بقيادة السيسي.. "عمار يا مصر"

اليمن العربي

ربما لم يزرْ أغلبنا "حي الجمالية"، لكننا نعرفه جيدًا، فقد استوحى أمير الرواية العربية نجيب محفوظ وصاحب جائزة نوبل في الأدب من هذا الحي –وهو ابنه أيضًا– العديد من إبداعاته. لقد تشاركنا مع أهل هذا الحي من خلال محفوظ تفاصيل حياتيّة مختلفة، المقهى الشعبي، و"جدعنة" شباب الحي، وعبق الحكايا وغرائبيتها في الأزقة القاهريّة العريقة.

 

ولنا أيضًا أن نشارك أهل هذا الحي سعادتهم وتفاؤلهم بوصول ابنه عبد الفتاح السيسي إلى سدة الرئاسة المصرية، لهذا السبب ولأسباب أخرى كثيرة، خاصة أن هذه المنطقة تمتاز عن غيرها بحب أهلها للتجارة، بل يولد غالبيتهم تجارًا بالفطرة، الأمر الذي انعكس على سلوكهم كله، ليس التجار فحسب، بل حتى المثقفين والعسكريين والسياسيين أيضًا، ولذلك ستجدهم دقيقين في التعامل، وماهرين في التفاوض، وقادرين على الإنجاز والنجاح في شؤونهم الخاصة، وفي المكان الذي يعملون فيه أو الجهة التي يعملون لأجلها.

 

مثل هذه الأيام منذ سبع سنوات، وصلتُ الى مطار القاهرة في الثامنة صباحًا، كان في استقبالي ضباط من وزارة الدفاع، ذهبنا مسرعين إلى الوزارة ووصلنا في التاسعة والنصف، ليستضيفنا اللواء عباس كامل بوجهه الفرح وابتسامته الدائمة وفنجان قهوة، استعدادًا لبدء الاجتماع مع السيد وزير الدفاع على تمام العاشرة، وبالفعل دخل المشير علينا دون أن يتأخر ثانية، فسألته مباشرة بعدما تبادلنا التحية عن أهمية الوقت بالنسبة له؟ فاستغرب السؤال، لكنني وضحت له أني انتبهت إلى قدومه للاجتماع على الموعد تمامًا، وهذا أمر أوشك أن يصبح نادرًا بالنسبة للمسؤولين في مصر، سواء في هذه الأيام، أو حتى في أيام الرئيس مبارك.

 

أخذ المشير سؤالي على محمل الجد، ووضح لي أن المنصب الذي هو فيه الآن تكليف كبير، عن مصر كلها ولأجلها كلها، لذلك عليه أن يقوم بواجبه على أكمل وجه، وألا يهدر أي دقيقة لأن الوقت لم يعد وقته هو، بل ملك المصريين جميعًا، ولن يفرط ولو بثانية واحدة منه.

 

شعرت من هذه الكلمات أنني قبالة رجل مختلف كل الاختلاف عمّن قابلتهم من المصريين خلال السنوات العشرين السابقة، وأدركت بوادر نهج مصري جديد عنوانه العمل والالتزام والإنجاز، وضمن الأوقات المخطط لها وعلى أعلى مستويات الجودة.

 

 

 

مع استمرار اجتماعنا، لفت المشير انتباهي بدقة كلامه، وتحديد أسئلته، وشدة تركيزه في كل صغيرة وكبيرة، حتى كدت أشعر أنني محاصر في التفاصيل أمام رجل ليس مستعدًا لإضاعة وقته ووقت بلده. مقابل ذلك، عملت على أن تكون أجوبتي سريعة ودقيقة وواضحة، وكسبت ثقته في أنني أستطيع القيام حقًا بالمهمة التي اجتمعنا من أجلها في تحقيق تطلعات مصر القادمة.

 

بدأ المشير متحمسًا للمشروع الذي عرضته يومها، ثم بدأ يحدثني عمّا تحتاجه مصر، كان ملمًا بتفاصيل كثيرة كأنه يقرأ من كتاب مفتوح، ومع انتهاء الاجتماع ومغادرة المشير قال أحد مساعديه هل تعلم أن اجتماعنا استمر خمس ساعات؟ فقلت بل أربع ساعات وإحدى وأربعون دقيقة، فقال متحمسًا: هل تود أن نستمر في الاجتماع لنبدأ بمناقشة خطط التنفيذ؟ فأجبته معتذرًا أن يمهلني لصباح الغد، إذ رغم النكهة الرائعة لعصير الجوافة الذي لم يغادر طاولة الاجتماع تقريبًا، إلا أنه لن يغنيني بعد الآن عن وجبة غداء ولو صغيرة.

