الأسس المنطقية في القرار القضائي

اليمن العربي

 يبحث علم المنطق في مبادئ وقوانين التفكير، التي تعتمد على المعاني ومعاني المعاني، لأنه لا تفكير دون معانِ، والتفكير بطبيعته يعتمد على جمل؛ وبين علم الدلالة الذي يعتمد على جمل، لتكون العلاقة بينهم وثيقة، وفي مجال القضاء عندما يستخلص القاضي من الواقعة المعروضة عليه، لتحديد حكم القانون، فأن تلك المهمة تتم وفقا لنشاط فكري منظم يرد للمنطق السليم الذي يوضح تبرير اقتناع المحكمة بالواقعة، ومن مستلزمات أخراج الفكر القانوني المعبر عن قناعة المحكمة هي اللغة الصحيحة السليمة المعبرة عنه؛ لاتصال ذلك برصانة الحكم القضائي الذي يرتكز بنائه على الفكر الخصب واللغة الفصيحة.

أن العلم بقواعد المنطق من أهم مستلزمات القاضي في بناء الفكرة والنتيجة السليمة، ويمارس الفكرة من خلال حدود العقل  في التفكير التي تستلزم المنطق في مظاهر الاستدلال التي يقوم بها. أن قواعد المنطق في القرار القضائي تتكون من قاعدتين ونتيجة تترتب عليهما، الأولى : قاعدة كبرى تتمثل في النص القانوني الذي تخضع له الواقعة، والثانية: قاعدة صغرى تتمثل في أثبات الواقعة محل الدعوى، والمحصلة المتمثلة بالنتيجة التي تكون حاصل تطبيق القانون على الواقعة، وصحة القرار القضائي متوقفة على أعمال هاتين القاعدتين وتلك النتيجة؛ من خلال النشاط العقلي الفكري المنطقي الذي يبذله القاضي والذي تقوده إلى التطبيق القانوني الملائم مع الواقعة بعد تكييفها بصورة تتفق مع قواعد المنطق والعقل التي كونت النتيجة في حكمه.

   وللمنطق القانوني أهمية كبيرة في ميدان العمل القضائي يصفها أستاذنا الدكتور محمود السقا قائلاً " أن القاضي عند تطبيقه للقانون لا يجد نفسه أمام نصوص تحتاج إلى مجرد التفسير أو التطبيق، وإنما يصادف مجموعة من الوقائع يتوقف على تحديدها اختيار القاعدة القانونية الواجبة التفسير والتطبيق، وإذ يختلط القانون بالواقع يصبح الأمر محتاجا إلى ممارسة نشاط من قبل القاضي يتصف بالمنطق وفيه فصل الخطاب".

والقاضي لديه مجموعة من القواعد المنطقية يعملها في فهمه للواقع في الدعوى المعروضة عليه نبينها بالآتي:

1-         اعتماد الاستدلال الاستقرائي لفهم الواقعة وتقدير الأدلة، وهي الدراسة الجزئية للواقعة والأدلة المحيطة بها، بحيث يتم تجزئة الواقعة إلى عناصرها القانونية والمادية المختلفة.

2-         استعمال الاستدلال الاستنباطي لغرض استنتاج النتائج الصحيحة من الدعوى، المتفقة مع حقيقتها، المتولدة من الأدلة التي أستقرأها القاضي، بحيث تتولد آراء متداخلة ومتعددة، يبني أساسها اقتناع القاضي من خلال حكمه الصادر بمنطق الدعوى وظروفها.

3-         الابتعاد عن التحريف والتأويل، ويكون بالتزام القاضي بما ورد بالأوراق المقدمة في الدعوى، وعدم البناء على عبارات فضفاضة وواسعة وغير محددة.

4-         النتيجة المنطقية بين أسباب القرار ومنطوقة، بمعنى أن تكون النتيجة التي توصلت إليها المحكمة في حكمها،  المستخلصة من الواقعة والأدلة، التي اعتمدتها أو أهدرتها، تقود إلى نتيجة صحيحة وفق قواعد المنطق والتدبر العقلي للأمور.

5-         إجراء موازنة بين الأدلة وبين المعطيات والظروف والعناصر المادية المتوافرة في الدعوى؛ لتكوين حقيقة مبنية على العقل والمنطق، منشأها أوليات الدعوى، لتكتمل فيما بعد أسس الاستدلال القضائي صحيحة في بناء النتيجة المترتبة عليها.

ختاما: أن اعداد القرارات القضائية وبنائها بناء صحيح، من حيث القاعدة والنتيجة، بشكل يحسم الدعوى بقناعة طرفي النزاع؛ لابد من مراعاة قواعد المنطق أنفا وتوظيفها داخل مراحل الدعوى بشكل لا يتعارض مع منطق العقل وأسس الاستدلال الصحيحة.