لماذا تصر تركيا على سياسة ترحيل المهاجرين السوريين قسرا؟

عرب وعالم

اليمن العربي

تواصل تركيا سياستها في ترحيل اللاجئين السوريين قسرا أنقرة حيث كشفت السلطات التركية الجمعة أنها قامت بترحيل ما يزيد عن 40 ألف لاجئ، بينهم أكثر من 6 آلاف سوري من إسطنبول.

 

وكانت أنقرة أعلنت إطلاق حملة ضد الهجرة غير الشرعية تستهدف بالاساس اللاجئين السوريين حيث أعادت عددا منهم الى محافظات كانوا قد سجلوا منها.

 

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعلن الأحد عودة 365 ألف سوريٍ إلى ديارهم ومنازلهم في شمال شرق سوريا، في خطوة يروج فيها الرئيس التركي "للمنطقة الآمنة" بعودة طوعية لمئات آلاف السوريين، وهي رواية تناقض واقع الترحيل القسري للاجئين بعد أن استنفذ ورقة ابتزاز الدول الغربية.

 

وحذرت تقارير لمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش من عمليات إخضاع السلطات التركية بالقوة للاجئين السوريين، بهدف توقيع وثائق تفيد بأنهم يطلبون العودة إلى سوريا.

 

وكشفت منظمة العفو الدولية  أن تركيا تتعمد ترحيل السوريين قسريا من على أراضيها إلى بلد مثقل بالحرب، حيث تحدث أعضاء المنظمة إلى لاجئين صرحوا بأن الشرطة التركية اعتدت عليهم بالضرب للتوقيع على استمارة تفيد بأنهم يريدون طوعا العودة إلى أراضيهم، في حين تسعى السلطات التركية إلى القذف بهم في المناطق السورية الغير آمنة والمحتوية على التنظيمات الإرهابية.

 

وتشهد سوريا منذ 2011 عمليات اقتتال بين جيش النظام الأسد ومعارضين له، بالإضافة إلى تواجد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، وهو ما يشكل خطرا جسيما على المدنيين.

 

وفي ذات السياق نقلت 'هيومن رايتس ووتش' قول لاجئين سوريين تم ترحيلهم، "إن موظفين أتراك أجبروهم على توقيع استمارات لم يُسمح لهم بقراءتها، وفي بعض الأحيان بعد تعرضهم للضرب والتهديد، ثم نقلوهم إلى سوريا".

 

وكان أردوغان قد هدد في أكثر من موضع الدول الأوروبية بفتح الأبواب أمام المهاجرين للتوجه إلى أوروبا في حال عدم تقديم المزيد من الدعم الدولي، محاولا ابتزاز الشركاء الأوروبيين واحتواء انتقادات غربية لتدخله العسكري ضد أكراد سوريا، الذين تعتبرهم تركيا "جماعة إرهابية".

ويروج الرئيس التركي "للمنطقة الآمنة" كحل لأزمة اللاجئين من جهة، ولحماية الأمن القومي التركي من جهة أخرى، وهو في الواقع عنوان لأطماع التمدد التركي وتوسعه في سوريا.

 

كما عمل بعد أن أظهر نفسه "كزعيم إنساني"، على تنفيذ مخططاته بإنشاء "منطقة آمنه" في شمال شرق سوريا لينقل إليها اللاجئين المقيمين بتركيا.

ويسعى من خلال ذلك أصلا، لتثبيت أقدامه في سوريا ضمن نزعة توسعية، فقد أعلن ذلك صراحة بعزمه إقامة قواعد عسكرية بالمنطقة.

 

وتريد تركيا طرد ملايين اللاجئين السوريين من أراضيها، بعد أن استخدم ورقتهم في ابتزاز أوروبا ماليا وسياسيا، موظفا ذلك للظهور كزعيم إنساني بالمنطقة.

 

وفي وقت سابق، تطرق الكاتب السياسي في الشؤون الأوروبية بيل فيرتز إلى السياسات المتضاربة التي يتبعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا والتي أدخلت بلاده في حرب مكلفة ومحكومة بالفشل.

 

وكتب في مجلة "أمريكان كونسيرفاتيف" أن أردوغان سعى إلى الحصول على دعم الولايات المتحدة للدفاع عنه في مواجهة تقدم القوات الروسية والسورية تجاه نقاط المراقبة التركية في إدلب.

 

وفي الوقت نفسه، يطلب من موسكو ضرب التحالف بين الولايات المتحدة والقوات الكردية في سوريا. وثبت أن المشي على هذا الحبل المشدود نتيجته قاتلة.