 

وكان ذلك، فاجتمعنا في اليوم الثاني منذ التاسعة صباحًا، وضم اجتماعنا فريقين اثنين على قدر عال من الإيجابية، وتأكدت يومها وعن كثب، من الانطباع غير العادي عن الرئيس السيسي وفريقه.

 

هذا المشير أصبح رئيس مصر اليوم، أما طريقته تلك وأسلوبه، فما زالا كما عرفتهما أول مرة، بل لقد ازدادا رسوخًا ووضوحًا، وإذ يكاد السيسي يكمل عامه السابع رئيسًا لجمهورية مصر العربية، وهي فترة أقلُّ ما يمكن أن يقال فيها إنها "سنوات إنجاز" على مختلف الصعد، الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، استطاع فيها أن يضع مصر على طريق التقدم والبناء، وأن يعود بها، بعد سنوات من الفوضى واللا-استقرار والاستقطاب، إلى أخذ مكانتها المستحقة من جديد، ولعب دورها الفريد عربيًا ودوليًا.

 

على الصعيد الأمني، فإن المشير عبد الفتاح السيسي، هو ابن المؤسسة العسكرية المصرية، ومن المعروف أنها أعرق مؤسسات مصر، وأن الجيش المصري هو أعرق جيوش المنطقة وأكثرها عددًا، ومكافحة الإرهاب ليست بالأمر الجديد بالنسبة للرئيس المصري فقد بدأ بمحاربة التنظيمات المتطرفة منذ أن كان وزيرًا للدفاع، وعندما أصبح الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة، حقق إنجازات كبرى على هذا الصعيد، واستمر بتأدية المهمة بعد توليه دفة قيادة الدولة المصرية، خاصة وأنه وصل إلى الرئاسة في مرحلة دقيقة جدًا من تاريخ مصر، والمنطقة أيضًا، حيث كان تنظيم "الإخوان المسلمين" يستغل حراك الشعوب العربية المطالبة بالحرية والعدالة والأمن والسلام، للوصول إلى السلطة وتحقيق أهداف "الإسلام السياسي" المشبوهة.

 

لقد كان وصول شخص مثل عبد الفتاح السيسي إلى سدة الرئاسة المصرية استجابة لثورة الشعب المصري على هذه الجماعة، وعلى كل ما تمثله من تطرف، وعلى منظومة التحالفات التي كانت تريد إدخال مصر فيها، والمبنية فقط على نهج الإسلام السياسي التوسعي، وتغليب مصالح الجماعة وحلفائها الخارجيين على مصلحة مصر والمصريين العليا.

 

 

 

ورغم هذا التحدي الملح الذي واجهه السيسي قبيل ومع وصوله إلى الرئاسة، لم يغفل الرجل عن وجود تحدٍ آخر لا يقل أهمية أو إلحاحًا وهو تحدي إعادة بناء الدولة، سياساتها وعلاقاتها الدولية، اقتصادها وبناها الاجتماعية والتنموية.

 

قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال استقباله للرئيس السيسي في أيلولسبتمبر 2019، إن الأخير نجح في تحقيق النظام والأمن داخل البلاد منذ توليه السلطة، ونشر منتدى فالداي الحواريّ الروسي، مقالًا لإحدى خبيراته تقول فيه إنَّ السيسي: «قد دفع العلاقات المصرية الروسية إلى مستوى غير مسبوق من الشراكة الاستراتيجية»، أما وكالة أنباء "شينخوا" الرسمية الصينية، فقد صرحت بأن «مصر، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تشهد استقرارًا سياسيًا وأمنيًا ونجاحًا اقتصاديًا وتنمويًا، وذلك بعد مرور عشر سنوات على "ثورة 25 يناير" 2011».

 

تكتسب هذه الآراء وغيرها مصداقيتها من واقع الفعل والإنجاز على صعيد مصر، فلقد استطاع الرئيس السيسي أن يوسع مروحة الدعم الدولية للدولة العريقة لتشمل، إلى جانب الولايات المتحدة، العديد من الشركاء الرئيسيين، بما في ذلك دول الخليج العربي وإسرائيل وروسيا والصين وفرنسا وإيطاليا، معيدًا إنتاج صورة موثوقة ومرحّب بها لمصر على الساحة الدولية، تضمن أن تفك مصر طوق عزلتها الذي نتج عن صعود الإسلام السياسي فيها، ليعيد بوادر المستقبل المشرق للأجيال الشابة في مصر، خاصة على الصعيد الاقتصادي.

