الضباب (THE MIST)

اليمن العربي

قبل سنوات شاهدت فلم أجنبي اسمه الضباب او (THE MIST) ،هذا الفلم يتحدث عن بلدة صغيرة تقع في مكان ما في الولايات المتحدة الامريكية وبالقرب منها قاعدة عسكرية ،وفي أحد الأيام خيم على المدينة سحاب كثيف جعل الرؤية معدومة وبشكل غير معتاد ،الكثير من سكان البلدة كانوا يتسوقون عندما وقعت الحادثة غادر البعض بينما فضل آخرون البقاء في المجمع إلى أن تتضح الرؤية .

 

تدور أحداث معظم الفلم في هذا المجمع وبشكل درامي فلسلفي .

 

حبكة الفلم في مجملها لاتختلف عن بقية الأفلام المبتذلة ولكن العمق يكمن في المعالجة الدارمية للسلوك البشري تحت الضغط ..

الذين فضلوا البقاء في هذا المجمع أناس بسطاء وهم عبارة عن رجل وابنه ذو الاحد عشر سنة وصديقته إضافة إلى امرأة متدينة يعتبرها سكان البلدة مخبولة وجنديان شباب يعملون في القاعدة العسكرية المجاورة وهم بالمناسبة من سكان البلدة ،هولاء هم الأشخاص الرئيسيون في هذا الفلم إضافة إلى مجموعة من كبار السن وموظفي المجمع التجاري ..

منذ الوهلة الأولى للأحداث والمرأة المخبولة تحاول تسقط و توظف ماحدث لصالح معتقداتها الدينية الخاصة بحيث ترجع سبب البلاء إلى ابتعاد الناس عن تعاليم المسيح وغرقهم في الآثام وهو ما قوبل بالاستهجان من الجميع والسخرية في أحيان أخرى بينما حاول البعض إيقافها والدخول معها في حوار ولكن دون الوصول إلى نتيجة ..

وبعد فترة ظهرت بعض الحشرات وبدات بمهاجمة البشر وقتل البعض في المجمع بينما لم تمس تلك المرأة بسوء أخذت بمطاردة البقية ..

هذه الحادثة والضغط النفسي الذي تعرض له المتواجدون جعل الكثير يلتف حول تلك المرأة وبهذا أصبحت تلك المخبولة وفي لحظة زعيم له القول الفصل في كثير من الأحداث وهي التي كانت إلى حد قريب يسخر منها الجميع وربما حتى تهجم عليها البعض ..

أول ضحايا ذلك الجنون كان الجنديان الشابان الذين يعملون في القاعدة حيث قامت بشنقهم محملتهم مسؤلية الكارثة ..

كان مبررها في ذلك أن الجيش وبأعماله الشيطانية هو المسؤول عن ظهور هذه الوحوش وبالتالي يجب محاسبتهم على كل مايحدث وتطهير المجمع من الآثام لكي يسلم الجميع ..

أصبح نزلاء ذلك المجمع مثل القطيع الهائج الذي يهاجم بعضه تنفيذا لرغبات تلك المخبولة والتي أحكمت سيطرتها عليهم وأصبحت صاحب القول الفصل في كل مايحدث وهي التي تحدد من يعيش ومن يموت ..

الأحداث بينت لنا كيف يصبح الناس في مرحلة الضعف والخوف فريسة سهلة للأفكار الغريبة وتصبح البيئة خصبة للأفكار الشاذة والمتطرفة والتي تستند على تفسير الغيببات وفق قناعات محددة ...

الأحداث تبين أيضا أن من تسخر منهم في وقت السلم فإنهم في الأزمات قد يكونوا ذو شعبية وقيادة ويصبح البشر أكثر تقبلا لأفكارهم المجنونة ..

في الأحداث الحرجة التي يعيشها العالم اليوم وبعد انتشار وباء الكرونا او ما يعرف علميا باسم (covid 19)أصبح العالم عرضة للكثير من الأفكار المبنية على الغيبيات فقد شاهدنا الكثير ممن يدعي أنه لديه العلاج الخارق وكلا يحمل في يده نبته يدعي انها الحل السحري وآخر يدعي أن قول تعويذة ما تحفظك من الإصابة بذلك المرض ، وآخرون يدعون أن اتباع المذهب الفلاني محصنون من ذلك البلاء وهكذا..الخ ..

مايحدث اليوم سيخرج أسوء مافي البشر من تراكمات التخلف ،ستشيع الغيبيات ، والخزعبلات سيصبح لها رواجا..

قد يعتقد اليعض أن هذه الأمور ستقتصر على وطننا العربي والإسلامي فقط والذي يصفه البعض بالتخلف ولكن في الأزمات تذوب الفوارق وقد يصبح من نعتقدهم شعوب مثقفة فريسة سهلة لافكار غريبة

...

نحن في اليمن ونتيجة للأزمات التي عصفت بالوطن كنا أول من عايشنا هذا الوضع حيث ظهر لنا العديد من الأشخاص ممن يدعون المهدوية وآخرون يكتشفون لقحات وعلاجات لأمراض مزمنة وآخرون والأكثر ذكاء استغلو الأوضاع لبناء ملك وسلطة مستعينين بشعار الدين ووفق تفسير خاص لمذهب أو قول ما ..

المثير للسخرية والرعب في آن هو ماتفعله بعض الأنظمة الديكتاتورية والتي فشلت في تقديم شيء يذكر لشعوبها في هذه الأزمة وبدل أن تقدم معالجات وحلول لجأت هي الأخرى إلى الخزعبلات والشعارات وأوعزت لوسائل إعلامها لتقديم تفسيرات غيبية وغير عملية للأحداث حتى أن البعض ادعى أن بلاده محفوظة من الله دون غيرها وخصها الله بالحماية والتأييد في مخالفة للعقل والدين ...

الأحداث القادمة ستعيد بناء المفهوم المعرفي حول البشر والبلدان والشعوب ،وستسقط أفكار وقناعات وستبني تحالفات جديدة وتسقط اخرى ..

#ماقبل #الكرونا #ليس #كبعده#..