جرائم الرئيس التركي.. كيف يطبق أردوغان سياسة التمييز العنصري في تركيا؟

تقارير وتحقيقات

اليمن العربي

 

سرد الباحث البارز في معهد المشروع الأمريكي مايكل روبين كيف تعرضت الأقليات في تركيا، مثل الأكراد، للاضطهاد منذ تأسيس الجمهورية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك الذي أكد أن بلاده "دولة للأتراك".

انتهج الديبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون مقاربة سطحية لانتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها الأكراد في تركيا على قاعدة أن التواصل الهادئ أفضل من الإدانة العلنيةوأطلق الأكراد حركات تمرد عدة خلال فترات مختلفة من عمر الجمهورية، إبان ثورة الشيخ سعيد في 1925، ومع إعلان إحسان نوري باشا جمهورية آرارات الكردية على الحدود الإيرانية والأرمنية في 1927، ومع الثورة في دريسم في 1936 ضد التتريك الإجباري، والتهجير القسري لإضعاف الأقليات. في جميع هذه الحالات، تمكن الجيش من قمع التمرد.

وكتب روبين في مؤسسة "ناشونال إنترست" كيف طورت تركيا صناعتها واقتصادها بدءاً من أتاتورك وصولاً إلى تورغوت أوزال في ثمانينات القرن الماضي، مع تجاهل المناطق التي يقطنها الأكراد إما عمداً وإما بسبب البعد الجغرافي.

ومع ذلك، أدى الحظر الطويل للغة التركية، بما فيه منع استخدام بعض الأحرف اللاتينية في التعبير الكردي لا التركي، إلى توسيع الشرخ بين الأكراد والأتراك. ونتج عن بروز حزب العمال الكردستاني زيادة الاستقطاب في المجتمع.

أوجلان وآمال القوميين

بين 1984 و 1995، أدى النزاع بين حزب العمال والجيش التركي إلى مقتل 20 ألف شخص، وربما ضعفي ذلك في العقد اللاحق. ومع القبض على زعيم الحزب عبدالله أوجلان في 1999، أمل أتراك كثر انتهاء سنوات العنف والتمرد.

وهكذا كان إلى حد كبير. فبينما استمرت بعض الجماعات الكردية المنشقة في استخدام الإرهاب والعنف، لكن ضمن نطاق أضيق بكثير من السنوات الماضية، تحول الأكراد إلى تحسين أوضاعهم من خلال المسار السياسي الطبيعي.

وفي ذلك الوقت، عقد الكماليون المتحمسون آمالهم على أن يؤدي سجن أوجلان إلى نهاية تياره السياسي.

وفي هذا فإنهم كانوا مخطئين حسب روبين. ففي 1999، فاز حزب هاديب، الواجهة القانونية لحزب العمال الديموقراطي، بغالبية الأصوات في دياربكر، أكبر مدن المنطقة الكردية. ومع الوقت، زاد دعم حزب العمال. وحين وصل رجب طيب أردوغان إلى الحكم في 2003، اعتقد أن بإمكانه استخدام الأكراد لغاياته الشخصية.

أردوغان... بين الوعود والأفعال

في البداية، استجاب هؤلاء بطريقة إيجابية لانفتاحه عليهم، ولو للنكاية في الأحزاب التي قمعتهم سابقاً. لكن مع مضي الأيام، استنتج العديد من الأكراد أنه لم يكن بإمكانهم الثقة في أردوغان وحزب العدالة والتنمية.

وعد أردوغان الأكراد بالحرية السياسية، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية قبل الانتخابات، لكنه أدار ظهره لهم بمجرد انتهائها. نتيجة لذلك، بدأ الأكراد يصوتون بشكل متزايد وعلني للأحزاب الكردية.

وفي انتخابات مارس (آذار) 2014 المحلية، فاز خليفة حزب هاديب، حزب الديموقراطية والسلام، بأكثر من 6% من الأصوات.

أعاد الحزب تنظيم نفسه تحت اسم حزب الشعوب الديموقراطي، وفي ظرف عام واحد ضاعف تمثيله السياسي متخطياً عتبة 10% التي تسمح للحزب الفائز بدخول البرلمان.

أدى ذلك إلى تقلص غالبية حزب العدالة والتنمية. وكان رد فعل أردوغان شرساً، فاعتقل الرئيس المشارك للحزب صلاح الدين دميرتاش، وقادة آخرين، وسلط قوة الجيش التركي على معاقل الحزب في ماردين، ونصيبين وغيرهما.

والأتراك الذين يعيشون في فقاعة الإعلام الرسمي الذي يروج لنظريات المؤامرة ربما صدقوا حجة أردوغان أنه كان يخوض حرباً ضد الإرهاب. لكن شهود عيان وصور الأقمار الاصطناعية تقدم رواية مختلفة.

عقاب ارتد عليه

ربما سعى أردوغان إلى معاقبة الدوائر الانتخابية الكردية التي صوتت ضده. لكن مهما كانت دوافعه، ارتدت تصرفاته سلباً عليه، وعزز سلوكه قناعة الأكراد أنه لا يمكنهم معالجة مظالمهم عبر المسار السياسي العادي.

وفي الأشهر القليلة الماضية، وسع أردوغان التطهير السياسي مقيلاً رؤساء بلديات أكراداً انتُخبوا ديموقراطياً واستبدلهم بموالين له. وسجن أيضاً المزيد من قادة الحزب، كما تابع روبين.

وفي الأيام الماضية، أقال أردوغان نائباً كردياً بسبب تغريدة عمرها 5 أعوام دعا فيها إلى التركيز أكثر على مسار السلام بين الأتراك والأكراد.

وبما أن قمعه المتجدد واجه صمتاً دولياً، يبدو أنه يهدف إلى حل حزب الشعوب الديموقراطي وحظر نشاط 600 مسؤول منه.

ما على الغربيين إدراكه

يرى روبين أن ما يحدث في تركيا، هو فرض نظام قريب من التمييز العنصري. إن الأكراد، أو على الأقل، الذين لا يريدون تضخيم أجندة أردوغان السياسية الضيقة، قد لا يحتفظون بمناصبهم.

جردت الحكومة التركية أكراداً كثيرين من معاشاتهم التقاعدية، بحجج قضائية مشبوهة. وتبقى المناطق الكردية غير متطورة اقتصادياً، ونادراً ما تمنح الدولة عقوداً لأعمال مملوكة من الأكراد.

والنمط واضح ومسار الحرية الكردية في تركيا يسير إلى الخلف. يواجه الأكراد القمع نفسه الذي عانوا منه في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي.

لقد انتهج الديبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون مقاربة سطحية لانتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها الأكراد في تركيا، على قاعدة أن التواصل الهادئ أفضل من الإدانة العلنية.

لكن هذه المقاربة أدت إلى نتائج سلبية. وحتى لا يجر أردوغان تركيا إلى عالم التمييز العنصري، إما بسبب غروره أو عقيدته، فإن على القادة الغربيين مثل أنجيلا ميركل، وإيمانويل ماكرون، وجو بايدن أن يواجهوا تركيا بوضوح أخلاقي.

وينفي روبين وجود ما يبرر الإضعاف المنهجي للأقلية الكردية في تركيا. فالسماح لأردوغان بمواصلة مساره لن يؤدي إلى السلام. بل العكس.