 

لقد بدأ الرئيس المصري سلسلة من المشاريع العملاقة منذ وصوله إلى السلطة، من بينها مثلًا توسعة قناة السويس بقيمة 8 مليارات دولار وإحداث عاصمة إدارية جديدة خارج القاهرة... واستطاعت الدولة المصرية، بفضل الإصلاحات الجريئة التي تمت في عهد الرئيس السيسي، تحقيق طفرة في معدلات النمو الاقتصادي، وصلت إلى 5.6% عام 2019، مقارنة بـ 1.8% خلال عام 2010 – 2011، مرتفعة من 3% عندما أدى السيسي اليمين الدستورية كرئيس في 2014، لتكون ثالثة الترتيب العالمي، بعد الصين والهند، في قائمة "الإيكونومست" الدورية لدول العالم بحسب معدلات النمو الاقتصادي. كذلك، انخفض التضخم إلى 2.7% في تشرين الثانينوفمبر 2019، وهو أدنى مستوى منذ ثورة 2011.

 

نفذت مصر أيضًا أكبر موازنة عامة في تاريخها للعام المالي 2019 2020 حيث وصل حجم نفقاتها إلى 1.6 تريليون جنيه بزيادة 150 مليار جنيه عن موازنة 20182019. ورغم الضائقة العالمية التي سببتها جائحة كوفيد-19 الناتج عن فيروس كورونا المستجد، إلا أن مصر حافظت على نمو اقتصادي جيد بمعدل 3.8% العام الماضي.

 

في المقابل، يدرك الرئيس السيسي العقبات التي تقف في طريقه، والتحديات الماثلة أمامه على الصعيد الاقتصادي، فهو يعلم أن مستويات الفقر في البلاد مرتفعة مثلًا، وأن معدلات البطالة بين الشباب المصري عالية، لكنه يعمل لتغيير هذا الواقع على الأرض، ويمكن تلمّس ذلك على سبيل المثال في سلسلة "المؤتمر الوطني للشباب" وهو فكرة السيسي التي أولاها كل اهتمامه، فعُقدت دوراته السابقة برعايته وحضوره، وبمشاركته النشطة في أغلب قضايا جدول أعمال المؤتمر.

 

 

 

وعلى صعيد مواز، لا يضيّع السيسي أي فرصة للتواصل مع شعبه، فيطلعهم دائمًا في المقابلات والخطابات واللقاءات عن التطورات الجديدة وحتى التحديات، فهم شركاؤه في العمل، ولا يمكن له بلوغ أهدافه بدونهم. وفي دراسة نشرها المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، تتبعت تغريدات الرئيس السيسي على تويتر لستة أشهر متواصلة، وجدت أن خطابه بالعموم تضمن واحدة على الأقل من الأفكار الأربع الآتية:

1. الثناء على الشعب المصري لما يحققه من إنجازات، لكن مع التأكيد على ضرورة التغلب على الاختلافات الدينية والاجتماعية والأيديولوجية للحفاظ على هذه الإنجازات.

2. إرادة المصريين تضفي الشرعية على قرارات الرئيس. وهو يعمل من أجل مجتمع أكثر شفافية وانفتاحًا من خلال محاربة الفساد ومناقشة المشاكل الحالية بصراحة مع المواطنين.

3. البنى التحتية والاستثمارات الأجنبية هي مفاتيح دفع عجلة التنمية الاقتصادية. ويهدف الرئيس إلى توسيع فوائد النمو الاقتصادي لجميع المصريين، وخاصة الشرائح الأضعف في المجتمع.

4. هناك قوى جبارة، بما في ذلك الجهاديون الدوليون، تعمل على إخراج مستقبل مصر عن مساره. لا يمكن مواجهة هذه القوى إلا بالحفاظ على الوحدة الوطنية ومن خلال الدعم الشعبي لقوات الأمن.

