ما سبب تفشي كورونا وسط الجالية اليهودية في نيويورك؟

عرب وعالم

اليمن العربي

ضرب الفيروس التاجي المستجد "كوفيد-19" الجالية اليهودية الحسيدية في منطقة نيويورك بقوة مدمرة، مما أسفر عن وفاة قادة دينيين بارزين وتمزيق عائلات كبيرة متماسكة، بمعدل يتجاوز معدلات الإصابة وسط المجموعات العرقية أو الدينية الأخرى.

لا تتعقب مدينة نيويورك الوفيات حسب الدين، لكن وسائل الإعلام الحسيدية تفيد بأن عدد وفيات كورونا قد بلغ 700 من أفراد المجتمع في منطقة نيويورك، وخاصة في حي "بورو بارك" المورق، والذي يعج بالمخابز والمحلات اليهودية التي تلبي احتياجات سكان الجالية المحليين.

وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أثبتت الاختبارات إصابة أكثر من 6 آلاف شخص بالفيروس، وكانت منطقة الحي الخامس ذات الكثافة الحسيدية العالية بالمدينة هي الأكثر تضررا، حسب البيانات الصادرة عن المدينة.

وتظهر البيانات أن الأحياء الأخرى ذات الكثافة السكانية الحسيدية الكبيرة، مثل "ساوث ويليامز بيرج" و"كراون هاوس"، لديها أعلى معدلات إصابة في المدينة.

وتقول مجموعات الجالية إنها استعدت للوباء، من خلال اتباع إرشادات الدولة والسلطات الفيدرالية، والتي كانت استجابتها للأزمة بطيئة وغير متسقة في بعض الأحيان.

إلا أن قادة المجتمع يقولون إن المجموعات الحسيدية في نيويورك قد تُركت عرضة للفيروس التاجي المستجد بسبب مجموعة من العوامل الاجتماعية، بما في ذلك ارتفاع مستويات الفقر، والاعتماد على الزعماء الدينيين الذين كانوا بطيئين في التصرف في بعض الحالات، وطبيعة المجتمع الحسيدي، الذي لا يثق في السلطات العلمانية بسبب تاريخه المضطرب.

ويبرز انعدام الثقة هذا بطرق تزيد من خطر نشر الفيروس وتلفت انتباه قوات إنفاذ القانون، والتي تم استدعاؤها في الأسابيع الأخيرة لتفريق الحشود في أحداث مثل حفلات الزفاف والجنازات في مناطق الجالية في بروكلين لشمال نيويورك ونيو جيرسي.

وتم إلغاء احتفالات عيد "البوريم" اليهودي، الذي وقع في 10 مارس من هذا العام، في العديد من المعابد الإصلاحية والمحافظة والأرثوذكسية الحديثة، ولكن العديد من المجموعات الحسيدية احتفلت بالمهرجان، وجذبت الناس إلى التجمعات التي ساهمت في نشر الفيروس.

وقالت "سوزانا هيشل"، أستاذة الدراسات اليهودية في كلية دارتموث: "لم يقتصر الأمر على المجموعات الحسيدية المتشددة فحسب، بل استجاب الكثير من اليهود لفكرة عدم الذهاب إلى الكنيس أو التجمع في مكان عام بشعور بالغضب، حيث تأثروا بخلفية الاضطهاد الديني للمعابد اليهودية" على حد تعبيرها.

وكان هذا الشعور بالتحدي واضحًا في أحياء مثل بورو بارك وساوث ويليامسبورغ، حيث عرضت بعض الشركات والحمامات الدينية لافتات مكتوبة باللغة اليديشية، وهي لغة المجتمع الحسيدي، لإبلاغ أفراد المجتمع بساعات العمل والأسعار أو توجيههم لاستخدام مدخل غير مرئي من الشارع.

وقالت الدكتورة هيشل: "كانت هناك صعوبة في التمييز بين الاضطهاد وإجراءات الوقاية من الوباء، وكان الشعور السائد هو الرفض التام لهذا النوع من المعاملة، والرغبة الشديدة في متابعة حياتنا كيهود والذهاب إلى الكنيس، فقد كان ذلك نوعا من التحدي والتأكيد على الهوية اليهودية".

وأشار "موتى سيليجسون"، المتحدث باسم منظمة "حباد" اليهودية، إلى أن الجالية أكثر عرضة للفيروس بالفعل، ولكن ليس بسبب حوادث معزولة لخرق القواعد، بل بسبب الأمور التي تجعله نابضًا بالحياة، مثل العائلات المتماسكة، والالتزام بالطقوس الأسرية والعادات التي تقرب الناس من بعضهم، حيث يعيش الصغار والكبار جدًا جنبا إلى جنب.

وقال "ماير لابين"، وهو كاتب يديشي، إنه يعرف الكثيرين الذين ماتوا بسبب الفيروس، بما في ذلك العديد من الحاخامات وآباء الأصدقاء، لأن تقاليد الحياة الحسيدية تجعل من احتمال التخلي عن التجمعات الدينية والبقاء في المنزل أمرًا شاقًا.

وشرح أن الذهاب إلى الكنيس الذي يقوم به الأفراد 3 مرات يوميا، أو حضور حفلات الزفاف هي أكثر من مجرد أحداث دينية، بل أنشطة تلعب دورًا اجتماعيًا كبيرا للمجتمع الملتزم الذي يبحث عن منافذ للتنفيس عن طاقته.

وقال لابين: "هذا هو المكان الذي نحصل فيه على أخبارنا ومعلوماتنا أو ترفيهنا، فالمجتمع هو كل شيء بالنسبة لنا، فحياتنا مختلفة تمامًا عن حياة معظم المجتمعات الأخرى، حيث لا يوجد لدينا الكثير من وسائل الترفيه الأخرى في المنزل، وعلى سبيل المثال".

وشرح أنه من منظور الحسيدية، فإن أوامر الإغلاق لا تعتبر تضحية بسيطة للمجتمع الذي لم يعتد البقاء في المنزل قط ومشاهدة نتفليكس، فنحن عائلات كبيرة تعيش في منازل صغيرة، ومنفذنا الوحيد هو الخروج والاختلاط بالآخرين، والآن من الصعب جدًا وضع حد مفاجئ لكل ذلك."