عالم فضاء يروي معاناته في سجون تركيا 

عرب وعالم

اليمن العربي

روى عالم في وكالة ناسا الأمريكية للفضاء يدعى سركان غولجي قصة معاناته في سجن تركي، بعدما أوقف وهو في طريقه قبل نحو 4 سنوات إلى المطار للعودة إلى الولايات المتحدة بعد عطلة عائلية في تركيا.

وكان المواطن الأمريكي سيركان غولجي عالم وكالة ناسا، في حالة اندهاش في يوليو 2016، بعد 8 أيام من محاولة الانقلاب الفاشلة للإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث أخبرته الشرطة بأنها تلقت بلاغا من مجهول بأنه يعمل لصالح وكالة المخابرات الأمريكية، وأنه جزء من جماعة إرهابية متهمة بتدبير المؤامرة.

ووفقا لصحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية، استغرق الأمر 4 سنوات، ولم يعد غولجي وعائلته إلى هيوستن سوى الأسبوع الماضي، حيث عاش كابوسا تضمن احتجازه لمدة 3 سنوات في الحبس الانفرادي عندما أصبح ورقة مساومة في سلسلة من النزاعات رفيعة المستوى بين الحكومتين التركية والأمريكية.

وفي أول مقابلة له منذ وصوله إلى منزله، وصف غولجي محنة اتهامه وإدانته بممارسة الأنشطة الإرهابية أنها أصدرت بناء على أدلة واهية.

وبحسب ما نقله موقع إرم نيوز، توفر رواية غولجي نظرة نادرة على الآلية القضائية التركية من وجهة نظر المدعى عليه، بعد أن اُتهم حوالي 70 ألف شخص في المحاكم التركية في قضايا الانقلاب الفاشل، خاصة أن معظمهم فضلوا التزام الصمت خوفا من انتقام تركيا حتى بعد إطلاق سراحهم.

 وألقت حكومة أردوغان باللوم في محاولة الانقلاب على فتح الله غولن، وهو رجل دين مسلم يعيش في بنسلفانيا، وبعد وقت قصير من الانقلاب، بدأت وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة تتهم الحكومة الأمريكية بالوقوف وراء المؤامرة، مشيرة إلى أنها كانت متحالفة مع غولن.

وبالنسبة لغولجي، الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الفيزياء وعمل ككبير علماء الأبحاث في مركز جونسون الفضائي التابع لوكالة ناسا، فإن كونه مواطنا أمريكيا كان كافيا ليُفترض أنه مذنب.

وروى غولجي: ”قال لي المحامي في مرحلة ما إنني أناسب المعايير، ولا يهم حقا إذا كنت بريئا أم لا، لن يطلقوا سراحي“.

وبعد 14 يوما، مثل غولجي أمام قاض أخبره أن الشرطة عثرت على دولار أمريكي في منزل والديه، والتي زعمت السلطات التركية أنها علامة على الانتماء إلى حركة غولن، التي صنفت آنذاك جماعة إرهابية.

وبالفعل تم احتجاز غولجي في سجن عام جنوب تركيا، إلى جانب ضباط عسكريين رفيعي المستوى وقضاة ومدعين عامين، وقال له بعضهم إنهم محتجزون دون أي دليل على الإطلاق.

وفي أغسطس أُرسل غولجي إلى سجن في بلدة الإسكندرونة، حيث عاش مع 32 رجلا في زنزانة مصممة لـ8 رجال فقط، ونام على بطانية على الأرض وسرعان ما أصيب بالتهاب الشعب الهوائية.

وفي غضون شهر، نُقل إلى الحبس الانفرادي وواجه اتهامات بمحاولة إسقاط الحكومة والدستور، والتي يعاقب عليها القانون بالسجن مدى الحياة، وتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية، والتي يحاكم عليها بالسجن لمدة 15 عاما.

وقال غولجي: ”كنت أفكر أنني انتهيت ولن أخرج أبدا، كنت أنهار نفسيا وبكيت كثيرا، وكانت الزنزانة صغيرة جدا وبالكاد تدخلها أشعة الشمس، وكان الحراس يخرجونني ساعة واحدة فقط في اليوم، وبقيت في تلك الزنزانة الصغيرة، لـ3 سنوات“.

