ما هي الأسباب والسيناريوهات المتوقعة للصراع الداخلي في إثيوبيا؟

عرب وعالم

اليمن العربي

تبدو الأزمة الداخلية التي تواجه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، نتاج الفيدرالية الإثنية التي اتخذت كإطار منظم لشكل الدولة الإثيوبية منذ سقوط النظام العسكري عام 1991، وإقرار الدستور عام 1995 الذي نص على مبدأ الفيدرالية الإثنية وقسَّم الشعب الإثيوبي إلى 9 مجموعات إثنية رئيسية، مع ضمان حق الولايات في تقرير المصير.

 

تواجه الحكومة الإثيوبية بقيادة آبي أحمد، تمرداً في إقليم التيجراي الذي سيطر على السلطة من 1991 حتى عام 2012 بشكل فعلي من خلال تولي ميلس زيناوي السلطة، ومن تلك الفترة وحتى 2018 بشكل غير فعلي عبر تولي هايلي مريم ديسالين رئاسة الوزراء، وهو المقرب من التيجراي، والذي اعتمد طوال فترة رئاسته للحكومة على ترسيخ سيطرتهم بالسلطة باعتباره يسير على نهج معلمه زيناوي، فضلاً عن سعيه لتثبيت أركان حكمه بالحصول على دعمهم في قراراته.

 

على النقيض، جاء وصول آبي أحمد إلى السلطة في 2018 بعد مظاهرات الغضب وتصاعد الرفض الشعبي لديسالين، ليبدأ عهد جديد شهد إقصاء قيادات من التيجراي بمفاصل الدولة لصالح مختلف الجماعات الرئيسية في البلاد، فآبي أحمد المنتمي إلى الأورومو والمتحالف مع الأمهرا، سعى لتحقيق المساواة ولو بشكل نظري بين الجماعات الإثنية المختلفة، تُوِّج بإقالته قائد الجيش ومدير المخابرات ووزير الخارجية بشكل مفاجئ بالتزامن مع قرار المواجهة العسكرية للتيجراي.

 

 

شخصية رئيس الحكومة: لم تكن استقالة هايلي مريام ديسالين على وقع التظاهرات في الشارع والتي قادتها قوميتا الأورومو والأمهرة، وتشكلان نحو ثلث سكان البلاد، سوى محاولة لتهدئة الأمور التي دفعت لحصول رئيس الوزراء آبي أحمد، على أغلبية أصوات الائتلاف الحاكم بالبلاد والذي يضم 4 أحزاب رئيسية؛ هي: الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، والحركة الديمقراطية لقومية الأمهرا، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا، وجبهة تحرير شعب التيجراي.

 

 

لكن آبي أحمد فور وصوله إلى السلطة عمد إلى تحقيق جزء من رؤيته في العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين الأقاليم الإثيوبية المختلفة بعد سنوات استأثر فيها التيجراي بالعوائد الاقتصادية المرتفعة؛ وهو ما ظهر ليس فقط في تولي مناصب قيادية بالدولة والائتلاف الحاكم والرتب العليا بالجيش؛ ولكن أيضاً في المزايا الاقتصادية التي تراجعت نسبياً.

 

حاول آبي أحمد، فور وصوله إلى السلطة، العمل على حل المشكلات المتراكمة لسنوات بشكل سريع؛ وهو ما دفعه لاتخاذ قرار بالإفراج عن سجناء الرأي، بعد أسابيع قليلة من توليه رئاسة الحكومة، فضلاً عن تغييرات واسعة بقيادات الجيش والمخابرات؛ وهو ما لم يلقَ قبولاً في أوساط التيجراي الذين شعروا بالتهميش في العهد الجديد، ووجهت إليهم أصابع الاتهام في محاولة الانقلاب الفاشلة خلال يونيو 2019، والتي أسفرت عن اغتيال رئيس الأركان الإثيوبي على يد حارسه الشخصي.

 

 

خلال الشهور الثلاثين التي ترأس فيها آبي أحمد الحكومة، ظهر وكأنه يريد إعادة صياغة العلاقات بين القوميات الموجودة في الاتحاد الفيدرالي. صحيح أن التحالف بين الأمهرة والأورومو تعزز بوجوده على رأس السلطة وقراراته؛ لكن في المقابل اختلت التوازنات بين النخب الحاكمة، خصوصاً لدى التيجراي الذين باتوا يشعرون بتحجيم دورهم بصورة أكبر من أي وقت مضى.

 

 

الخلافات التاريخية: لم يكن توقيت تفجُّر الصدام والمواجهات المسلحة بين إقليم التيجراي والحكومة المركزية في إثيوبيا سوى جزء من أزمة متصاعدة ومتراكمة؛ لكن التوقيت يبدو مرتبطاً برفض رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تشكيل حكومة انتقالية مع بداية الشهر الجاري؛ حيث انتهت فترة ولايته، بينما أُرجِئت الانتخابات النيابية التي ستحدد شكل الحكومة الجديدة، والتي كان يفترض إجراؤها في أغسطس الماضي، إلى عدة أشهر؛ بسبب أزمة فيروس كورونا، في وقت لم يُحدد فيه الموعد النهائي لإجراء الانتخابات حتى الآن.

