الروح الثانية مستحيل تنفصل

اليمن العربي

تسارعت دقات قلبي لتعلن زفاف عرسي ..كادت أنفاسي تختنق..سرت قشعريرة كسلك كهرباء إلى جسدي النحيل ..بدأت قطرات العرق تنساب مني كالندى على أغصان شجرة البان ..تلعثمت كلماتي وزاغت تلك العينان .. أصبح لون جسمي فاقع اللون ..كأن ملك الموت يحوم حولي ..إنها المرة الأولى التي أجد فيها روح ثانية تقترب مني .. تلامس وجداني ..هل هي حياة ثانية مزدوجة تتصارع لتخطف روحي الأولى ؟!!

كنت عاشق لا يشق له غبار ولكن عن بعد ..وددت أن أفترسها ذات يوم ..ولكنها طيف يسبح في الفضاء..وأنا تمساح يقبع تحت الماء ..يتحين الفرص وينصب الشباك لتقع فريسة بين أنيابي التي لا ترحم ..ولكن الحظ وقف حائل أمامي ..إنها مشيئة الله .

 

كنت أملك روحاً واحدة هي بالنسبة لي الدنيا وما فيها ..ما كنت يوماٌ أعرف روحاً غيرها ..حتى تربعت على عرشي وملكت بتلابيب فؤادي ..صارت قرة العين وروحي الثانية التي أتنفس بها وأعيش تحت كنفها..روحي الأولى لا تُرى بالعين ؛ ولكن أشعر بها أو هكذا خُيّل لي ..أما هذه الروح الثانية هي شئ محسوس ويصعب على أي إنسان في الدنيا يعيش بدونها !!

 

إنها المرأة بكل ما تعنيه الكلمة..هي أنفاس الحياة ورونقها وبهائها وجمالها الخلاب ..هي مغناطيس القلوب ..هي الطيف العابر للقارات ..مستحيل أن تتجاهلها أنفة وكبرياء وغطرسة..هي عطر الحياة وشذاها الفوّاح..لست أدري أي ملاك هي !! خطفت القلوب ..وتاه في عشقها الشعراء والعشاق.. هي جنة الدنيا بخضرتها وأزهارها وجمالها الساحر ..هي تعويذة الحياة للرجل تجري في دمه وشرايينه..كل الكلمات والإطرأ ما قيلت وما ستقال لن ولن تفِ بهذا الملاك الساحر .

 

هي طلسم الحياة وسر الوجود .. هي الأم التي أنجبت العظماء والمفكرين .. هي الزوجة الحنون والقلب الرؤوف .. هي الحب والوفاء والروح ..هي كل شئ جميل بكل لغات العالم .. هل فكرت يوماً حياة بلا امرأة..بلا جمال .. وبلا حب .. بلا استقرار ..هل سيجد الشعراء كلمات تخلد هذا الجمال والغنج بدونها ..ستصبح كل الكلمات جوفاء عقيمة بلا معنى..ستنتحر الكلمات الجميلة على أعتاب قدميها .. وستظلم الدنيا بأكملها ..سيختفي الحب والعشق والغرام والهيام ..وستظهر أنياب الوحوش .. سيتحول هذا البشر إلى كتلة من حجر ..ستذوب الأحلام وتحل الآلام..فمن ذا يستطيع العيش بلا امرأة..بلا روح ثانية ؟!!.

 

وهل تستطيع الكائنات بأصنافها وأنواعها وتعدد مشاربها ان تعيش بدون ضدها ، هي مادة واحدة متكاملة في الحياة ، تتحد ولا تفترق وإن فارقت خمد ذكرها وتلاشى خبرها ، وأصبح منبوذ في مجتمعه لأن روحه الثانية والمكملة له فقدت واختفت ، ما أعظم هذا الكائن وما أشد جبروته وكبريائه ، حمل الصفات كلها لتحيا معه ، هي نصف الكون قاطبة إن لم تكن أكثره ، هي ديمومة الحياة وبقائها السرمدي .

 

معذور امرؤ القيس في عشقه وهيامه وجنونه الأسطوري ، معذور عنتره وهو يصف ابتسامتها أثناء معركة حامية الوطيس عندما قال :

 

وَلَقَد ذَكَرتُكِ والرِّماحُ نَواهِلٌ  - مِنّي وبِيضُ الهِندِ تَقطُرُ مِن دَمي

..فَوَدَدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها - لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ .

 

لقد خلّد التاريخ ذكرها على صفحات من نور ، وستبقى المرأة تلك الأسطورة وتلك الملاك ، ما صدح طير في السماء وغرّد ، ما بقيت الأرواح في هذا الكون الفسيح ، ستبقى حية كانت أم ميتة في ذاكرة التاريخ .