كيف تواجه القارة الأوروبية خطر المحاولات التركية لزعزعة إستقرارها ؟

عرب وعالم

اليمن العربي

عاد النشاط التركي التخريبي في أوروبا إلى الواجهة بعد ظهور تنظيم الذئاب الرمادية المتطرف، ذراع رجب طيب أردوغان، واعتدائه على مظاهرة في قلب فيينا في انتهاك واضح للأمن وقواعد الديمقراطية، ومحاولة لنشر الفوضى .

 

وخلال السنوات الماضية، وخاصة منذ صيف 2016، كثفت التنظيمات التركية الخاضعة كلية لإدارة أنقرة، مثل الاتحاد الإسلامي "ديتيب"، واتحاد "اتيب"، وحركة الرؤية الوطنية "ميللي جورش"، وأخيرا تنظيم الذئاب الرمادية، بالتعاون مع الإخوان الإرهابية، تحركاتها لزعزعة استقرار المجتمعات الأوروبية، ونشر التطرف، والتجسس على المعارضين الأتراك.

 

وذكرت وثيقة للبرلمان الألماني تعود إلى فبراير/شباط 2019، واطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها، أنه "منذ صعود الرئيس التركي لسدة السلطة، تعمل أنقرة على تأسيس منظمات وهياكل في الأراضي الألمانية تعمل على تحقيق هدف أساسي هو محاربة معارضي أردوغان من الأتراك المقيمين في ألمانيا، وفرض رؤيته المتطرفة على المجتمع".

 

وتابعت أن "منذ محاولة الانقلاب (المزعوم) في تركيا يوليو/تموز 2016، ترصد السلطات الألمانية محاولات مكثفة من تنظيمات أردوغان وخاصة ديتيب، لممارسة نفوذ على الأتراك في ألمانيا، والألمان من أصل تركي، وزعزعة استقرار المجتمع".

 

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، حيث تقوم تنظيمات أتيب وديتيب والرؤية الوطنية الخاضعة بالكامل لمؤسسة الشؤون الدينية التركية في أنقرة "ديانيت"، بالتجسس على المعارضين الأتراك والأكراد المقيمين في ألمانيا، وفق الوثيقة ذاتها.

 

ووفق تقرير لصحيفة نويه زوريشر السويسرية "خاصة"، فإن السلطات الألمانية وجهت منذ 2016، تهم التجسس إلى 19 إماما تابعين لاتحاد ديتيب، بعد أن قاموا بالتجسس وكتابة تقارير موجهة للحكومة التركية عن أعضاء في حركة الداعية فتح الله جولن.

 

بل إن التنظيمات التركية دخلت في تحالف مع الإخوان الإرهابية لتشكيل شبكة قوية تعمل لخدمة مصالح نظام أردوغان في ألمانيا، وغيرها، وفق وثيقة للبرلمان الألماني صدرت في فبراير/شباط 2020.

 

ولمواجهة هذا الخطر، قدم حزب البديل لأجل ألمانيا؛ حزب المعارضة الرئيسي، مشروع قرار للبرلمان في 11 فبراير/شباط الماضي، لفرض رقابة قوية على "ديتيب" والإخوان وغيرها من التنظيمات التي تدور في فلك النظام التركي، في ألمانيا من قبل هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية".

 

وقرر البرلمان في 13 فبراير/شباط الجاري، تحويل هذا المشروع إلى لجنة الأمن الداخلي لدراسته واعادته للبرلمان مرة أخرى للتصويت عليه.

 

ويحتاج البرلمان إلى الأغلبية البسيطة (50%+1) لتمرير المشروع، لكن تفشي فيروس كورونا المستجد أدى إلى تأخير عملية التصويت عليه.

 

ولا يختلف الحال في النمسا عن نظيره في الجارة ألمانيا، حيث تلعب منظمة أتيب التي تملك 64 مقرا ومسجدا في عموم البلاد، وأكثر من 100 ألف تابع، دور كبير في ترسيخ الثقافة ونمط الحياة التركي على المجتمع، ونشر أفكارها الدينية المتطرفة، حسب صحيفة كورير النمساوية الخاصة.

 

 ووفق الصحيفة، فإن "أتيب" تعد ذراع أردوغان الطولى في النمسا، وتتلقى تمويلا لأنشطتها ورواتب أئمتها من مديرية الشؤون الدينية التركية، وتعد أيضا ملاذ للمتطرفين في النمسا، ومفرغة لمؤيدي التنظيمات الإرهابية، وتتجسس أيضا على المعارضين الأتراك.

 

وبخلاف هذه المنظمة، يتواجد تنظيم الذئاب الرمادية المتطرف، حيث هاجم مجموعة من عناصره قبل أسبوعين، مظاهرة للأكراد واليساريين كانت تندد بالفاشية، في فيينا، ما أدى لاندلاع اشتباكات بالحجارة وزجاجات المياة، وأحداث شغب واسعة، أصيب خلالها عنصري شرطة.

