أردوغان و"فزاعة" كولن.. تركيا تتحول إلى "باستيل" كبير

عرب وعالم

اليمن العربي

ولاية رئاسية جديدة بدأها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاعتقالات والإقالات لمعارضيه، في حملات تتواصل بشكل هستيري منذ محاولة الانقلاب الفاشلة قبل عامين حتى باتت البلاد تشبه معتقل "الباستيل" أشهر سجون العالم في فرنسا للمعارضين السياسيين. 

كما طالت الاعتقالات والتعذيب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ممن يبدون أدنى معارضة لأردوغان، إذ بات تعليق بسيط أو تدوينه على فيسبوك أو تويتر كافية لأن تحمل صاحبها نحو المعتقل بتهم شتى، أبرزها الانتماء إلى منظمة فتح الله كولن المحظورة من قبل أنقرة.

كولن، وهو المعارض التركي والمقيم منذ سنوات طويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، بات شماعة يعلق عليها أردوغان "نياشين ديكتاتوريته" الموسومة بالاعتقالات والتعذيب والقتل، وفق تقارير متفرقة.

ولاية جديدة تبدأ بالإقالات
وعقب فوزه بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في يونيو/حزيران الماضي، وتدشينه النظام الرئاسي، بدا أن أردوغان امتلك أخيرا جميع الصلاحيات التي كان يرنو إليها من أجل تصفية معارضيه كما يحلو له وحتى الرمق الأخير.

وعشية تنصيبه لولايته الثانية معززا بصلاحيات تنفيذية واسعة، استبقت أجهزته الأمر لتصدر مرسوماً بعزل أكثر من 18 ألف موظف بتهم الانتماء لمنظمة كولن. 

وكان من بين هذا الرقم أكثر من 9 آلاف عنصر في الشرطة، و6 آلاف من القوات المسلحة، ونحو ألف موظف في وزارة العدل، و650 في وزارة التعليم.

وبموجب المرسوم نفسه، جرى إغلاق 12 مؤسسة و3 صحف وقناة تلفزيونية، ليضيف إلى قائمة الأسر والأشخاص المشردين بالبلاد، الآلاف ممن باتوا بلا مصدر رزق، في بلد يعرف معدل تضخم مرتفعا.

وسبق ذلك بيوم واحد، أن قضت محكمة تركية بالسجن لفترات متفاوتة تصل إلى 10 سنوات، بحق 6 صحفيين بزعم صلتهم بمحاولة انقلاب يوليو/تموز 2106.

أحكام ظالمة تستهدف الأجهزة والقطاعات الحساسة والفاعلة بالبلاد، انطلاقا من الجيش إلى الشرطة، وصولا إلى الإعلام، ضمن سياسة ممنهجة يتبعها أردوغان لإسكات أي صوت يجرؤ حتى على انتقاده، وهو أمر لاقى استنكارا واسعا من قبل عديد من المنظمات الحقوقية الدولية، بينها "العفو الدولية".

قبل ذلك، أمر السلطات التركية باعتقال أكثر من 330 جنديا، بينهم ضباط، بالتهمة ذاتها، في عملية دهم اعتبرت الأكبر من نوعها، وشملت 47 محافظة.

ومع أن السلطات التركية غالبا ما تتكتم عن خبر الاعتقالات والإقالات، ولا تعلن إلا عما تريد إبلاغه للرأي العام.



إلا أن منظمة "هيومان رايتس جوينت بلاتفورم"، أعلنت أنه تمت إقالة 112 ألفا و679 شخصا في 20 مارس/آذار الماضي، بينهم أكثر من 8 آلاف من القوات المسلحة، ونحو 33 ألف موظف في وزارة التعليم، و31 ألفا من وزارة الداخلية، بينهم 22 ألفا و600 موظف في المديرية العامة للأمن.

وعلاوة على الإقالات، جرى تعليق مهام عشرات الآلاف الآخرين، بالتهم المزعومة نفسها، حتى بات ذكر اسم كولن في تركيا يثير الرعب.

العالم الافتراضي لم ينج
أحكم أردوغان قبضته الحديدية على واقع الأتراك، فألجم الأفواه، وزرع الرعب في كل النفوس، ولم يكتف بذلك، وإنما طارد حتى رواد الإنترنت، واختلق لهم قوانين على المقاس، بهدف الزج بهم في السجون.

وبإدخال العالم الافتراضي فيما يمكن وصفه بـ"بيت الطاعة" اختنق الأتراك، وباتت تركيا سجنا كبيرا لهم بسماء مفتوحة، حتى إن البعض يشبهها بمعتقل "الباستيل" الفرنسي الأشهر عالميا، الذي مثل اقتحامه أول شرارة لاندلاع الثورة الفرنسية.

ومن بين جرائم الديكتاتور أردوغان، فتحت وزارة الداخلية التركية التحقيق مع 514 مواطنا ممن يمتلكون حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ووسائل التواصل الاجتماعي في تركيا تخضع لمراقبة شديدة، وذلك منذ فرض حالة الطوارئ بالبلاد قبل عامين، كما جرى القبض على العديد من النشطاء والزج بهم في السجون.

ووفق الداخلية التركية فإن التهم الموجهة لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي هي: "الترويج لتنظيم إرهابي، والإعلان عمدًا عن علاقته بتنظيمات إرهابية، ونشر الحقد والكراهية والعداوة بين المواطنين، وإهانة رموز الدولة، ونشر خطابات الكراهية بقصد الإضرار بأمن الأرواح في المجتمع ووحدة الدولة".

سلسلة لا تنتهي من التهم الكاذبة، تتفنن أنقرة في نسجها وحياكتها على مقاس مواطنيها، لتتحول البلاد إلى قبة ضخمة، يتأرجح فيها مواطنوها بسلاسل من حديد، عاجزين عن التعبير بحرية عن مواقفهم.