لابد من مغادرة الماضي .. حتى نعبر الي المستقبل !؟

اليمن العربي

دون شك نحن نعيش حاضر منفر بل ومحبط للبعض .. إلا انه لا يستدعي منا الهرب الي الماضي و العمل على مقارباته و كأنه عصور ذهبية لقيادات وأنظمة اشتغلت بالتنمية على مختلف مساراتها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية .. لا بالعمل على تفتيت وحدة المجتمع من خلال ما أطلق عليه الصراع الطبقي ، ومطاردة قياداته ونخبه العلمية و الفكرية والإدارية ..ونفيها الي الخارج او القبور و المعتقلات ، فضلا عن صراعات أجنحة النظام الدامية في مرحلتيه القومية و الاشتراكية ،والتي ما كان ليكون أخرها يناير1986 لولا الهروب الي الوحدة في مايو1990 التي نحتفل بها في ظل عمليات القتل بالجملة و بوسائل السيارات المفخخة بل و القنابل البشرية ، و في ظل عودة هدير المدافع و حركة المجنزرات وأزيز الطائرات في جبهات قتال غير واضحة الخطوط و المعالم لا في ابين و شبوة فحسب ، بل وفي أكثر من محافظة .

 

 

   ففي الوقت الذي تعلن القوات المسلحة انتصاراتها هناك .. تظل الجبهات الأخرى مفتوحة لاختراقات حتما لن تتوقف عند عمليات نوعية .. كعملية الشرطة العسكرية في جول مسحة بالمكلا الأسبوع الماضي .

 

 

  تلك المقاربات للماضي .. أكانت في شكل صور في حلبات رقص ( شرح)لقيادات تلك المرحلة ـ أم على منصات الاحتفالات للتذكير بقتامتها ومآسيها ، أم من خلال تغريدات فيس وبوكية او مقالات في صحف حزبية ..لم تأتي من فراغ ولا يمكن عزلها عن برامج حوارية للإشادة بالماضي و القدح في الحاضر .. الذي ليس سوى نتاج لذلك الماضي ..!

 

 □ كان في الماضي شعار تردده تلك القيادات " حرق المراحل !؟ " وهذا  يوحى بتسريع الخطى الي المستقبل المفعم بالرخاء و الازدهار و الاستقرار .. وكان الرفاق يرددونه لأسباب مختلفة لا علاقة لها بالمستقبل، كما قد يتبادر الي تلك الجماهير المصفقة له .. وبالفعل حرقت المراحل حتى وصلنا الي هذا الحريق الذي نعيش .. ليطل علينا صانعوه بالعودة الي الماضي في خطابهم و مقارباتهم ، لا لبحث المستقبل ..من خلال فرز الأسباب التي أدت بناء الي حاضر وسيلة مغادرته ليست في التنفيس عن إحباطاتنا و عجزنا بمقاربات لم تعد ملائمة فضلا عن كونها جزء من مكونات أزماتنا في راهنا المأزوم .. والمشحون بكل مولدات الإعاقة والمعوقين ، في حاضر .. أنتجه الماضي الذي لم يعد له حضور لاختلاف الظروف و الأوضاع الوطنية و الإقليمية و الدولية ، إلا  في شخوص صانعيه .. في المعارضة الخارجية او الحراكية ..وفي السلطة ، بعد أن أصبحت المعارضة الحزبية شريكة فيها في توافقية عجيبة .. معوقة ومعيقة .

 

 

  □□ نحن اليوم إمام تحديات حقيقية وصعبة .. في مقدمتها وعلى رأس قائمة التحديات   تحويل مخرجات الحوار الي مشروع لبناء دولة على أنقاض الماضي ألتشطيري والوحدوي أيضا الذي تم باتفاق بين نظامين وتضمنته اتفاقية لا تتجاوز نصوصها ثلثي صفحة ، وعلى طريقة حرق المراحل .. بل والمستقبل معها ..!؟

    هذا التحدي لا يتطلب مقاربات و لا اتفاقيات شبيه باتفاقية الوحدة .. بل بني دستورية و إدارية مع إعادة صياغة مؤسسات الدولة بالكامل ـ أفقية وراسية ، و بالذات الإستراتيجية منها لحماية الدستور و الأمن القومي ..اتحادية كانت أم إقليمية لا مجرد هيكلة . 

   كل ذلك يتطلب وضع دستور ـ واضح البني و الأحكام .. بحيث يتم وضع النظم و التشريعات القانونية وفقا لأحكامه ـ كونه قانون الدولة الأول وناظم علاقات مكوناتها الجغرافية و الاجتماعية و المؤسسية . 