 

تلك الواقعة، دفعت المستشار النمساوي، سبستيان كورتس، لاتهام تركيا، ببث الفتنة وخلق أجواء تخدم مصالحها الخاصة في النمسا.

 

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، حيث حاول أنقرة، من خلال سفيرها أوزان سيهون، بث الفتنة والشقاق في المجتمع النمساوي، عبر تصريحات اعتبرت على نطاق واسع بأنها "ازدراء للمسيحية".

 

وقال سيهون في مايو/أيار الماضي بعد توزيعه هدايا على أتراك في فيينا بمناسبة شهر رمضان "المسيحيون لا يقومون بمثل ما نفعله هنا"، مضيفا: "في عيد الميلاد (يقصد عيد ميلاد السيد المسيح)، وأنا أقول كلمة عيد الميلاد باللغة الألمانية حتى تفهموا ما أعنيه، يتصرف المسيحيون بأنانية وينسحبون إلى جدرانهم الأربعة ولا يوزعون الهدايا كما نفعل".

 

وأمام هذه التحركات التركية، استدعت وزيرة الاندماج النمساوية، سوزان راب، السفير التركي في فيينا، سيهون، ووبخته وطالبته بالتوقف عن التحريض، وأقر السفير بذلك في تصريحات هذا الأسبوع وقال إنه "تعرض للإساءة".

 

كما فتحت وزارة الاندماج تحقيقا رسميا في واقعة إزدراء المسيحية، ما أسفر عن توصية بوضع كل التنظيمات التركية والإسلامية المتطرفة في النمسا تحت رقابة الاستخبارات الداخلية، وفق تقرير للتلفزيون النمساوي "أو إر أف".

 

وتعمل الحكومة النمساوية الحالية على إنشاء مركز توثيق الإسلام السياسي، على غرار مركز توثيق اليمين المتطرف، يتولى رقابة التنظيمات التركية والإخوان، ورصد تحركاتها، وتوثيق الجرام التي ترتكبها.

 

كما قال السياسي البارز أرمين بليند، عضو برلمان ولاية فيينا النمساوية عن حزب الحرية "شعبوي"، قبل أيام، إنه قدم مقترح لبرلمان الولاية يقضي بوقف التعاون مع التنظيمات التركية والإخوان، وغيرها من التنظيمات المتطرفة، والنأي بشكل كامل عنها.

 

كانت السلطات النمساوية أصدرت قانونا في فبراير/شباط 2019، أصبح نافذا في مارس/أذار من نفس العام، يقضي بحظر شعارات الذئاب الرمادية والإخوان.

 

الخبير النمساوي المتخصص في شؤون جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الإرهابية، روديجر لولكر قال في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إن هناك شبكة قوية في أوروبا تربط نظام رجب طيب أردوغان والإخوان والتنظيمات التركية، وتهدف لتحقيق مصالح أنقرة.

 

وتابع أن هذه الشبكة تمتد من أنقرة، حيث الحكومة التركية، لسوريا، ملاذ العديد من التنظيمات الإرهابية، وفيينا وغيرها من المدن الأوروبية، حيث تتواجد دوائر نفوذ الإخوان والتنظيمات التركية.

 

ولفت إلى أن هذه الشبكة تهدف إلى الضغط على المجتمعات الأوروبية وزعزعة استقرارها، وتحقيق مصالح أنقرة.

 

أما الكاتب السياسي البارز إيرك فري الذي تظهر كتاباته في صحيفة دير ستاندرد، كبرى الصحف السياسية النمساوية، وفقا لـ"العين الإخبارية" إن أردوغان يستغل بوضوح التنظيمات الإسلامية في أوروبا لإعاقة اندماج المواطنين المسلمين، وتحقيق مصالحه السياسية.

 

بل إن الرئيس التركي ينقل صراعاته الخاصة، مثل الصراع مع الأكراد، إلى قلب فيينا وغيرها من المدن الأوروبية، في تهديد واضح لأمن هذه المدن واستقرارها، وفق الكاتب فري.

 

إيرك فري قال أيضا إن "أردوغان يستغل الديمقراطية والمجتمعات المفتوحة وحريات التعبير والتجمع في أوروبا، لنشر تنظيماته وشبكاته في القارة".

 

وتابع: "نظريا، لا تملك الدول الأوروبية حلول لكبح جماح النفوذ التركي في القارة، أو مكافحة النفوذ التركي على الجاليات المسلمة"، مضيفا "العلاقات الأوروبية التركية باتت مثقلة بسبب تحركات أنقرة ومحاولاتها زعزعة استقرار أوروبا".

 

لكنه عاد وقال "من الناحية العملية والواقعية، أنقرة تعرف حدودها جيدا، وتعرف الخطوط التي لا يمكن تجاوزها، لذلك لا أتوقع أن تحاول زيادة نفوذها في أوروبا، أو تكثف عمليات زعزعة استقرار القارة".

 

ووفق صحيفة دي فيلت الألمانية، فإن أنقرة لن تتحرك أبعد من أدوارها الحالية في أوروبا، لأنها تعي تداعيات ذلك الاقتصادية والسياسية التي لا يمكنها تحملها