 

لكن الصراع المستجد والذي يحمل في ظاهره صراعاً بين الحكومة المركزية والإقليم، يرجع أساسه إلى الصراع التاريخي بين قوميتَي التيجراي والأمهرة، والذي برز بشكل واضح بعد سقوط الإمبراطورية عام 1974، واستمر لسنوات اتَّهمت فيه الأمهرة التيجراي بالسيطرة على بعض المقاطعات التابعة لها.

 

 

الصراع بين الأمهرة والتيجراي، دفع الأخيرة لدعم بعض العرقيات محدودة العدد وتعيش داخل إقليم الأمهرة؛ من بينها عرقية “قيامنت” التي تطالب بحكم ذاتي داخل الإقليم؛ وهو ما تحقق بالفعل تحت ضغط موجة العنف التي منحت فيامنت حكماً ذاتياً من خلال تكوين منطقة إدارية تشمل 69 قرية، إلا أنها لم تتشكل بسبب مطالب قيمانت بأن تضم ثلاث مناطق قروية أخرى إلى الحكم الذاتي.

 

لذا فليس مستغرباً الصراع الحادث الآن بين حكومة إقليم التيجراي التي تقول إن الحكومة الفيدرالية برئاسة آبي أحمد، تقوم بإجراءات غير دستورية تجاه القوات المسلحة والميزانية وتتهمها بمحاولة إضعاف قوات الدفاع الوطني المتمركزة في الإقليم، معتبرةً أن رئيس الحكومة لم يعد يتمتع بأية سلطة شرعية مع انتهاء فترة ولايته.

 

أما رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، فحصل على موافقة البرلمان الإثيوبي لحل الحكومة المحلية في إقليم التيجراي وتعيين حكومة محلية بديلة، متهماً الحكومة المقالة باستهداف قوات الجيش الإثيوبي، معلناً إطلاق عملية عسكرية محدودة لاستعادة النظام في المنطقة، حسب تعبيره، تبعها قرار بإقالة قائد الجيش ومدير المخابرات ووزير الخارجية، في خطوة عكست حجم المعارضة الموجودة من داخل الحكومة الفيدرالية والجيش لقرارات آبي أحمد.

 

 

بقرار رئيس الوزراء الإثيوبي التوجه نحو المواجهة المسلحة للتعامل مع التمرد الحادث في الإقليم، فإن هذا القرار يدفع نحو سيناريوهات عدة؛ أبرزها:

 

الحسم العسكري: من خلال تمكن قوات الجيش الإثيوبي الفيدرالي لمواجهة قيادات التمرد بوجه الحكومة المركزية والعمل على تمكين الحكومة الجديدة التي تمت تسميتها من البرلمان، لتقوم بمباشرة عملها؛ وهو أمر لن يكون سهلاً في ظل الشعبية التي تتمتع بها قرارات الحكومة المقالة، فضلاً عن قرارات الإقالة الأخيرة التي عكست حالة من عدم التوافق في التوجه نحو هذا الخيار.

 

تعميق الأزمة: قد يؤدي قرار المواجهة العسكرية إلى تعميق الأزمة وزيادتها؛ ليس فقط لتزايد احتمالات المعارضة داخل الجيش الإثيوبي لتنفيذ قرارات رئيس الوزراء باعتبار أن بعض قيادات الجيش تنتمي إلى التيجراي؛ لا سيما بعد قرارات إقالة الجيش ومدير المخابرات، وقد يقوم عسكريون آخرون في رتب قيادية بتأييد الاعتراض عندما يُطلب منهم ذلك علناً؛ ولكن أيضاً للأسلحة الموجودة مع القوات في الإقليم، والتي ستمكن القوات حال اتخاذ قرار الاشتباكات العسكرية من التحرك والاشتباك؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى إيقاع مئات القتلى من الجانبَين ويهدد استقرار الدولة ووحدتها.

 

تحقيق التوافق: وهو السيناريو الأقرب حال نجاح جميع الأطراف في إعلاء مصالح الدولة على الأهداف الشخصية؛ وهو أمر تشير جميع الدلائل إلى أن حدوثه لن يكون قبيل وجود اشتباكات عسكرية تنتهي بمفاوضات يقدِّم فيها كل طرف تنازلات من أجل تحقيق التوافق، وهي تنازلات ربما تدفع آبي أحمد الساعي للبقاء على رأس الحكومة الاتحادية، لتقديم تنازلات عديدة.

 

 

 

على الرغم من نجاح الجماعات الإثنية المتصارعة على السلطة في صياغةِ دستور فيدرالي للدولة؛ فإن هذه الجماعات، والتي يصل عددها إلى 85 جماعة إثنية، لم تنجح في تحقيق الاندماج الوطني؛ وهو ما ارتبط بشكلٍ واضح بضعف قدرة الأنظمة الإثيوبية المتعاقبة على إدارة المجتمع التعددي بشكلٍ يحقق التراضي لجميع الأطراف.

 

ومن ثمَّ، فإن الأزمة الحالية بين التيجراي والحكومة المركزية هي واحدةٌ من عشرات الأزمات التي تواجه المجتمع الإثيوبي داخلياً، والتي أسفرت عن وجود نحو مليونَي لاجئ داخل البلاد بسبب الصراعات الإثنية التي دفعتهم ليعيشوا في ظروف إنسانية صعبة.