كيف خسر العرب أكثر من 200 مليار دولار بسبب هجرة شبابهم؟

اليمن العربي

يمثل الشباب العمود الفِقري الذي تستند عليه البشرية في جميع العصور، فهم صلة الوصل بين القديم والحديث؛ فالشباب هم الركيزة الأهم التي يقوم عليها المجتمع فهذه الطاقات تمثل جيلاً واسع المعرفة، مليئاً بالتجدد، توّاقاً للإنجاز، يرتقب فرصته حتى يظهر للعالم ما يملك من إبداعٍ وقدرات. وعلى كاهلهم تقوم نهضة الأمم وحضاراتها، وفي ذلك يقول الشاعر غوته: "يتوقف مصير كل أمة على شبابها".

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يهاجر شبابنا؟

رغم أن مسألة الهجرة تمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ البشرية وذلك بحثاً عن حياة أفضل وسعياً إلى فرص عمل أو بحثاً عن الأمن والأمان إلا أن ظاهرة هجرة الشباب من منطقتنا بعامة والشباب العربي خاصة وبأعداد كبيرة، تجعلنا ندق ناقوس الخطر وذلك لتحليل هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها.

ويبدو لي أن إمكانية تشخيص ومعرفة هذه الأسباب ليس صعباً أو طلسماً لا يمكن معرفته وأسباب ذلك كثيرة أشبعها الباحثون دراسة وتحليلا، ولكن لا بأس من مناقشة بعضها على سبيل المثال لا الحصر؛ ومن هذه الأسباب التي دفعتهم الى الهجرة والاغراب عن أوطانهم معلومة للقاصي والداني منها على سبيل المثال: الصراعات والحروب التي اشتعلت وما زالت تشتعل في منطقة الشرق الأوسط الكبير، الذي تحول إلى ما يشبه الجحيم. فمنذ حقبة الاستعمار الحديث وما بعدها، لم تعرف منطقتنا طعم الهدوء والسكينة، فالأزمات تكاد تشبه مسلسلاً لا نهاية له لذلك ربما لا نلوم شبابنا كثيراً عندما يندفعون في جماعات للهجرة سواء كانت شرعية أو عبر ركوب قوارب الموت التي تحصد أرواحهم، كأنهم استبطنوا في لا وعيهم شعار “نحن وقود الصراعات وحطبها فإلى متى نبقى كذلك؟

أما السبب الثاني الذي لا يقل أهمية عن الأول فهو البطالة التي يعاني منها الشباب والتي تكاد تكون ظاهرة عامة في أغلب بقاع شرقنا المتوسطي ويعود ذلك لعوامل عدة منها: غياب مشاريع التنمية الاقتصادية الكبيرة التي يمكنها استيعاب طاقات الشباب ومن كل الاختصاصات، كذلك تغلغلت ظاهرة الفساد والمحسوبية اللتان أغلقتا الباب في وجه الشباب بحيث إنهم لم يجدوا فرصة عمل تناسب مؤهلاتهم.

 

مجتمعات طاردة أم جاذبة؟

تشير إحصاءات منظمة العمل العربية إلى أن الوطن العربي يساهم بـ31 بالمئة من هجرة الكفاءات، وأن 50 بالمئة من الأطباء و23 بالمئة من المهندسين، و15 بالمئة من العلماء من مجموع الكفاءات العربية، يتوجهون إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكندا، كما أنها تقدر خسائر الدول العربية بنحو (200) مليار دولارا نتيجة هجرة أدمغتها!!

إذن الخسارة فادحة جدّاً على بلداننا، هذا الهدر والنزيف لعقول وأدمغة شبابنا سينعكس سلباً على مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في منطقتنا والتي ستدفع ضريبة ذلك على المدى البعيد بينما سيكون الكاسب الأكبر من عملية الهجرة هي الدول الجاذبة لهذه الكفاءات الشابة التي ضاقت عليهم بلدانهم"الطاردة "بما رحبت.

ولقد أدت احتجاجات ما سمي "بالربيع العربي" عام 2011 وما تلاها إلى نزوح الملايين عن ديارهم والتي شكّل الشباب القسم الأعظم منها، كانت سببا في دفعهم للهجرة إلى دول أوروبا وأمريكا وكندا بحيث خسرت عدة دول عربية كثيراً من شبابها المتعلم من ذوي الكفاءات المهنية والعلمية.

 

ورغم جائحة كورونا التي أوقفت حركة العالم وانتقال الناس إلا أن خطط الشباب في الهجرة ما زالت قائمة، فهم ينتظرون بلهفة فتح المطارات، حتى يغادروا إلى أي مكان يأمنون فيه على أنفسهم ومستقبلهم، وبخاصة في ظل إغلاق الكثير من الشركات والمصانع لأبوابها بسبب الوباء مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في صفوفهم وهو ما ينذر بكارثة اجتماعية واقتصادية في منطقتنا.

إن استمرار تفاقم أزمات منطقتنا إلى ما لا نهاية وبطريقة تكاد تكون عبثية سيفرغ مجتمعاتنا من كفاءاتها المؤهلة، مما سيضعفها ويجعلها رهينة للكفاءات الأجنبية العالية الكلفة والغريبة عن واقع احتياجاتها.

 

الخروج من المأزق

بعيداً عن التنظير الأكاديمي أقول إن معالجة ظاهرة هجرة الشباب من بلدانهم إلى جنة الغرب الموعودة، لا بد أن تدفع عقلاء وصنّاع القرار السياسي في شرقنا الأوسط المنكوب بالأزمات والحروب إلى اتخاذ قرارات عاجلة وحاسمة على صعيد الإقليم برمته، وذلك أولاً: إطفاء كل حرائق المنطقة وعدم المراهنة على "تقطيع الوقت"، لأن قافلة الحياة لا تنتظر أحداً. ثانيا: على صنّاع القرار ومتخذيه أن يبادروا إلى إقامة مشروع تنموي شامل تتوزع فيه المهام والأدوار بحيث يؤدي إلى استقطاب الشباب ومن كل التخصصات وتأمين رواتب مجزية تحقق لهم الأمان الوظيفي والعيش الكريم.

وفي نظري لن يتحقق ذلك الطموح أو الهدف المنشود إن لم نستطع التغلب على مشكلة الفساد وعدم الشفافية؛ وهي الداء الذي يستنزف الطاقات والإمكانات. وللأسف شيوع هذه الظاهرة جعلت الباحث والمستعرب الياباني بواكي نوتوهارا يصف مجتمعاتنا بوصف قاسي قائلاً:

"هم: متدينون جداً... فاسدون جداً"!

إن كل الحلول الترقيعية المؤقتة التي تحاول معالجة مشكلة هجرة الشباب لن تجدي نفعاً -طبعا مع استثناء بعض التجارب الناجحة- إذا لم تتضمن توفير الأمن والأمان والسلم الاجتماعي والنزاهة والشفافية وتحقيق التنمية الشاملة في الشرق الأوسط وخاصة في ظل وجود إمكانات هائلة في منطقتنا وفي كافة القطاعات: كالزراعة (والاراضي الخصبة) وتوفر المواد الخام والأيدي العاملة المدربة...الخ

لذلك كله أسال الحكومات والقطاع الخاص أين التكامل بين دول المنطقة؟ وهل قدرنا أن نظل غارقين في وحل "حرب الكل ضد الكل" أم أنّ هناك بقيّة من أمل؟

نقلاً عن إيلاف