 

أضاف فيرتز أن أردوغان بذل جهداً كي يجر الولايات المتحدة إلى النزاع عبر تهديد أوروبا. لكن الأوروبيين ليسوا ضنينين بالتعامل مع أزمة لاجئين جديدة، وهي أزمة ستنتجها هذه الحرب بشكل حتمي. أعلن أردوغان أنه لن يقوم بمنع 4 ملايين لاجئ سوري من اجتياز الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في اليونان وبلغاريا.

 

وقال أيضاً إن 18 ألف لاجئ تجمعوا على الحدود التركية مضيفاً أن العدد قد يصل إلى 30 ألفاً بحلول أواخر فبراير (شباط). وتحدث أحد رؤساء البلديات في تركيا عن أنه سينظم رحلات مجانية في الباص للاجئين الساعين للوصول إلى الحدود مع اليونان، مما أدى إلى تصعيد التوتر مع أثينا وأنقرة.

 

وكان فيرتز قد كتب مقالاً في المجلة نفسها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد فيه أن الاتفاق الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي مع تركيا سنة 2016 كان خطأ. في مقابل ستة مليارات يورو، تعهد أردوغان إبقاء اللاجئين السوريين داخل الحدود التركية طالما أن بروكسل وافقت على آلية تبادل تمنح اللجوء لعدد مساوٍ من السوريين.

 

في هذا الوقت، تبين أن تركيا كانت تضخم أعداد اللاجئين على أراضيها فيما كانت تسرقهم. الآن، وبما أن اللاجئين باتوا ورقة مساومة مناسبة في جذب انتباه أوروبا، يضع أردوغان الأوروبيين أمام خيارات صعبة.

 

يدعي أردوغان أن تركيا لا تملك القدرة على مساعدة عشرات آلاف اللاجئين إذا سقطت إدلب.

 

ومع مجادلة الأحزاب اليمينية في أوروبا بأن موجات اللجوء لن تزعزع استقرار النسيج الاجتماعي في الاتحاد الأوروبي وحسب بل ستضاعف أيضاً تداعيات انتشار فيروس كورونا، يعلم أردوغان أن بيده ورقة مساومة قيمة. بإمكان بروز موجة لجوء جديدة كتلك التي بدأت في 2015 أن تنتج آثاراً سياسية خطيرة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، بعدما فشلت دوله في صياغة نظام موحد يسمح للاجئين بدخول القارة. ويرى فيرتز أن دخول 30 ألف شخص جديد إلى أوروبا لن يكون سوى البداية.

 

من المؤكد أن تركيا سترسل المزيد من اللاجئين إلى حدودها مع تدهور موقعها في سوريا. ومن غير المرجح أن تقبل دول أوروبا الشرقية والوسطى بالموافقة على نظام جديد لإعادة توزيع اللاجئين، وهذا قد فشل سابقاً. كما من غير المرجح أن تستقبل دول أوروبا الغربية اللاجئين بأذرع مفتوحة كما حصل في 2015. ومع قدوم المزيد من اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، لا يزال عشرات آلاف المهاجرين الذين توجهوا إلى أوروبا خلال بداية الحرب السورية من دون معالجة لملفاتهم. ويحذر فيرتز من أن وقوف أوروبا في وجه تركيا ورفضها لدخول اللاجئين السوريين سينشئ أزمة إنسانية غير مسبوقة. لكنه يقدم الحل.

 

ما يجب على أوروبا فعله وفقاً للكاتب هو فتح طريق أسهل لاستصدار تراخيص العمل للاجئين الذين قدموا إلى أوروبا منذ 2015، إضافة إلى تقديم حوافز للدول المترددة والدول البلقانية غير المنضوية في الاتحاد، كي تستقبل عدداً من اللاجئين بناء على معايير متشددة.

 

من جهة ثانية، وعوضاً عن ترك نفسها تخضع للتنمر من قبل أردوغان الذي يحتجز ملايين الأشخاص كرهائن من أجل توسعه العسكري في سوريا، يجب على الاتحاد الأوروبي إجبار أنقرة على إبقاء اللاجئين في أراضيها، ومن خلال العقوبات إذا لزم الأمر.

 

مع الانهيار المطرد لليرة التركية، ومع اعتماد الأعمال على الصادرات إلى أوروبا، سيواجه أردوغان خياراته الشخصية الصعبة: الالتزام بالمبادئ أو الضربة القاضية في الانتخابات التالية. وختم فيرتز بأن الأشهر المقبلة ستظهر من الذي سيقلب الطاولة على الآخر.