تفاصيل استيلاء الموساد على الأرشيف السري لـ"نووي إيران"

عرب وعالم

اليمن العربي

6 ساعات و29 دقيقة هي المدة التي استغرقها عملاء الموساد الإسرائيلي المتواجدون داخل مستودع يقع بحي تجاري في العاصمة الإيرانية طهران، لتعطيل أجهزة الإنذار وتجاوز بابين اثنين، وفتح عشرات الخزائن العملاقة والخروج وبحوزتهم نصف طن من الوثائق والمواد السرية الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني. 

وفي تقرير مطول نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الأحد، كشفت عن تفاصيل المغامرة الكبيرة التي قام بها جواسيس الموساد في قلب طهران، في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، والتي نجحوا من خلالها في الوصول للأرشيف السري للبرنامج النووي الإيراني، وإظهار وثائق سرية من شأنها إحراج نظام الملالي الذي ينفي دائما وجود أهداف عسكرية لبرنامجه النووي.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عرض خلال كلمة في أبريل/نيسان الماضي على التلفزيون الإسرائيلي، ما وصفه بالأدلة على برنامج إيران السري للأسلحة النووية.

 وأشار نتنياهو حينها إلى حصول جهاز الموساد على آلاف الوثائق النووية الإيرانية، والتي قال إنها تدحض أكاذيب قادة إيران ونفيهم المتكرر لعدم السعي لامتلاك أسلحة نووية.

وحسب التقرير الذي كتبه ديفيد سانجر ورونين بيرجمان، فقد استمر الموساد في مراقبة المستودع عاما كاملا، ووفق ما توصلت إليه جهود المراقبة، ففريق الحراسة الصباحي دأب على أن يصل إلى المكان في حدود الساعة 7، ولذا كان لدى عملاء الموساد أوامر بمغادرة المكان قبل الخامسة صباحا ليكون لديهم وقت كاف للفرار.

وأضافت نيويورك تايمز أن أوامر المغادرة في هذا التوقيت كان لأنه: "بمجرد وصول الحراس الإيرانيين سرعان ما سيتبين أن ثمة من اقتحم المكان وسرق الكثير من الملفات التي توثق لسنوات من العمل على تطوير أسلحة نووية، وتصميمات لرؤوس حربية وخططا للإنتاج".


وقالت الصحيفة: "وصل العملاء للمستودع عند الساعة 10:30 مساء تلك الليلة، مصطحبين معهم شعلات تصل درجة حرارتها لـ 3600 درجة، تكفي لقطع وفتح 32 من الخزائن الحديدية العملاقة، الإيرانية الصنع، وهذا بحسب ما أكدته لهم المعلومات الاستخبارية التي تم جمعها أثناء التخطيط للعملية".

لكن فريق العملاء لم يتمكن من فتح كل الخزائن لضيق الوقت، فاستهدف أولا الخزائن التي تحتوي على أغلفة سوداء، والتي تضم أكثر التصميمات حساسية.  

وعندما انتهى الوقت المتاح لهم، فر العملاء باتجاه الحدود، ومعهم 50,000 صفحة و163 من أقراص الذاكرة المضغوطة، والفيديوهات والخطط.

وتابعت الصحيفة الأمريكية أن المستودع الذي اخترقه الإسرائيليون وُضع موضع الاستخدام فقط بعد توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة في 2015، وهو الاتفاق الذي أعطى صلاحيات واسعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المواقع النووية المشتبه بها، بما في ذلك القواعد العسكرية.

ولهذا، فقد شرع الإيرانيون بصورة منهجية في جمع آلاف الوثائق المنتشرة في أنحاء البلاد، والتي توثق لكيفية بناء سلاح نووي، وتركيبه على صواريخ، وكيفية تفجيرية، بحسب ما يقول مسؤولون إسرائيليون.

واستطردت: "لهذا فقد جمع الإيرانيون هذه الوثائق في المستودع، الواقع في حي تجاري ليس له علاقة فيما مضى بالبرنامج النووي، وبعيد للغاية عن مواقع الأرشيف المعلنة لوزارة الدفاع. لم يكن هناك حراسة ظاهرة على مدار الساعة أو أي شيء من شأنه أن يلفت انتباه الجيران أو الجواسيس لشيء غير عادي يحدث هناك".

لكن ما لم يكن يعلمه الإيرانيون أن الموساد كان على امتداد عامين، يوثق لجهود جمع الوثائق، ويقوم عملاؤه بتصوير التحركات، منذ بداية عملية جمع الوثائق في فبراير/شباط 2016. 

وفي العام الماضي، بدأ جواسيس الموساد عملية استيلاء، يقول مسؤولون استخباريون إسرائيليون كبار إنها تشبه كثيرا مغامرات جورج كلوني في "أوشنز 11".

وتقول نيويورك تايمز إنه في عمليات الموساد السابقة كان الجواسيس يستهدفون إحدى المنشآت ويخترقونها ويأخذون صورا أو نسخا من المواد من دون ترك أي بصمات، لكن في هذه الحالة، أمر رئيس الموساد، يوسي كوهين، بسرقة الوثائق مباشرة.

ورغم المخاطرة فمن شأن هذا أن يقلص بشدة الوقت الذي سيقضيه العملاء – وكثير منهم، إن لم يكونوا جميعا، إيرانيون – داخل المستودع، إلا أن الإسرائيليين كانوا يريدون الوثائق الأصلية لعرضها على خبراء دوليين وتفنيد مزاعم الإيرانيين الذين من المرجح أن يقولوا إن الوثائق مزورة.

وقالت الصحيفة "من الواضح أن الجواسيس الإسرائيليين حصلوا على مساعدة من داخل المستودع، فقد كانوا يعلمون بالضبط أي الخزائن الـ32 يحوي أهم المعلومات، وقد راقبوا تصرفات العمال الإيرانيين المعتادة، ودرسوا عمل نظام الإنذار، فتمكنوا من تعطيله ليبدو أنه يعمل رغم أنه لم يصدر أي إنذار عند دخول عملاء الموساد".

وأضافت الصحيفة: "رغم كل الجوانب السينمائية للعملية، فإن هناك الكثير من الدراما المفقودة بشأن ما حدث بعد ذلك فورا". 

وأوضحت: "لم يكن هناك أي مطاردات، بحسب ما يقول الإسرائيليون، الذين لم يكشفوا ما إذا كانت الوثائق نُقلت برا أم بحرا أم جوا، وإن كان الفرار عن طريق الساحل، الذي يبعد بضع ساعات من طهران، أمرا أقل خطورة".

ولفتت إلى أنه أكثر من 20 عميلا شاركوا في العملية وخوفا من سقوط بعضهم في يد الأجهزة الإيرانية، فقد نقل الإسرائيليون المواد عبر عدة طرق مختلفة، وعندما وصل الحراس في تمام السابعة صباحا، كما توقع الموساد، اكتشف أحدهم أن الأبواب والخزائن مكسورة، فقام بتشغيل الإنذار وسرعان ما بدأت السلطات الإيرانية حملة في أنحاء البلاد لضبط المتورطين، شارك فيها عشرات الآلاف من أفراد الأجهزة الأمنية والشرطة، ولم يتوصلوا إلى شيء.

وتقول الصحيفة إنه حتى خطاب نتنياهو نهاية أبريل/نسيان الماضي، لم يكن الإيرانيون قد أفصحوا عما حدث.