وروما خلال زيارة تبون على اتفاق لتزويد إيطاليا بالكهرباء، حيث بحث، يوم الثلاثاء، المدير العام لمجمع الكهرباء والغاز الجزائري "سونلغاز" مراد عجال، بالعاصمة الإيطالية روما، مع وزير التحول البيئي الإيطالي روبرتو سينجولاني، من أجل تجسيد مشروع الربط الكهربائي عن طريق الكابلات البحرية بين البلدين.