تشاووش أوغلو في مالي.. بحثًا عن "سراج جديد" يخدم أطماع أردوغان

عرب وعالم

اليمن العربي

كشفت تركيا، في الأيام الأخيرة، عن بعض أوراقها ضمن مسلسل مخططاتها التوسعية، عقب زيارة وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو المثيرة للجدل إلى دول غرب أفريقيا التي بدأها من مالي. 

 

زيارة لم تحتج وفق المراقبين إلى انتظار نتائجها لفهم مقاصدها ودلالاتها في هذا التوقيت خاصة بعد الانقلاب العسكري على حكم إبراهيم أبو بكر كيتا.

 

وأكد خبير أمني جزائري لبوابة "العين الإخبارية" الإماراتية، أن "زيارة تشاووش أغلو إلى مالي غرضها عن سراج جديد يحكم مالي وينفذ أجنداتها" كما فعلت ما تعرف بـ"حكومة الوفاق" غير الدستورية التي يرأسها فايز السراج، بعد أن استدعت الغزو التركي وسحمت لأنقرة بنهب ثروات الليبيين ورهنت سيادتهم للرئيس التركي رجب أردوغان.

 

واستبق أوغلو زيارته إلى باماكو باعتراف صريح عن "أجندة للتدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد الأفريقي"، إذ ذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية التركية قبل أن تحط قدما مسؤولها الأول بدولة مالي بأنه "سيجري مباحثات حول عملية الانتقال السياسي".

 

بيان كان كافياً ليفضح حقيقة المخطط التركي التوسعي الذي يشمل منطقتي الساحل وغرب أفريقيا، وما جولته التي قادته أيضا إلى غينيا بيساو والسنغال المجاورتين لمالي، إلا دليل على طبخة مسمومة جديدة تحضرها أنقرة لدول المنطقة، وفق ما أكده خبير أمني جزائري.

 

ولم يتوان وزير خارجية أردوغان عن إطلاق تصريحات تؤكد وجود نية مبيتة ضد دولة مالي عندما زعم أن "أنقرة تقف مع الشعب المالي" عقب لقائه أعضاء المجلس العسكري ومسؤولين من الاتحاد الأفريقي، ما طرح تساؤلات حقيقية حول علاقة تركيا بالأزمة المالية، وسر اهتمامها المفاجئ بمصالح الماليين.

 

وهي "العبارة ذاتها التي لطالما رددها نظام أردوغان" خلال ما عرف بـ"الربيع العربي"، ليتبين دوره المفضوح في دعم جماعة الإخوان الإرهابية في عدد من الدول العربية لفرضها أنظمة جديدة في المنطقة تخدم أطماعها وترهن سيادة دولهم لأنقرة.

 

ولم يكن موقف أنقرة من الانقلاب العسكري في مالي بالحدة ذاتها التي عبرت عنها مختلف دول العالم وبينها جيرانه، واكتفت فقط بالتعبير عن "قلقها وحزنها لما يحدث في مالي"، وهو ما أثار الشكوك حول دور مشبوه لمخابراتها في انقلاب الأوضاع بهذا البلد الأفريقي.

 

أطماع اقتصادية

 

صحيفة "فاينانشيال أفريك" نشرت تقريراً عن دوافع زيارة وزير الخارجية التركي إلى مالي، مؤكدة أن أردوغان "يبحث عن نفوذ اقتصادي"، مشيرة في السياق إلى تكثيف المسؤولين الأتراك في الأشهر الأخيرة زياراتهم إلى الدول الأفريقية، مع تركيزهم على "الدول الناطقة بالفرنسية".

 

وأعطت الصحيفة أبعاداً أخرى لسر الاهتمام التركي بمنطقة غرب أفريقيا بما فيها مالي، بينها "محاولة فك العزلة التي فرضتها عليها باريس ضد أطماعها في شرق المتوسط عقب نشر فرنسا قوات بحرية في المنطقة وإعلانها استعدادها مساعدة اليونان للوقوف في وجه الأطماع التركية، ما دفع أردوغان إلى التراجع دون أن يتخلى عن طموحاته".

 

وأقرت الصحيفة المهتمة بالشؤون الأفريقية بحقيقة الأجندة التوسعية لنظام أردوغان، واصفة إياها بـ"الاستراتيجية الجيوسياسية والأيديولوجية التي تعكس رغبته في استعادة الإمبراطورية العثمانية".

 

وهو المخطط الذي قالت إنه "جمع بين إثارة المكون الديني" في إشارة إلى تنظيم الإخوان الإرهابي وتحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، وأطماعه فى ثروات ليبيا بهدف الوصول إلى منافذ أفريقية.

 

أما سر زيارة وزير الخارجية التركي إلى السنغال وغينيا بيساو، فقد أشارت صحيفة "فاينانشيال أفريك" بأن نظام أنقرة "يسعى لربط علاقات وثيقة مع الرئيس الجديد لغينيا بيساو سيسوكو أومبالو والاعتماد على نظيره السنغالي ماكي سال" بهدف "تقديم دعم غير صريح للانقلابين في مالي".

 

وربطت الصحيفة المواقف الأخيرة للرئيس السنغالي والتي اعتبرتها "متساهلة" مع العقوبات التي فرضتها مجموعة غرب أفريقيا على مالي عقب الانقلاب العسكري، وأشارت إلى "استعمال داكار خطاباً دبلوماسياً مع جيران مالي لتخفيف العقوبات عنه".

