كيف يدافع أردوغان عن الرسول ويسيء له ؟

عرب وعالم

اليمن العربي

كشفت وسائل إعلامية عن كيفية إساءة أردوغان للرسول والدفاع عنه في نفس الوقت.

 

عندما أيقن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهزيمة حزبه في الانتخابات قبل أكثر من عام استغل مذبحة مسجدي نيوزيلندا، وحين خطط لغزو ليبيا، لجأ إلى استنباط فتاوى تظهر احتلاله على أنه "حرب مقدسة"، بل إن بعض مؤيديه أوصلوه لمرتبة الأنبياء.

 

آخر هؤلاء هو الصحفي التركي المقرب من بلاط الحكم هولكي جيفيز أوغلو.

 

ففي تصريح يترجم جنون العظمة لدى مؤيدي الرئيس التركي، قال جيفيز أوغلو في أحد البرامج التلفزيونية التركية، قبل نحو عامين، إن "النبي محمد لو جاء اليوم وأسس حزبا لن يكون بمقدوره أن يأخذ أصواتا أكثر من أردوغان"، على حد زعمه.

 

وبعضهم جعل من مساندة أردوغان فرض عين على كل مسلم، وشبّهوا حرمة الوقوف ضده كحرمة الهارب من الحرب.

 

أما عندما أدرك أن شعبه الجائع جراء سياساته الفاشلة بات قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، وظف الدين لتهدئة الداخل التركي وتخديره، شاهرا ورقة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.

 

واليوم، يقود حملة شرسة ضد فرنسا، حاشدا لمقاطعة منتجاتها، مستندا إلى ذات الخطاب المزدحم بمزايدات إعلامية ظاهرها "نصرة الدين" وباطنها مآرب سياسية تنحصر في الضغط على باريس الرافضة للانتهاكات التركية الصارخة في البحر المتوسط.

الدين للثأر من فرنسا

 

واهم من يعتقد أن الحملة التي يقودها أردوغان ضد فرنسا نابعة من غيرته على الإسلام، أو من تمسكه بالدفاع عن المقدسات الدينية، فالرجل لم يعنه يوما من الدين سوى ما يحققه له من مكاسب سياسية ومادية.

 

فما حصل هو أن الرئيس التركي انقض على تصريحات نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بهدف تصفية الحسابات، على خلفية تصاعد الخلافات بينهما منذ أغسطس/آب الماضي، تاريخ إجراء باريس مناورات عسكرية بحرية في مياه شرق المتوسط بجانب السفن اليونانية، لتوجيه إنذار للتحركات التركية.

 

مناورات أشعلت غضب أردوغان الذي شن هجوما لاذعا على ماكرون، لكن يبدو أن تصريحاته حينها لم تطفئ لهيب الحقد الكامن، خاصة أن تاريخ العداء بين الجانبين يعود لسنوات عدة، حيث لم تكن باريس مطلقا متحمسة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، كما أنها اعترفت في 2001، بإبادة الأرمن، وهو ما أثار جنون أنقرة.

 

حيثيات تشي بأن التجييش الذي يقوده أردوغان حاليا ضد فرنسا، ودعواته لمقاطعة منتجاتها، لم يكن بدافع الغيرة على الإسلام، وإنما تجارة بعواطف المسلمين، واستخدام الدين مطية لضرب هذا البلد الأوروبي والانتقام منه لمواقف عديدة مناوئة لأنقرة.

 

تخدير الداخل

 

أردوغان المأزوم داخليا وخارجيا بسبب سياساته العدائية ودكتاتوريته، يدرك جيدا أن اللعب على وتر الدين ورقة رابحة في كل الأحوال، ولذلك يشهرها كلما شعر بأن الغضب الشعبي بلغ درجة غليان تهدد بالانفجار.

 

وهو أيضا من وظّف الخطاب الديني لتخدير شعبه، وفرض على مفتيه رفعه لمرتبة الأنبياء، حيث زعم مفتي تركيا السابق إحسان أوزكس أنه لو كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حيا لزار قصر أردوغان.

 

 وقال أوزكس، في تغريدة عبر تويتر: "فكرت اليوم لو كان سيدنا محمد على قيد الحياة بيننا، هل كان يدخل القصر الأبيض في أنقرة؟ وشعرت هذا المساء عندما كنت بالقصر أنه كان سيدخله حتما، لأن هناك علامات كثيرة من السنّة النبوية الشريفة".