 

بالفعل هناك قوى جبارة تتربص بمصر، وفي طليعتها الإخوان المسلمون ودول الإسلام السياسي التي تدعمهم، لكن الجيش المصري متنبه، وقد طمأن السيسي شعبه مرارًا بأن جيش مصر "قادر على الدفاع عن الأمن القومي داخل وخارج حدود الوطن". لكن، ورغم ذلك، لا تزال القيادة السياسية مصممة على تقديم صورة لمصر باعتبارها الدولة التي تسعى إلى السلام، والمستعدة للتوسط في حل الصراع في المنطقة، والداعمة لاتفاقات السلام بين العرب وإسرائيل وتشجيع الفلسطينيين أنفسهم على المضي بهذا الطريق، ودعوتهم إلى تبني النموذج المصري لصنع السلام من أجل التوصل إلى حل وسط يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي التنمية والازدهار. ولهذا يؤكد الرئيس المصري دائمًا على الصلة المباشرة بين السلام والرفاه الاقتصادي، ويدعوا الجميع إلى اتخاذ المبادرة لنشر رسالة السلام بكل الوسائل المتاحة لهم: كالإعلام والفن ووسائل التواصل الاجتماعية وغيرها.

 

لقد قامت السياسة المصرية منذ استلام السيسي رئاسة البلاد على تسعة مبادئ أساسية، هي: الانفتاح – الشفافية والحوار الشعبي العام - شمولية البناء في جميع الميادين (الاقتصاد والسياسة والفن والثقافة والتعليم) – قوة الدولة من قوة مؤسساتها – الحد من التكاليف الزائدة ومحاربة الفساد - دعم التعليم في المدن والقرى - اقتصاد منفتح ومتعدد – قوة المؤسسة العسكرية – المستقبل مرهون بالشباب.

 

يعرف الرئيس المصري وإدارته السياسية أن مصر هي التاريخ الذي يسجل أسماء رجاله، وأن الحفاظ عليها رسالة إنسانية عامة، وأن حمايتها واجب وأمانة، خاصة وأنها اليوم على شفير الدمار بسبب خوارج العصر الذين لا يريدون الخير لمصر ولا لأهلها، لذلك لم يكن أمام السيسي من بدّ سوى اتباع أسلوب الحزم والعزم والصدق والصراحة، لتستطيع مصر مواجهة أزماتها والانطلاق في مضمار التنمية والتطور على خطى طريقة "السيسي" التي يقود بها الرئيس البلاد اليوم، معتمدًا منهجية خاصة ومختلفة بالمقارنة مع زعماء مصر السابقين، وصادف لاحقًا أن قرأت كتابًا بعنوان البوتنية، يتحدث عن نهج الرئيس فلاديمير بوتين في إدارة الدولة الروسية، وتخليصها من الفساد وبراثن المافيا التي كانت تتحكم في مفاصل البلاد، لينقلها من حالة الفقر والفوضى إلى حالة الاستقرار واستعادة مكانتها كقوة عالمية عظمى، ووجدت تشابهًا كبيرًا بينهما، فكل من الزعيمين كان متأثرًا بمنهج الفيلسوف العربي ابن خلدون الذي يرى ان إدارة الشؤون السياسية في الدولة يجب ان تهدف لتحقيق مصالح أفرادها وسعادتهم.

 

روى لي أحد الأصدقاء منذ فترة ليست بالبعيدة أنه سأل الرئيس السيسي عن مدى رضاه عمّا أنجزه خلال سنوات حكمه، فأجاب بلهجة أبناء البلد المحببة: (إنجازات إيه؟ دحنا لسّا يا دوب بنبدأ)، ووضح لي أنه لا إجابة على هذا السؤال قبل أن تتحقق على الأرض البنية التحتية الصلبة، والبيئة الاستثمارية المنافسة، وتحسين الدخل الشهري لكل المصريين، وإقرار نظام التأمين الصحي المتكامل، والنظام التقاعدي العادل. ولذلك أصر أن معركته ستبقى مستمرة لأجل مصر، وأنه لن يشعر بالإنجاز إلا عندما ينال جميع المصريين حقهم من الراحة والاستقرار والرفاهية، وحين يصبح الشباب المصري قادرًا على الريادة والإبداع وقيادة عجلة التطور، وقادرًا على تمثيل مصر للمنافسة على الصعيد العالمي، تبسمت حينها لأني أعرف جوابه مسبقًا.

 

واليوم، يجتمع المصريون خلف قيادتهم وهدفهم الدولة المكتملة الأركان، وتحقيق أهدافها في السياسة والاقتصاد والمجتمع، لتعود مصر القوية إلى محوريتها في معادلات الشرق الأوسط والعالم العربي، وتستعيد دور الوسيط القادر على حل الأزمات واجتراح الحلول وبناء السلام في المنطقة، فينعكس تاريخها الموغل في القدم وإرثها الحضاري العريق نموًا وتطورًا، لتعود "أم الدنيا" بعد كبوتها "أمًّا للدينا" من جديد.