وأصر غولجي طوال المدة على أن الأدلة التي قدمها المدعون الأتراك لم تكن كافية لإدانته، وتبين أن البلاغ المجهول صادر من أحد أقاربه يحمل ضغينة ضد شقيقته، والذي اعترف فيما بعد أنه لا يعرف ما إذا كانت ادعاءاته صحيحة.

واستند المدعون إلى أدلة أخرى، واعترف غولجي بأنه يناسب معايير عضو محتمل في حركة غولن، حيث كان قد درس في جامعة الفاتح، التي كانت واحدة من أبرز مدارس غولن، وحصل على منحة دراسية لدراسة الفيزياء هناك، وكان يتعامل مع بنك أسيا، الذي كان جزءا من شبكة شركات غولن، إلا أنه أشار إلى أن ذلك لا يرقى إلى جريمة.

وسأل غولجي: ”كيف يمكن إدانتي بدولار وإخبارية مجهولة وحساب مصرفي؟ كيف يكون هذا إرهابا؟ وبالطبع لم يستطع أحد أن يبرر الأمر، لكنني أعتقد أن هذه هي طريقة عمل القوانين والمحاكم في تركيا“.

وأدان غولجي محاولة الانقلاب ويقول إنه لا علاقة له بحركة غولن، وقال: ”أنا لست جزءا من هذه المنظمة، وآسف جدا على الأشخاص الذين فقدوا حياتهم، هذا شيء غير مقبول، فالعنف ليس حلا أبدا، لطالما آمنت بالديمقراطية، وأعتقد أنها حاليا أفضل حل لدينا“.

ورغم ذلك يقول إن تركيا فوتت فرصة بعدم التعامل بعدل مع محاولة الانقلاب، وبدلا من ذلك، طارد المدعون العامون المتحمسون أشخاصا يتجاوزون بكثير الجناة الفعليين، ودمروا حياة الكثيرين ممن حُكم عليهم بالذنب بالتبعية.

وذكر غولجي سجينا كان معه في الزنزانة، وهو قاض سابق، والذي قال إن الحكومة لا تملك أي دليل ضده، وقال القاضي: ”على الأقل كانت هناك بعض الأدلة الواهية ضدك، أما أنا فلا أعرف لماذا تم اعتقالي“.

وفي ساحة التمارين الرياضية تحدث غولجي مع جنرال معتقل قال له إنه عارض الانقلاب ولكن أدين وحكم عليه بالسجن مدى الحياة لأن اسمه ظهر على قائمة التعيينات التي أجراها مدبرو الانقلاب.

وشرح غولجي: ”لو حاكمت تركيا المسؤولين فقط بدلا من محاكمة مئات الآلاف من الأبرياء، لخرجت الديمقراطية التركية من هذا العمل الفظيع أقوى بكثير“.

وبالتدريج، ومع ضغط المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم الرئيس ترامب لإطلاق سراحه بسبب نقص الأدلة، تم تخفيض التهم الموجهة إلى غولجي، وفي نهاية المطاف، أُدين بمساعدة منظمة إرهابية، وتم تخفيف الحكم في الاستئناف.

وقال غولجي إنه شعر بأن القضاة الأتراك يعرفون أن القضية ضده مزيفة، لكنهم اضطروا إلى إبطاء العملية، وأضاف ”شعرت أنهم خائفون من شيء ما“.

وأُطلق سراح غولجي من السجن في مايو 2019، وفي أبريل من هذا العام سُمح له بمغادرة البلاد، ولكن حينها كان قد تم نقله إلى المستشفى وهو يعاني من قرحة المعدة، وتسبب وباء كورونا في إغلاق خطوط السفر الجوية.

وتفجرت الضغوط التي تراكمت لمدة 4 سنوات لدى كوبرا زوجة غولجي وطفليه البالغين 4 و10 أعوام، عندما تم سحب غولجي جانبا عند مراقبة جوازات السفر واحتجز لمدة 40 دقيقة.

وقال غولجي: ”بدأت زوجتي والأطفال في البكاء، وحاولت أن أبقى هادئا لأنني كنت أعرف أن ليس لديهم سبب لاحتجازي، لكن أسرتي كانت ترتجف بشدة، وكان ابني يبكي كثيرا، ويمسك بي ويقول: لا يا أبي، ليس مجددا“.

وختم تصريحاته بالقول: ”لن تعود السنوات التي قضيتها في السجن، ولكن هذه هي الحياة، وأحيانا تخسر وأخرى تفوز“.