سجل أسود من القمع بعد مسرحية إنقلاب 2016 بتركيا

عرب وعالم

اليمن العربي

تركيا بعد مسرحية انقلاب 2016 لم تعد أبدا كما كانت قبل هذا التاريخ الذي شكل مرحلة حاسمة تفصل بين حقبتين، وتكتب إحداثيات قاتمة لسجل حقوقي تجاوز حده الأدنى بسبب انتهاكات نظام الرئيس رجب طيب أردوغان.

 

ففي تركيا هناك رقابة صارمة على الإنترنت ومحطات التلفزيون ووسائل إعلام المعارضة، حتى باتت مجرد تدوينة عبر مواقع التواصل كفيلة بالزج بصاحبها في السجن.

 

وبلا سابق إنذار، وجد آلاف الأتراك أنفسهم وراء القضبان بتهم ملفقة، وأطرد مئات الآلاف من وظائفهم الحكومية، وتجاوزت حملة القمع مدبري الانقلاب المزعوم جميع الخطوط الحمراء، لتستهدف إسكات كل من يعارض أردوغان أو كل من يفكر حتى في انتقاده.

 

4 أعوام مرت على ما تزعم أنقرة أنه محاولة الانقلاب الذي اتخذته ذريعة لتصفية المعارضين وملاحقة المنتقدين، وتضييق الخناق على الشعب، وتكديس الصلاحيات بقبضة أردوغان، عبر اعتماد نظام برلماني أدخل تركيا مرحلة حكم فاشي، على حد تعبير الكاتبة التركية آسلي أردوغان.

 

عملية اتخذها أردوغان مطية لإحكام قبضته على مفاصل الدولة، حيث قفز معلنا حالة الطوارئ، زاعما أن الحادثة مدبرة من قبل أتباع فتح الله غولن، الداعية الإسلامي المقيم بالمنفى بالولايات المتحدة الأمريكية، والرفيق السابق لدرب أردوغان.

 

4 أعوام مرت على المسرحية، قبل أن تعلن السلطات نفسها فاتورة صادمة لملاحقاتها سواء للمعتقلين أو المفصولين، والذين من بينهم ضباط وجنود ومواطنون عاديون.

 

ففي يوليو تموز الماضي، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، حصيلة عمليات الملاحقة منذ محاولة الانقلاب، مشيرا إلى أنها طالت نحو 600 ألف شخص.

 

وقال صويلو إنه تم شن أكثر من 99 ألف حملة أمنية، واحتجاز وتوقيف أكثر من 282 ألف شخص بتهم الارتباط بالانقلاب، لافتا إلى أن عدد سجناء محاولة الانقلاب تجاوز 25 ألف شخص.

 

كما أعلن اتخاذ إجراءات قانونية بحق أكثر من 597 ألف شخص، بينها فصل أكثر من 15 ألف جندي وضابط في الجيش بتهم الاشتراك بمحاولة الانقلاب، في أرقام مريعة وإن تظل دون الحصيلة الحقيقية، وفق المعارضة.

 

المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أدانت تركيا، اليوم الثلاثاء، لحبسها مؤقتا، في 2016، عشرة صحفيين معارضين من صحيفة "جمورييت" بتهمة الاشتباه بترويجهم لمنظمات تصنفها السلطات التركية "إرهابية".

 

 وفي قرارها، اعتبرت المحكمة التي تتخذ من ستراسبورغ مقرا لها، أن "الحبس المؤقت المفروض على مقدمي الشكوى في إطار إجراءات جنائية بحقهم، يشكل تدخلا في ممارسة حقهم في حرية التعبير".

 

ولا يعتبر موقف المحكمة الأول من نوعه، إذ يثير اعتقال أنقرة لصحفيين أتراك وأوروبيين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان من المستقلين والتابعين لمنظمات دولية استنكارا حقوقيا واسعا، خصوصا أن جميع التهم الموجهة للمتهمين تدور بفلك "الإرهاب" أو "الانقلاب" أو "الانتماء لغولن".

 

لجنة حماية الصحفيين الدولية وصفت تركيا بأنها ثاني أكثر مكان يتم فيه قمع وترهيب الصحفيين في العالم بعد الصين.

 

وفي تقرير لها، قالت المنظمة المستقلة إن تركيا سجنت 48 صحفيا حتى عام 2019، في وقت ينتظر فيه عشرات إن لم يكن مئات الصحفيين غير المسجونين محاكمة أولية أو استئنافا للحكم، فيما صدرت أحكاما غيابية بحق آخرين ممن حالفهم حظ الفرار خارج البلاد، لكنهم يظلون مهددين بالسجن حال عودتهم.

 

رغم الانتقادات والإدانات، إلا أن أردوغان يواصل سياسته لقمع جميع الأصوات التي تجرؤ على انتقاده، حتى باتت تركيا في عهده سجنا مفتوحا، تعاني فيه "أرواح مكسورة" من الاضطهاد والظلم والقهر.

 

"الأرواح المكسورة وتركيا الصامتة".. برنامج عرض في سبتمبر أيلول الماضي، أعدته منظمة أمريكية لحقوق الإنسان، ولاقى اهتماما كبيرا حول العالم.

 

 البرنامج استعرض شهادات أتراك ممن عانوا من ظلم أردوغان، وروايات مؤلمة لضحايا سجنوا أو اضطروا للهروب من تركيا، علاوة على ما حصل لمدرسين اختطفهم جهاز المخابرات التركي وأعادهم قسرا إلى البلاد، إضافة إلى حكايات أسر عبرت الحدود بشتى الطرق هربا من الاعتقال.

 

شهادات صادمة أظهرت الوجه الخفي والبشع للسياسات التركية تجاه المواطنين، والقائم على توجيه اتهامات تكاد تكون نفسها، مع تغيير بسيط قد يشمل تفاصيل معينة وفق الشخص المستهدف، وهي الإرهاب.

 

والإرهاب في تركيا لا يعني تنفيذ تفجيرات أو هجمات انتحارية كما قد يتراءى للمرء، لكنه يشمل آليا أحد الأمرين: فإما إلصاق تهمة الانتماء لـ"منظمة فتح الله جولن"، وإما الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني، والذي تسميه أنقرة منظمة "بي كا كا"، وتصنفه تنظيما إرهابيا.

 

انتهاكات خطيرة جعلت من ملف حقوق الإنسان في تركيا إحدى العقبات الرئيسية أمام انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، حيث يجزم متابعون أن الخروقات الجسيمة المسجلة بهذا الصدد بددت آخر آمال أنقرة بالانضمام للتكتل الأوروبي، خاصة مع تأكيد البعض أن حقوق الإنسان لا وجود لها في تركيا في ظل نظام أردوغان.