□□□ كل هذه تحديات .. وهي تختلف عن المعوقات التي لا تقل عنها صعوبة ، ورغم ذلك لم تعد قابلة للتأجيل والتسويف بعد أن أعلن الرئيس : عبدربه منصور هادي .. تدشين الشروع في بناء الدولة الاتحادية من إقليم حضرموت ..لاعتبارات ودلالات لها علاقة بالمستقبل ومبنية على قراءة معمقة للماضي و لمكونات الحاضر في تقديري .. و تحمل رسائل ذات دلالة الي المصالح الإقليمية والدولية، فضلا عن أبناء حضرموت ودورهم المستقبلي في التنمية على مختلف مساراتها وإبعادها .

 

 

   إلا أن معركة تجفيف بؤر الإرهاب  في أبين و شبوة التي تخوضها القوات المسلحة و الأمن والتي بدأت لتأكيد التوجه و لتحقيق مجموعة من الأهداف لتوفير أجوى سياسية و أمنية دونها تعد عملية التدشين انطلاقة في الفراغ .. ولم يقابلها استنفار في حضرموت متزامن مع تلك المعارك لا في القوات المسلحة و لا الأجهزة الأمنية لمنع فلول القاعدة وكتائب الأنصار من التسلل الي حضرموت عبر الأودية و الشعاب و تحت غطى النازحين من هناك .. فضلا عن إعلان حالة من التأهب في  السلطة المحلية لمحافظة حضرموت لمواجهة الطواري التي قد تدفع بها نتائج تلك المعارك ..ترتقي إلى مستوي إدارة الأزمات،على ماذا يدل كل ذلك؟!

   ألا يدل هذا التراخي المشغول بتجنيد  "1000 شرطي" لكل مديرية 30 فردا على اننا مازلنا خارج الزمن و نعيش في الماضي الذي نكرره لإشغال الناس لا الانشغال بهم حتي بعد الضربة الأخيرة التي وجهت الي الشرطة العسكرية .. انشغلنا بانتماء المنفذ القبلي و الوطني لا بما تمثله كمقدمة لتحويل حضرموت

 الي مسرح عمليات للقاعدة و الأنصار.. بالإضافة الي أهم ثغرتين في الجدار الأمني للمحافظة ـ وتتمثل في مساحتها الواسعة وإمكانية عبور مقاتلي القاعدة إليها عبر الجبال والأودية الغربية او عبر الصحراء في الشمال الغربي فضلا عن البحار و الصحارى المفتوحة  لخوض حرب عصابات لإعاقة التدشين و لإجهاض مشروع بناء الدولة الاتحادية واستعادة حضرموت لدورها الذي لا يرفضه أولئك المغردين بالماضي خارج السلطة  بل ولم يغادره  أكثر المشاركون فيها من رجال مرحلة  حرق المراحل وضحاياها .. !؟

□□□□ إنا هناء لا اتهم احد بتعمد قصور التخطيط لمعارك تجفيف بؤر الإرهاب و إنما احذر من الاستمرار في مواجهة هذه المرحلة بعقلية الماضي و ذهنيته الإدارية والتخطيطية .. و لا أنبنه الي وجود خطط لاستخدام حضرموت .. بل اذكر بها وهى قديمة وقد طفت مظاهرها عام 2011  لتعود اليوم لا كمؤشرات على رفض تلك القوي لمشروع إعادة صياغة الدولة .. في شكل دعوات وتأليب مناطقي فضلا عن الدعوات الي وقف القتال مع القاعدة و الأنصار والتفاوض معهم .. وهذا ما تعكسه  وسائل إعلامهم  الي حد مهاجمة الرئيس و سياساته .. مع اقتراب اللحظة التاريخية في أجندة الرئيس هادي .. المرتبة أولوياتها وفقا لذهنيته الإستراتيجية  التي كونتها الكليات و المعاهد العسكرية ـ البريطانية و الروسية ، وصقلتها الخبرة و التجارب المكونة لذهن سياسي يدرك أهمية اقتناص اللحظة التاريخية رغم كثافة المعيقات و تنوع المعوقين ..ومنهم من أوكلت إليه مهام في إدارة معركة الرئيس لمغادرة الماضي ، ولا نستطيع أن نصنفهم في صفوف الخائفون من دور حضرموت ،إلا أن جميعهم خطر و جميعهم نتاج ماضي و بالتالي ليسوا مؤهلين للمرحلة القادمة ،الأمر الذي يرجح انتقالهم من الدعم الخفي الي الفعل المباشر .. لتحويل حضرموت الي ساحة حروب متعددة الإطراف .. وهذا جانب يجب أن نتنبه له ، وألا ننشغل في حوارات مقاربة الماضي، ولكن دون أن نهمل الإفادة من دروسه ..  لكي نعبرهذا الحاضر المأزوم بموروثاته المعيقة - المعوقه للوصول الي المستقبل