أفضل الرجال لايمكن شراؤهم بالمال

اليمن العربي

في مشهد تراجيدي يمشي الملا برادار الى القصر الرئاسي في كابل بعد عشرين سنة من مغادرة الحركة العاصمة الافغانية  لكن كيف حدث كل هذا, ولماذا وصلنا الى هذه النقطة التي لم يكن احد يتصورها مهما بلغ به الخيال .

 

 في السابع من اكتوبر 2001 بدأت القوات الامريكية اول عملياتها في افغانستان وتراجعت الحركة سريعا للجبال لتخوض حربا طويلة على مدى عشرين عاما ، لكن يا ترى لماذا لم تستطع القوى السياسية بناء المؤسسات وجيش قوي خلال عشرين عاما من الدعم الامريكي .

 

 قبل ان نجيب على هذا السؤال علينا ان نعود الى طبيعة القوى السياسية في افغانستان خلال المرحلة السابقة .

 

اثناء التخطيط للغزو والذي اتخذ على عجل عملت امريكا على جمع كل القوى السياسية  التي لديها ثأر مع حركة طالبان مثل الطاجيك اتباع احمد شاه مسعود والانتهازي الاوزبكي عبدالرشيد دستم احد جنرالات الدولة الافغانية في مرحلة الثمانينات إضافه الى مجموعة قوى سياسية مهاجرة لها عشرات السنين في الخارج وبعض المقاتلين الذي اخرجتهم الحركة من المشهد خلال المراحل السابقة ، اي انه خليط غير متجانس لايجمعهم الا الانتقام والمال الامريكي والرغبة في الحكم  ،غاب المشروع الوطني الجامع وحل محله الانتقام والانتهازية وهي امور يمكن معالجتها لاحقا لو وجدت النية الصادقة من اجل اصلاح الامر لكن غياب بعد النظر لدى الإدارات الامريكية المتعاقبة ادى لكل ذلك ..

اصبحت الحكومة الافغانية مرتع لكل انتهازي وغاب بناء المؤسسات واصبحت الفصائل الافغانية تشعر بالأمان بوجود القوى الدولية التي اعتبروها ضامن لاستمرار الاوضاع على ماهي عليه ، ومع الاسف الشديد امريكا لم تعمل شي من اجل ان تنتقل تلك القوى من مرحلة الانتقام الى الدولة وخلال كل تلك السنوات انشغلت قوات التحالف بمطاردة الحركة في جبال افغانستان واوكلت بناء المؤسسات للنخب السياسية المحلية والتي بدورها انشغلت في انتزاع وتقاسم النفوذ على الارض وغرقت في الفساد اكثر وركنت الى الدعة والراحة فيما الحركة صقلت قدراتها القتالية مدفوعة بأيدلوجية وخبرات سياسية متراكمة مكنتها من نسج علاقات دولة مع دول كبرى مثل روسيا والصين واستعادت التواصل مع باكستان وهذا مؤشر على نضج سياسي وبرجماتية كانت تفتقدها في مراحل سابقة .

 

*افضل الرجال لايمكن شراؤهم بالمال* هذه المقولة تلخص الوضع في كل دولة تعرضت لغزو او تدخل اجنبي مهما كان هدفه ،اذا لاحظنا في معظم التجارب ان القوى الاجنبية لاترغب في الإستعانة بأفضل الرجال لان الافضل في الغالب لديهم عقيدة وفكر وهؤلاء المال وحدة لايكفي للتحالف معهم  بل يجب تقديم تنازلات استراتيجية وهو الذي لن تستطيع اي قوة اجنبية تحمله او تقديمه لان اي تنازل يجرح الاناء والغرور لدى اي قوى تدخل بلد الاخر لتصول وتجول فيه اضافة الى ان الاجنبي في الغالب لايفضل الحلفاء بل شراء الاتباع وهذا يوقعها دوما في الشرك وهو الحصول على قطيع من الاتباع الضعفاء الانتهازين وهذا الذي تكتشفه هذه الدول عند نهاية المغامرة وذهاب السكرة وهو ما شاهدناه في كل بلاد حصل فيه تدخل اجنبي من فيتنام للصومال الى العراق وصولا الى اليمن وغيرها من البلدان التي تكرر فيها نفس السيناريو مع بعض الاختلافات البسيطة ..

اي صراع بين قوتين تتباين قدراتيهما  انتصار محدود الموارد يحصل بإطالة أمد الحرب وانتصار الاكثرا تسليحا وقوة يحصل بسرعة الحسم وهذا يعود الى انه لديه ميزانية تشغيلية عالية بينما القوى الاضعف تعتمد على إمكانات بسيطة وبالتالي تمويل محدود ومن باب ان غلبوك بالفلوس اغلبهم بالجلوس استخدمت كل قوى المقاومة هذا الإستراتيجية، الجبال جبالنا والارض ارضنا ..

عندما تدخلت امريكا في افغانستان لم تكن باكستان على وفاق مع مايحدث في افغانستان  وهذا لشعورها انه اصبح هناك قوى كثيرة تلعب في افغانستان ومنهم خصوم تاريخيون لها وهذا اعطى للحركة شريان حياة حيث تعتبر باكستان افغانستان امتداد استراتجي لها لا يمكن السماح لخصومها الدخول اليه وهذا الخطاء التى وقعت فيه الحكومة الافغانية بالاقتراب من الهند العدو التاريخي لباكاستان ..

في نفس الوقت الذي كانت تتخبط فيه الحكومة الافغانية وغابت البوصلة لدى الادارة الامريكية كانت الحركة مستندة لايدولوجية دينية تستنزف فيه التحالف الدولي في افغانستان وهنا بدأ التحالف يفكر جديا في مغادرة البلاد بعد ان اصبحت الحرب عبثية وتراجعت اهمية المنطقة لدى الإدارة الامريكية في نفس الوقت على مايبدو ان القيادة الامريكية بالغت في تقديرها لقوة الحكومة الافغانية.

 

لكن كل هذا تبخر عندما إجتاحت حركة طالبان البلاد بسرعة وهرب الجميع ليذهب جهد عشرين سنة ادراج الرياح ولتثبت صدق المقولة الشهيرة "(افضل الرجال لايمكن شراؤهم بالمال)" لذلك عندما يخيروك بين الاتباع والحلفاء اختار الحليف العنيد والقوي وتجنب التابع الخاضع مهما كان حجم التنازلات التي يطلبها منك لان الثمن الذي سوف تدفعة لاحقا أشد مرارة وقسوة .

 

فهل يا ترى الاشقاء الذين يتدخلون في اليمن اليوم يعون الدرس !!!!....

 

أسعد الله اوقاتكم ..