الادباء الذين تأثرت بهم في صباي من ذكريات النشأة الاولى في مدينة الشحر بحضرموت

اليمن العربي

 تعلقت بالقراءة منذ صباي وأحببتها لدرجة الهوس حتى أني حرمت نفسي بسببها من كافة أنواع التسليات والمتع والألعاب التي تستهوي من كان في مثل سني، وما كدت أنهي المرحلة المتوسطة في دراستي حتى أتيت على قراءة الكثير من أعلام الأدب العربي الحديث، وتأثرت بكتابات أصحاب الأساليب، فكنت أقلد طه حسين في موسيقاه، وكان في مقدمة ما تأثرت به لطه حسين كتابه الشهير (الأيام) الذي صدر بداية في جزأين، ثم صدر منه الجزء الثالث بعد وفاته، وقرأت له (على هامش السيرة) وبعضاً من كتبه النقدية ومقالاته التأملية. وأما مصطفى صادق الرافعي فكان من الطبيعي أن أقرأ له رومانسياته وعاطفياته في كتبه الثلاثة (رسائل الأحزان)، و(السحاب الأحمر)، و(حديث القمر)، ودفعني هذا لأن أطلع على قصة حبه لفاتنة أدباء عصرها الأديبة مي زيادة وتوقفت طويلاً عند كتابه (المساكين) وقد دفعني الرافعي لقراءة العقاد لما كان بينهما من خصومة وتنافس على حب مي زيادة، فبدأت بقراءة قصة حب العقاد الشهيرة (سارة)، ثم تابعت مع بعض كتبه القليلة الدسم فكرياً وبعض كتب السير الإسلامية، ولن أنسى تأثري بكتابيه (الإمام علي) و(معاوية في الميزان)، وتأثرت بما جاء في مقالاته عن نفسه في كتاب (أنا)، وعلمت يومها أنه كان يقرأ في اليوم تسع ساعات، وحديثه عن أن حياة الإنسان تتسع عرضاً بالقراءة والثقافة، وأن قراءة كل كتاب تضيف لحياة الإنسان عمراً جديداً، وتجربة جديدة، وأنه بما قرأ من آلاف الكتب قد عاش أعمار مئات البشر، وعاصر تجارب كل العصور. أثرت في حياتي هذه الفكرة العقادية في تلك السن الصغيرة حتى ظننت أن أي عمل يؤديه الإنسان في غير القراءة لا طائل منه، وتحت تأثير هذه الفكرة انعزلت عن الناس وعن الحياة الاجتماعية وأصبحت انطوائياً أستكثر على نفسي ضياع وقتي حتى في الحديث مع الآخرين، وأصبحت أنظر نظرة دونية للذين لا يقرؤون؛ لأنهم سيعيشون حياة واحدة قصيرة !! وما إن أتممت المرحلة المتوسطة حتى أنهيت قراءة عشرات الكتب إذ كنت أقرأ في أيام الإجازات بمعدل كتاب كل يوم وفي أيام الدراسة أنهي الكتاب في أقل من أسبوع، وقد أثر هذا على مستواي الدراسي بشكل كبير لكني كنت أحظى بتقدير معلمي الذين كانوا يعجبون بسعة اطلاعي وبأسلوبي في الكتابة. لم أجد من يوجهني في قراءاتي لهذا، كانت اختياراتي عشوائية وتفوق سني بكثير، ولم أكن أفهم كل ما أقرأ، ولم أكن أميز بين ما أقرأ من كتب من الناحية الفكرية، أو العقدية، أو السياسية، فعلى سبيل المثال قرأت كتب ساطع الحصري وكتب سلامة موسى ولم أكن أعي البعد الفكري والعقدي لكتاباتهما إلا فيما بعد، وبالمقابل تأثرت بالكتب التي تبحث في مسألة العلم والإيمان، فأذكر أني تعبت حتى حصلت على كتاب (مع الله في السماء) للدكتور أحمد زكي رئيس تحرير مجلة العربي بالكويت آنذاك، وكانت فرحتي بوصوله إلي لا تصدق، وأستطيع أن أقول الآن إن سر إعجابي بكتابات أحمد زكي بداية كان أسلوبه السهل الممتنع الذي كنت أقرؤه في مقالاته بمجلة العربي وقد جرني هذا الاتجاه الذي قادني إليه د. أحمد زكي إلى مؤلفات د. عبد الرزاق نوفل فالتهمت كتبه: (الله والعلم الحديث)، و(الإسلام والعلم الحديث) وغيرهما وقد توافق الاهتمام بأحداث السماء والفضاء والكون مع روحي الرومانسية وعقيدتي الفطرية النقية. أما في مجال القصة فقد أغرمت بقصص محمد عبد الحليم عبد الله الذي تعرفت عليه من خلال الاستماع لمسلسل إحدى قصصه من إذاعة هنا لندن التي كانت تؤدي دوراً ثقافياً مؤثراً آنذاك، أذكر أني قرأت روايته (شمس الخريف) في ليلة واحدة وتأثرت ببطلها ومعاناته تأثراً كبيراً، ولن أنسى فرحتي يوم عثرت في مكتبة أحد أقربائي على روايته (بعد الغروب)، وقد تتبعت قصصه واحدة بعد الأخرى حتى أتيت عليها جميعاً، والحقيقة أن إعجابي بعبد الحليم عبد الله دون غيره من كتاب القصة يعود إلى أسلوبه وعالمه الرومانسي الذي كان يتفق مع توجهي وسني وهو ما جعلني أفضله على قراءة كاتب كبير مثل نجيب محفوظ المغرق في الواقعية، ولا عجب أن أتبعه بقراءة كتب جبران خليل جبران وكان الولوج إلى عالم جبران المحلق في السماء فتحاً جديداً في حياتي آنذاك، وكم كانت فرحتي كبيرة - بصفتي مسلماً وهو مسيحي - بالكلام المنصف الذي كتبه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الأمر الذي جعلني أبحث عن كتابه الشهير (النبي) وللأسف لم أعثر عليه في تلك المرحلة، وظل أثر جبران متوارياً بين جوانحي حتى ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة العليا فاقتنيت معظم كتبه بالإنجليزية وقرأت كتابه (النبي) لأول مرة ولهذا قصة لابد أن أتوقف عندها عرضاً في الأسبوع القادم تتصل بالسيدة الأمريكية التي جددت إعجابي بجبران بالإنجليزية.