مشالي ووحدين أطباء الغلابة

اليمن العربي

صدمت اليوم بخبر وفاة الطبيب الانسان أحد أعظم وأنبل وأوفى الناس خليفة الله في الارض معالج الفقراء منذ اكثر من خمسين عام ، يصطف المئات امام عيادته يوميًا ويعالجهم، لا يملك سيارة ولا هاتف خلوي وبيته متهالك ومع ذلك استمر بعمله الخيري وكان يردد (عاهدت الله ألا آخذ قرشًا واحدًا من فقير وسأبقى في عبادتي أساعد الفقراء إلى أن يتوفاني الله) كررها عندما جاء له غيث ببرنامجه الشهير ومعه عقد عيادة جديدة قال ( مش هتنقل من هذه العيادة الى ان يتوفاني الله ،وكمل كلامه وهو بيقول: انا متشكر وجميلك على راسي من فوق لكن انا مش عايز.. وبعد محاولة غيث انه يساعده بشتّى الطُرق رفض الدكتور محمد المساعدة وفسر فلسفته بالحياة بعبارة بسيطة العيادة دي في منطقة شعبية وفيها ناس غلابة وانا "بخدم الغلابة" وانا بتقرب الى الله بالعمل الخيري ومش محتاج حاجة من حد.. والشي الوحيد الذي قبل به السماعة التي قدمها له غيث.. قبلها وقال دي كفاية دي لم استطيع عندما شاهدت الحلقة ان امنع العبرة من المرور بحلقي ما هذا الانسان الذي تعالي علي كل شي وزهد في الدنيا بمحبة بلا رياء ولا طمع .

اي اخلاص واي مصير جميل ينتظر هذا الرجل الذي يعتبر محبة الناس تكريم له الذي يساند الفقراء ويعيش حياتهم مخلصا محبا لا يقبل الا ان يكون انسانا بكل معاني الانسانية التي انزلت في الكتب السماوية تصالح مع نفسه وتصافي واوضح انه ليس بحاجة لاحد ولا ينتظر شي مما يعمله الا مرضاه الله فلا جاه ولا سلطة ولا نفوذ ولا ينتظر حتي الجزاء من الله فهو مؤمن مؤقن من عداله الله، يعمل  فقط علي مساعدة من يحتاج الي مساعدته.

حزني اليوم بوفاته ذكرني بوفاة احد الامثلة الانسانية التي لا انسي فضله، ومثلي الالاف الدكتور انيس وحدين ذلك الانسان الصادق الذي يماثل عطائه ونهجه في الحياة للدكتور محمد مشالي، فكان طبيب اطفال مميز ادخل السعادة في نفوس الكثيرين، وانقذ حياه الكثيرين وغير من مصيرهم استمر في عطائه رفض المناصب ،و استقال منها ليتفرغ لرسالته الانسانية كانت عيادته في اعلي عمارة بالشارع الاول بالقرب من سوق الصيد القديم يطلع علي سلمها المتهالك كل يوم ،وكانت تمتلي ويجلس الناس علي الدرج بانتظار دورهم وبالرغم من العدد الكبير لم يكن يخرج حتي ينتهي من كل الموجودين .

ولا توجد لدي كلمات يمكن ان تصف  استقباله للمريض وذويه وكيف يتودد لهم ويعطي تعليماته في طرافة ويكررها لكي لا تنسي لا يبالغ بالفحوصات يقوم بفحص الطفل المريض بعناية اب حنون وباخلاص متقن، ولا يطلب اي فحوصات الا ما كان ضروري جدا ان تطلبت الحالة زرته عشرات المرات ،ومعي اطفالي الي عيادته وكنت اطمئن في وجوده ومساندته ساعدني كثيرا ادخل في نفسي السعادة والاطمئنان .

تعرض لوعكة صحية شديدة اثرت عليه، واصابته بشلل جزئي واثناء فترة تغيبة عن العيادة عانيت كثيرا بسبب مرض ابنتي تنقلت عند اكثر من طبيب وذقت مرارة الفحوصات والادوية المكثفة بلا نتيجة ،وكم كانت فرحتي عندما وصلني خبر عودته للعيادة ،وانتقلت فورا الي عيادته وكان مكتظة كعادتها والبشر والسعادة في عيون كل الموجودين ،وبالاستقبال ابن عمي مساعدة اشرف باراس  رايت عيناه تنطق فرحة وسعادة مثلنا جميعا ،ورغم الاعباء التي نحملها بسبب مرض ابنائنا الا اننا شعرنا بالامان ووجدت الدكتور انيس  مستبشرا رغم ما مر به وبجانبه طبيب شاب يستعين به ويعلمه ،و كانت الازمة الصحية اثرت عليه الا انه بالرغم من هذا يتثاقل علي نفسه ويطلع السلم الطويل ويستعين بالطبيب الشاب لكتابة الوصفات الطبية ويستمر بعطائه بالرغم من كل ما يحمله من الم .

وفاتني ان اذكر ان قيمة الكشف رمزية اقل طبيب في الجمهورية اليمنية  كلها وياتي اليه العشرات من الارياف لا ياخذ منهم اي مبلغ بل يقوم باعطائهم ادوية من عنده وانا اذكر عندما احضرت ابنتي وعرضت عليه الفحوصات والادوية وشرحت له ما مررت به اصر ان اخذ دواء من عنده بالرغم من توافره بمحبه .

الدكتور مشالي والدكتور وحدين امثلة علي ان الانسانية ما زالت باقية واننا وبالرغم من هذا الزخم والحياه الرتيبة التي نطلق عليها تجاوزا معاصرة الا انه يوجد امل في الحياة ،والقيم الانسانية الاصيلة تنتصر دوما فلا مجال للياس ووسط الظلام الدامس لابد من وجود مثال ملهم يبدد وحشة الظلمة وقسوتها ،مرت بالعالم ازمة عالمية وقبلها حروب وكانت الانسانية والمبادئ السامية هي المنتصرة دائما واليوم توفي احد الامثلة الحية التي يتمني كل سوي ان يصل اليها الا ان عطاء الانسان لاخيه الانسان لا ينتهي ولن تنتهي الحياه بل ستستمر ويبقي دائما الذكر الطيب اليوم تمر سنة ونصف كذلك علي وفاة الدكتور انيس وحدين ولكن لا زلنا نذكره دوما بالخير ولم يبقي لنا الا الدعاء له وللدكتور محمد مشالي بان يغفر الله ذنوبهم ويرحمهم ويتقبل منهم اعمالهم الصالحة ويدخلهم فسيح جناته .