 

وخلصت الصحيفة في تقريرها إلى أن زيارة مولود تشاووش أوغلو إلى مالي تؤكد وجود مؤشرات على "بداية رسم خريطة جيوسياسية وجيواستراتيجية جديدة في منطقة الساحل والصحراء".

 

بداية التمدد التركي في الساحل

 

وقال الخبير الجزائري في الشؤون الأمنية وشؤون الإرهاب علي الزاوي إن ما أوردته الصحيفة الأفريقية، بشأن زيارة تشاووش أوغلو يؤكد "توغل تركيا في مالي وفق خطة استراتيجية جديدة، من بين أهدافها نقل صراعها مع فرنسا إلى منطقة الساحل وغرب أفريقيا".

 

وأوضح الزاوي، المكلف بالشؤون الأمنية والسياسية والعضو في "هيئة الأزواديين الدولية"، في حديث لـ"العين الإخبارية" عن "وجود معلومات مؤكدة عن ارتباط الزعيم الديني المالي محمد ديكو الذي قاد الحراك الشعبي ضد حكم كيتا بالنظام التركي، وسط تصاعد للمد الإخواني في دول غرب أفريقيا، وهدفه الاستيلاء على الحكم في تلك الدول".

 

وكشف عن "مساع تركية للتأثير على المجلس العسكري الحاكم في مالي من خلال استعمال ورقة ضغط تتمثل في محمد ديكو التابع للتنظيم العالمي للإخوان وفق معلومات مؤكدة".

 

وأشار علي الزاوي إلى مخطط تركي مشبوه في مالي بعد لقاء المخابرات التركية مع أعضاء متطرفين من حركة الأزواد، مؤكداً بأن ذلك "كان تمهيداً لحشر أردوغان أنفه في مالي، والأحداث التي أعقبت ذلك الاجتماع السري تؤكد الدور التركي فيما يحدث حاليا بهذا البلد الأفريقي".

 

تشويش على الدور الجزائري

 

وخلال زيارة وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، الأسبوع الماضي، إلى أنقرة، أكدت تقارير إعلامية عن "وجود خلافات بين البلدين حول التدخل التركي في مالي وليبيا، وأن بوقادوم نقل امتعاض الجزائر من تنامي دور أنقرة في المنطقة بشكل يهدد أمن الجزائر".

 

وقام وزير الخارجية الجزائري، الشهر الماضي، بزيارة إلى مالي، وهي الزيارة التي أكد خبراء ومتابعون بأن تهدف "إلى إنقاذ مالي من تكرار سيناريو المأساة الليبية وسقوط الدولة المالية في يد الجماعات الإرهابية بشكل يهدد كل المنطقة".

 

وهي المعطيات التي أكدها الخبير في الشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب، إذ كشف عن أن "تلك الأخبار أكثر من مؤكدة، وأن زيارة أوغلو إلى مالي جاءت للتشويش على الدور الجزائري الذي يبقى عائقاً أمام أطماع أردوغان، والكل يعلم أن كثيرا من القوى تلعب في الساحل، وتركيا تحاول جاهدة لعزل الجزائر عن الأزمة الليبية والوضع في مالي ومنطقة الساحل".

 

استنساخ تجربة "الوفاق" الليبية

 

وأشار الخبير الأمني علي الزاوي بأن "المخطط التركي الاستراتيجي الجهنمي للتوسع في غرب أفريقيا بدأ من ليبيا التي كانت بمثابة البوابة لتنفيذ المخطط الأكبر، عبر وقوفها وراء التيارات الإخوانية في هذه الدول، وما الدعم التركي للمتشددين الإخوان في مالي إلا دليل على بداية الفوضى في المنطقة كما حدث في دول عربية، وتسعى لإيصالهم إلى الحكم في مالي وهي الأحداث التي تسارعت بعد اللقاء السري الذي جمع المخابرات التركية بأعضاء متطرفين من حركة الأزواد".

 

وكشف عن "بداية ظهور مؤشرات نوايا محمد ديكو للوصول إلى الحكم كما حدث في نيجيريا، والمعلومات المؤكدة بعد التطورات الأخيرة مراهنة الماليين على بقاء المجلس العسكري لإدارة المرحلة الانتقالية".

 

وأشار الزاوي إلى أن "النظام التركي يتاجر أيضا بالمطالب المتصاعدة في منطقة الساحل ضد التواجد الفرنسي".

 

كما كشف عن "وجود معلومات مؤكدة عن سعي تركيا لتكرار اتفاق الصخيرات في مالي بفرض قيادة إخوانية في هذا البلد الأفريقي مستغلة حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني كما فعلت في ليبيا من خلال حكومة فايز السراج".

 

واضاف أن "تركيا لعبت دورا في فرض الإخواني السراج خلال مفاوضات الصخيرات وعزل الأطراف الرئيسية في المشهد الليبي وكان ذلك بتواطؤ تركي، ليفتح السراج المجال أمامها للتدخل العسكري في ليبيا، وهو السيناريو ذاته الذي تهدف لتكراره في مالي".

 

ولفت إلى أن "زيارة وزير الخارجية التركي الأخيرة إلى مالي تندرج في إطار البحث عن منفذ لذلك السيناريو، مستغلة في ذلك قلة خبرة المجلس العسكري في التعامل مع الوضع الداخلي".

 

وأضاف أنه "عقب ما شهدته مالي لا نستبعد تكرار نفس السيناريو في دول غرب أفريقيا للإطاحة بالأنظمة الحاكمة، وهو ما تعمل عليه أنقرة وتستغله كذريعة للتوغل أكثر بتحريك جماعة الإخوان الموالية لها في تلك الدول".