 

ولم يقتصر الأمر على ذلك، إنما جاهد مفتو أردوغان من أجل تقديم فتاوى بلغت حد دعوة الأتراك إلى ضرورة القبول بأوضاع البلاد المتردية، وبجوعهم وحاجتهم، وغياب العدالة، بزعم محاربة "أعداء الإسلام".

 

وقالو: "طالما نحن في حرب فلا يجوز الشكوى من غياب العدالة، فالسلطات قد تفشل في تحقيق العدل وتنحرف عن الطريق الصحيح وتبتعد عن الصدق وتتعرض للتدهور، ولكن لا يجوز الشكوى عن كل ذلك إذا كان سيتسبب في منح ذرائع للعدو".

 

فتاوى على مقاس أردوغان تطلب من الناس قبول الظلم والقمع بذريعة الحروب الخارجية التي يقودها رئيسهم على المسلمين في سوريا وليبيا والعراق، هناك حيث يقتل ويشرد ويسحل تحت عناوين كاذبة.

 

لعبة سياسية

 

في مارس/ آذار 2019، بدا أن حزب أردوغان يترنح في الانتخابات البلدية، وأيقن أن البساط بدأ ينسحب من تحت أقدامه تدريجيا، وحينها كانت مذبحة مسجد كرايست شيرش بنيوزيلندا تشكل الحدث، فانتهز الفرصة للتلاعب بمشاعر الأتراك المسلمين لأهداف انتخابية، للظهور على أنه حامي حمى المسلمين والخليفة المزعوم.

 

وقبل أسبوع من الاقتراع، أعلن أنه سيحول متحف آيا صوفيا إلى مسجد، ولمّح إلى أن الأخير سيصبح عقب الانتخابات متاحا للعموم مجانا على غرار المسجد الأزرق.

 

ولم يكتف بذلك، إنما صرح في أكثر من مرة برغبته في تشكيل جيل متدين يؤمن بالثقافة العثمانية ويتغلب على الأفكار الغربية، كما ألغى حظر الحجاب بالمؤسسات الحكومية، وتلاعب بالمناهج التعليمية بهدف دمغجة الناشئة.

 

غطاء للاحتلال

 

أما خارجيا، فكان لابد أن يوظف أردوغان الخطاب الديني ليكون غطاء لعملياته العسكرية، في نهج مألوف لدى التنظيمات الإرهابية، وصور نفسه على أنه حامل لواء الخلافة، والمسؤول عن نصرة المسلمين في العالم وخلاصهم من الاضطهاد والظلم، والساعي لتطبيق الشريعة الإسلامية.

 

صورة مركبة تضج رياء يحاول بثها مخفيا أن محركه الأساسي في كل ذلك هو ما يجنيه من مكاسب مادية وسياسية سواء في سوريا أو ليبيا أو شرق المتوسط أو حتى في إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان.

 

ولوضع اللمسات النهائية على مخطط أردوغان، صور رئيس الهيئة الدينية التركية، علي أرباش، التدخلات العسكرية لأنقرة خارج البلاد على أنها "حرب مقدسة" تتطلب دعمها بالدعاء وقراءة القرآن.

 

ودعا أرباش، في تغريدة سابقة عبر تويتر، جميع المساجد التركية إلى قراءة "سورة الفتح" كل يوم في صلاة الصبح، وذلك طوال فترة إحدى العمليات العسكرية شمالي سوريا، في تضمين واضح لمفهوم "الفتح" في الدين الإسلامي، واستقطاب الدعم الشعبي للاحتلال التركي.

 

وفي ليبيا، برر أردوغان تدخله في هذا البلد الغني بالثروات الطبيعية بالقول إن طلب مليشيات طرابلس المساعدة من الحكومة التركية "حق شرعي لا غبار عليه لأن تركيا دولة مسلمة وليبيا دولة مسلمة.. ونؤيد حكومتنا فيما تقوم به لأن من بنود هذه المذكرة نصرتنا على عدو صائل لا حقَّ له فيما يقوم به"، في إشارة إلى الجيش الوطني الليبي.