وحاج .. منعته الكورونا قانونًا

اليمن العربي

وتتوالى تبعات تأثيرات فيروس كورونا؛ فها هو موسم الحج يُلغَى لأوَّل مرة في التاريخ الحديث، وللمرَّة الحادية والأربعين عمومًا، بعدما أُلغِيَ الحجُّ -بحسب المؤرخين- أربعين مرَّة قبل ذلك؛ لأسباب منها السياسي: كالاضطرابات وعدم الاستقرار، ومنها الاقتصادي: كالغلاء الشديد، ومنها الصحي الأمني: كانتشار الأوبئة والأمراض؛ مثل تفشي التيفويد، والتهاب السحايا، والكوليرا لعدة سنوات تفشيًا شديدًا انتشرت معه جثث الموتى من الحجيج، ولم يتسنَّ الوقت لدفنهم، وتزايدت الوفيات في عرفات، وبلغت ذروتها في منى؛ حتى أنه في عام 1871م تحديدًا، وعلى إثر موت ألف حاجٍّ يوميًّا بسبب هذا الوباء، اضطرت مصر إلى إرسال الأطباء وإقامة حجر صحي؛ وبالطبع تندرج جائحة كورونا تحت هذه الأسباب الصحية الأمنية.

فلقد أعلنت السلطات المختصة بالمملكة العربية السعودية مؤخَّرًا أنَّ تنظيم حجِّ هذا العام كان من بين الإجراءات الاحترازية التي اتُخذَتْ لمواجهة فيروس كورونا، وقررت لضمان سلامة الحجاج وتمكينهم من أداء فريضة الحج في جوٍّ صحي- وبعد تشاورها السابق مع منظمة الصحة العالمية- أن يجري حج هذا العام لعدد "محدود جدًّا"، قيل إنه ربما ألف شخص تقريبًا -بحسب وزير الحج السعودي- من المواطنين والمقيمين على أراضيها من مختلف الجنسيات، ممن هم دون 65 عامًا ولا يعانون من أيَّة أمراض مزمنة، وسيخضع هؤلاء لفحص فيروس كورونا قبل وصولهم إلى مكة المكرمة، كما سيُطلَب منهم الحجر المنزلي بعد عودتهم من أداء الحج.

ووازى ما سبق أنْ فرضت المملكة العربية السعودية غرامة قدرها 10 آلاف ريـال يُلزَم بها أي شخص طبيعي يدخل إلى مشاعر منى، أو مزدلفة، أو عرفات بلا تصريح في الفترة الزمنية من 28 ذي القعدة 1441 وحتى نهاية يوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة، وفي حال تكرار المخالفة تضاعف الغرامة.

وبالنظر في دواعي هذه التدابير الصحية الممزوجة بالقانونية والشرعية التي كانت وراء القرارات السابقة؛ فقد كان في مقدمتها: استمرار مخاطر هذه الجائحة، وعدم توفر لقاح للوقاية منه حول العالم، وحفاظًا على الأمن الصحي العالمي؛ صونًا لسلامة الحجاج، وتحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية، خاصة مع ارتفاع معدل الإصابات العالمي، وفي ظل سرعة انتشار الفيروس بين التجمعات البشرية التي يصعب توفير التباعد الآمن بين أفرادها بالنظر لما تفرضه شعيرة الحج في حدِّ ذاتها، وعدم تعطيل هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.

ومما يلاحظ على الإجراءات الاحترازية الصحية السعودية المستظلة بالغطاء القانوني المذكورة: اتفاقها مع ما جاءت مواثيق حماية حقوق الإنسان الدولية مؤكدةً عليه؛ وبالتحديد في مادتها الخامسة والعشرين، التي كفلت لكل شخص الحق في مستوى معيشي صحي له ولأسرته، وفي الوصول إلى الرعاية الصحية، وحظر التمييز في تقديم الخدمات الطبية، وعدم الإخضاع للعلاج الطبي دون موافقة المريض، وغيرها من الضمانات المهمة.

بالإضافة إلى اتفاقه مع ما حرصت منظمة الصحة العالمية على إقراره من أهمية الالتزام بالأمن الصحي العالمي حال وجود حالات طوارئ صحية لديها تتجاوز في أضرارها حدود هذا البلد المتضرر، وإلزامها بالإفصاح عنها بسرعة وبصراحة، وهو ما يحمل في مضمونه توجيهًا للدول الأخرى بأن تتخذ احتياطاتها وتحمي شعوبها، والبلد المتضرر في ذلك يُعلي اعتبارات الأمن الصحي العالمي والصالح العام على سيادته الوطنية.

وبالنظر في ردود الأفعال الدولية على قرار السلطات السعودية تنظيم موسم الحج بالضوابط السابقة؛ فلقد تباينت ردود أفعال المجتمع الدولي عليه؛ ففي الوقت الذي أشادت بعض المنظمات والمؤسسات والأفراد بالقرار؛ كمنظمة الصحة العالمية، ورابطة العالم الإسلامي، وهيئة حقوق الإنسان السعودية، والمجلس العالمي للتسامح والسلام، وشيخ الأزهر الشريف، وبعض هيئات الإفتاء ببعض الدول؛ كمجلس الإمارات للإفتاء، ووزارة الأوقاف العمانية، وغيرهم بقرار السعودية لإقامة الحج هذا العام بأعداد محدودة، ظلَّت الحسرة الممزوجة بالتفهم هي موقف البعض الآخر، حتى تعالت الأصوات الداعية لإنشاء "مجلس دولي" لإدارة أمور الحج، بل وطالبت بعض الجهات المعنية، بل والأفراد، بأهمية إقدام المملكة العربية السعودية على إشراك الدول الإسلامية كافة في اتخاذ "قرار جماعي" بشأن الحج.